Skip to main content

Full text of "روايات أيمن العتوم"

See other formats




عير 1 ١‏ 000 
ددا لعرفة 





يمن العتوم 


روؤوس الشياطين 


رواية 


عفد السقوة : 
جميح لحقوق محفوظة© 


10( 
الكمرة لا ثحت مَنْ لا يُحتها 
ماتث أقه العام الفائت, وذفتث في المقبرة الفوقا 
إلى جانب أحَواتها الشّث؛ كانث أصغرهن. وآخرهنٌ 
مونًا. ذفِنث كُلٌ أختٍ إلى أختها ممُتجاوراتٍ في صف 
مُنتظّم, كما لو كن يُعلِنَ أنهن اتحذن في المأساة قبل 
الموتٍ وبعده. أو رُبَما كُنَ يَقُلن: «ما تَعثرثه الذروب 


تجمعه القبور». 


التوم نِعمة. التوم نقمة. التوم قَاتِلُ إذا أقبلء وقَاتِل 
إذا أدبر. وقاتل إذا رضيء وقاتل إذا شسخط, محبوبة 
غير مطيعة. وخليلة غير واصلة,2 ومفشتهاة مُتمئّعة, 
وقريبة بعيدة!! كيف ينام ذو هَم. لكنّ الهموم مغلها 
مغل أي شيءٍ آخَر خلقه الله. تنتهي, فلماذا لا يزوره 


التوحم بعت ذلك؟! ولكن: هل فعلاً تنتهىي الهموم؟! 


39 ا ا لسر المكان 
بل على الحقيقة, كلما ألقى بجسده المُنهك على 
الفراش, فتح الأرقٌ عيتيه. كان بينه وبين العغمض حربًا. 
الليل فى الضيف حان. ومن هنا فى هذه الغرفة التى 
الزوائح الكريهة. لعن الفقر.ء والحاجة, والحظء والفندق, 


10( 
الكمرة لا ثحت مَنْ لا يُحتها 
ماتث أقه العام الفائت, وذفتث في المقبرة الفوقا 
إلى جانب أحَواتها الشّث؛ كانث أصغرهن. وآخرهنٌ 
مونًا. ذفِنث كُلٌ أختٍ إلى أختها ممُتجاوراتٍ في صف 
مُنتظّم, كما لو كن يُعلِنَ أنهن اتحذن في المأساة قبل 
الموتٍ وبعده. أو رُبَما كُنَ يَقُلن: «ما تَعثرثه الذروب 


تجمعه القبور». 


التوم نِعمة. التوم نقمة. التوم قَاتِلُ إذا أقبلء وقَاتِل 
إذا أدبر. وقاتل إذا رضيء وقاتل إذا شسخط, محبوبة 
غير مطيعة. وخليلة غير واصلة,2 ومفشتهاة مُتمئّعة, 
وقريبة بعيدة!! كيف ينام ذو هَم. لكنّ الهموم مغلها 
مغل أي شيءٍ آخَر خلقه الله. تنتهي, فلماذا لا يزوره 


التوحم بعت ذلك؟! ولكن: هل فعلاً تنتهىي الهموم؟! 


39 ا ا لسر المكان 
بل على الحقيقة, كلما ألقى بجسده المُنهك على 
الفراش, فتح الأرقٌ عيتيه. كان بينه وبين العغمض حربًا. 
الليل فى الضيف حان. ومن هنا فى هذه الغرفة التى 
الزوائح الكريهة. لعن الفقر.ء والحاجة, والحظء والفندق, 


وصاحب الفندق, والتومح. وهم بأن يلعن نفسّه. قبل أن 
يتراجع. ويقلت على جنبه الآخر, أغمضّ عيتيه في 
محاولة جديدة لكي ينام, لكتهما تأبّتا عليه», فَكّر في 
الغرفة, خُيّل إليه أن أحدًا سرقٌ شيئًا من محتوياتهاء 
فقفز على قدميه مذعورًا. ركض باتجاه الخزانة. فتحها 
بسرعة, وشد سحخاب الحقيبة العتيقة2 وأزاح بيدَيه 
أطرافها وارخ يتفقد موجوداتها بعناية2, بعد دقائق 
تنقد: «لم تمنت إليها يّء كل شيءٍ فيها على حاله». 
ارتاح2, وعادت إلى فراشه. حاول التوم من جديد, لم 
يُفلخ, تناهى إليه صوث بعض الشكارى في الشارع 
الممتت أمام الفندق يتصايّحون, شم رائحة الخمر تفوح 
من أفواههم., عَبَرَتِ الزائحة الشارع من ضفته البعيدة 
إلى الضفة القريبة حيث مدخل الفندق2. وصعدت 
الترجات مثل الزوح, ضبابيةً خفيفة, كان يراها بأنفه, 
ثم مخرت ذلك الأنف, وأعادثه إلى زمن سحيق, لَقتهم 
هم الآخرين, ولكن لعناته المتتابعات لم تجلتٍ له لحخّلة 
نوج واحدة, وارخ يتقلب, وهو يمسح العرق المتصتب 
عن جبينه بطرف شرشف السرير القَذِرء شم رائحة بول 
من جديد. كيف ينام؟! 


نهض من فراشّه فى الشادسة صباكحاء لم تكن 


عيناه قد ذاقتا طعمَ التوم لحظة, نزل عند (أبو ياسين 
الفقال)2 كان يبي الفول على عربة مطليّة بالأخضر 
يظهر من خلفها بجقته الضخمة ورأسه الكبيرة, ولا 
يكاد يُرى منه إلا نصف صدره من خلف العربة لقصره., 
قذز الفول فى الصضباح يغليء تنبعث منه أدخنة الطبخ, 
تصل روائحه إلى آخر الشارع الذي لا ينتهيء قال له 
الفقال وهو يدفع له صحتن الفول المعتاد. ويسحب 
بإبهامه (مغيط) الجتادات التي تثمسك بنطاله العريض: 
«التهار اليوم قائظ, والحرارة ستشتت بعد قليلء2 لن 
تمشىي اليوخ كثيرًا؟». رمقه بعيتين ذابلتين2, وأخدّ 
صحنه:, وأدارَ له كَلهره, قال له وهو مُولٌ: «الحساب؟». 
عات وركرٌّ له نصفّ دينارٍ معدنى على القائمة اليُمنى 
للظاولة. قوائم العربة التي تحمل المظلة مطلتّة 
بالأحمر,. اللون القثير بالتسبة له. مشى إلى المخبز, 
تلات خطوات, وأحش بلهب التار الخارج من الفرن, 
ورائحة الخبز التاضج. الرّوائح عنده لا تختلط, 
يستطيع أن يمتزهاء ويُحش بها كاملةً دون أنْ يشعر 
بارتباك فيها أو تداخل؛ في خياشيمه أل ألف حشاس, 
لكل رائحة منفدٌ منها لا يجور على سواه. اشترى رغيقفًا 
ساخِنًا من المخبز بعشرة قروشء ثم جلس على مقعدٍ 
الإسمنت, وراح يأكل بشهيّة, تلقظ. وهو يلعخٌ اللقمة 


الأخيرة فى صحنه: وعبرته موجةٌ سعادة غريبة؛ لأقل 
مرّة رتما من سنة يأكل بهذه الشهيّة. أشعل سيجارته, 
ومحى نحو كشك القهوة, توذعه (شمعة القهو جي): 
كان قد بدأ بالفعل بإعداد كوبه من القهوة؛ أوقد تحتها 
اندلق بعضها على الجوانب فاحدتت نشيشها صونًا 
الأسطورتّة فسرى في زوحه الخَدّرء تذكر ما كان يقوله 
له الشيخ عنها: «إنها خمرة الصّالحين» فتبشم. رفع 
سمعة الزكوة التثحاسقة ذات اليد الخشبئّة مسافة 
عالية2. وسكب القهوة فى الكوب باحتراف. ومذه إلى 
صاحبه.,. عَنْ التقود المتبقية معه., انها قليلة, ولكتها 
تكفيه يومَين أو تلاتة, وماذا يريذ أككر من ذلك؟ تناولّ 
قهوته بتلدّذٍ آخّر مع سيجارته2. ومشى. مشى كي 
الشارع الممتت أمام الفندق. كان التقاس يستيقظون, 
والشارع بدأ يمتلئ بستّارات الأجرة التي بدأ الموظفون 
يحشرون أنفسهم فيها ذاهبين إلى أعما لهم, واصواث 
بعض الباعة راح يملا المكان. وهو؟ ليس لديه وظيفة, 
بالأحرى, كانث لديه وظيفة. فى الحقيقة كانث لديه 
وظائف كتيرة, لكته اليوم عاطلٌ تمامًا عن العملء, وماذا 
ينفعه تذكر الماضى إذا كانت هذه الذكريات تثقب 


القلب, لكن ماذا إذا كان القلب قد انخرق لكثرة ما فيه 
من ثقوبء. وصارت التماء ترشح من كل خَزق فيه: لن 
يهقه الدم, القلث الذي لم يعذ موجودا لم يعذ مؤلِمًا 
نزيفه. كقرة التزيف تهون القزح. تنقد وهو يتذكر تلك 
الأيام. ونفض رأسه لكي يتخلص من شريط الدذكريات, 
إنه لا يريد أحزانًا جديدة,. وما فائدة اجترار البؤسء إذا 
كان هذا البؤس رفيقًا دائمًاء. وصديقا مخلصًا؟! ومشى. 
مشى من دون غاية, ولا هدف. الشارع طويلء وبإمكانه 
أن يظل ماشيًا حقى تكلّ قَدَمَاه. أو تحرقه الشمسء أو 
يذبحه العطشء والوقت؟ ليس له أئ قيمة, ليس هناك 
من أحدٍ ينتنظره. لا زوجة, لا أبناء. لا وظيفة, لا 
أصدقاء. لا أهل2 حقى أقه التي كانث نقطة الضّوء 
الوحيدة في حياته. ماتت, ماتت وهو في أشت أزماته, 
كأن الأقدار كانث تريذ له أن تلسعه بسوطها في الوقتٍ 
الذي كان هو في أميتى الحاجة إليها. ولذاء فليظل 
ماشِيًا حتى يجت لهذه الظريق نهاية؟ ولكن لماذا تطول 
التهايات إلى هذا الحت الذي يبدو أنه لا نهاية لها؟! 


عشز سنواتٍ مرّث على ذلك اليوم, اليوم الذي خَسِرَ 
فيه زوجغه الأولى. ما زال إلى اليوم يعتبرها أفدح 
خساراته وأكبر خيباته. مع أنه لا يُمكن عَدَ قطرات 
الفحيط, كانث خيباته أكبر من ذلك. 


حينَ ؤلد سقاه أبوه (ماركس)., كان أبوه سِكيرَاء لا 
يكاد يصحو من الشزب. درس في (روسيا) أَتَام ما 
كانت الذولة تبتعث الفقراء إليها ليدرسوا بالمجان, 
وأعجب بالفكر الشيوعيء وبشخصية (ماركس) فأراد 
لابنه أنْ يكون عظيمًا مثل ملهمه هذاء لكنّ أقه التي 
بكث كثيرّاء وانتظرته أكثر أصرّث أن تُسقيه (صالح) 
على اسم أخيها الكبير الذي كانث تحتّه وكان يعرف 
الله أكثر مِمَا يعرف التاسء ولك أباه هتدها بالظلاق إن 
هجى أصرّث على ذلكء لم تتراجع الأ بسهولة, فاحتكموا 
إلى مختار القرية, ولم يتوضلا إلى اتفاق. إلى أن قال 
لهما: «يجب أن ثلغي الاسقين حتى ثتلغي الخلاف الذي 
بينكماء يُمكن أن تُسقوه (نديم)., فالتديم يُمكن أن يكون 
معناه المنايحم على الشربء وبهذا ثرضي الأب. ويمكن 
أن يكون مثل الشيخ العلآمة (نديم الملآح) وبهذا 
تُرضي الأخّ». ووافق الظرفان على مقضضء ومَصّوا 
فسجلوه في شهادة الميلاد بهذا الاسم. وإن ظل الأب 
يناديه (ماركس) ويُفخم اسمه ويُمظه إغاظة لأمه: 
وبقيت الأخ تناديه (صالح) في الشنء وفي الأوقات 
التي يكون فيها أبوه غائبًا. 


0 


الشيوعىئى الأولء. وقال له: «هذه مبايئك فى الحياة؛ 


10 


فحذار أن تحيت عنها». وأخذثه أمه فى أحضانها ذلك 
المساء. وتلث عليه ما تيشر من سورة (يس) لكي 
تطقره من الزجس الذى تِِصَقه أبيوهة في و حهه . 


حيت صار عمره سث سنئواتء كان أبوه قد بدأ يهدوى 
في وادي المرض المُظلم بسبب إدمانه على الخمر, 
أدمن أبوة كذلك على أفلام (الكاوبوي) وأفلام الغرب 
الأمريكي, وكان يُمكن أن تسمع صيحاتهما الحماسيّة 
معًا وهما يشاهدان في الفلم مبارّرّة بالفسدتسات, أو 
لعبة الموت2ء حين يدير رجل الكاوبوي طاحونة 
المفسدّس التي تحمل رصاصة واحدة, ثم يصكها بقؤةة 
داخل بوتقتهاء فلا يدري إلآ القدر أين تكمن الرّصاصة, 
ثُم يضع الفسدّس على رأسه. ويضغط على الزناد, 
كانث لعبةً عبغيّة, وكانث أنفاسهما وأنفاس اللأعبين في 
الشاشة تنقطع انتظارًا لما سيحدث بعت أن يضفغظط 
الكاوبوي على الزناد. هل ستكون الزصاصة فى بيت 
التا. فتنطلق من الفوهة فتهشم رأسه ويسيل دماغه 
من تحت قُبَعته أَمْ ينجو؟ وكان كلاهما يُصاب بخيبة 
أمل. إذا لم يُدةَ صوث الطلقة فيبعت باللآعب إلى 
الجحيم في لحظة. وما قيمة هذه اللعبة الرائعة إذا لم 
تنطلق الرّصاصة؟! وما قيمة الفوز إذا نجا الاتنان ولم 
يمث أحذههما؟! أمَا الخيول التي كانث تركض في 


11 


الحقول. فكان قلباهما يرك معهاء وأنفاشهما تلهث 
للهاتها. وكم هوث تلك الخيول في الخفر, أو انفجرث 
بها الألغام2. أو حرّث عنقها أسلاك شائكة, أو عثرث 
فرمث بالفارس من فوقها فاندق عنقه, كان الموت الذي 
يبعثه جموح الخيل يُصيبهما بالتشوة؛ وكانا ينتظران 
طويلاً. رتما الفيلم إلى آخره حتى يحظيا بتلك التشوة 
العارمة! 


أمَا في الضيف فكانث أقه. الّني ظلّث دموعها تسيل 
في داخلها على ما ترى من أبيه. تأخذه إلى الشيخ 
ليتعلم القرآن. وكان إذا جلسٌ مترتَِعًا أمام الشيخ تظل 
زكبئه تهتز كجناحي ذبابة. فإذا تعب, راح جذعه يهتز 
يمنة ويسرة. فإذا تعب. راح صدره يعلو ويهبظ. وهو 
يترتم بالقرآن يتلوه. كآنه موسيقى تهترٌ له جوارحه., 
حَفِط البقرة في أسبوع., ويوخ أن حَفِظّها ظن الشيخ 
أته أمام أسطورة. فقام وقتله. وقال له: «أنت ذكى 
جدّاء إنك تحفظ كما لو كنت تقرأ». وكان هو يبتسمُ 
ابقِسامةً خفيفة لا يظهر من خلفها أ شيءٍ من أسنانه. 
ثم لقا أن حفظ نصفّ القرآن في ثلاثة شهور., قال له 
الشيخ: «أنت حبز هذه الأقة في هذا الزمان, 
بعد المدرسة كل يوم, وواظب التلميذ الاستثنائى على 


12 


الحضور إلى المسجد فى الوقت الفحتد تماماء وجنت به 
الشيخ, فراح يُعلّمه القفسير. وقرأ عليه تفسير القرطبى, 
فكان الضصبى يحفظ ما يقرأ منه. وما يسمع. ولم يُصدّق 
الشيخ أنه أمام طفل, وتركه ذاتَ مرّة وحده فى 
المسجد. وراح يركض في الشارع واضعًا يديه فوقّ 
عمامته. لا يدري ما يفعلء. ولا يدري من أينَ هبط الله 
بهذا العقل إلى البشر. ولقا تعت الشيخ, عات إليه, 
فوجده يستظهر ما بقي له من الجزء الأول من تفسير 
القرطبى. فاشترى طبقا كاملاً من الحلوى ووزعه على 
التاس. وصازر كلما أتة الضصبىن جزءًا من القرآنء ابتدر 
إلى الدكان فاشترى تللك الحلوى, ويداأً بالضبم: «أنت 


أولى القاس بالثهنئة». ثُم يطوف بها على بقيّة رؤاد 


المسجد أو المازّة فى الشارع. 


بعد سنة كان الصضبىك قد حفظ القران كاملا 
وبعت سنة أخرى كان قد حفظظ عددًا من التفاسير, 
واستوقفق الشيخ أكثرّ من مزة عند الأرقام الّتى تنتثر 
وسأله: «لماذا (يحمل عرش" اريك فو قَهم يوصئذ 
ثمانية؟), لِمَ لم يكونوا عشرة., لماذا هذا الزقم بالذات, 
وسأله: لماذا (بعثنا منهم اتتى عشر نقيبًا) لِمَ لم يكونوا 
عشرين ؟ وسأله: لحماذأ (اختار موسى قُومهَه سبعينَ 


13 


رجالا) لِم لم يكونوا تمانين؟. وسأله: لماذا (يومًا عند 
رتك كألف سنة مِقا تعدون)؟ لِمَ لم يكن كعشرة آلاف 
سنة؟ وسأله: لماذا (عليها تسعة عشر) لِمَ لم يكونوا 
خمسة عشر؟ وسأله لماذا (آيثك ألا تكلم التقاس ثلاتة 
تا إلآ رمرًا) أفالا تكون الآية في أسبوع أو يوج أو 
أكثر أو أَقل؟ لماذا هذه الأرقاه بالدّات؟!». ولم يجد 
الشيخ جوابًا شافيا يجيب به عن اسئلته التي لم يترة 

فيها الضبى رقمًا في القرآن إلآ سأل عنه., وكان يكتفي 
لاد أحياناء. وبهز رأسه أو حك طربوشه أحيانًا 


أخرى. وجمَة له الشيخ أهل القرية وأهل العلم, 


والزجال, والتساع والضبيان, والجواري, وقال لاه :- 
«هذا نابغة, وأنا أخاف عليه . سنقيم له حفلة, ولا د يد أَنْ 

نرقه أمره إلى الذولة, إنه عقل جتار». وفى الحفلة 
تلك, قرأ على الشيخ محفوظه من كتاب اللّه, وكان 
يختار له المواضع من القرآنء ليُثبت للحاضرين وخاضة 
أهل العلم أنهم أمام نابغة من نوع لا يُمكن أنْ التدرن 


وكان إذا بدأ الضبى بالآية لا يتوقف حثى يُوقِفه 


الشيخ, ثُمَ إن عقله كان يُعدد له الكلمات المُتشابهة في 
القرآن. فئّحصيها له عددتاء ثُم يُبيّن له في أي الشور 
وردت. وأيئ الآيات. وأرقامهاء ثم يذهب إلى ما كان 
اشتقاقًا منها فيذكره. وأهل العلم ذاهلون. وعيونهم 
شاخصة مُعلقة به لا تكاد تطرف,. وكان يقول له: «ما 


14 


تقول يا ابن عباس في قوله تعالى...». فيسأله الضبى: 
«أقول أنا أم يقول القرطبى أم يقول الظبري أم يقول 
ابن كتثير...؟» فيوقفه الشيخ من تدفق الكلام على 
لسانه. ويسأله: «بل ما تقول أنت؟». فيشرخ ما أرات له 
العلم. وكانث أقه بعد كلّ جملة تكاد تفرّ من مجلسها 
لنحتضنه. وكانت دموعها تسيل حازة على خَذيها 
فرعاء وأما أبوه فكان يبصقٌ على الأرضٍ طَوال الوقت. 

ولقا انتهى الحفلء. قال له أبوه: «كل ما علّمه لك 
الشيخ هراء... كل ما حفظته مهزلة, اثتغني تعرف العلم 
الضحيح, والأيّام بيني وبين أمك الفاجرة. سثثبث لك 
ينا على حَقٌّ!». 

ظل قلبه مع أبيه وإن لم يكرة أقه, لكته كان يراها 
كما يراها أبوه؛ ساذنجة., غريبة الأطوانء تُؤمن 
بالخرافات, وتواظب على عددٍ من الصضلوات الغريبة. 
وتبع أباه لقا صار في القانية عشرة, فكان أبوه يُمسك 
ديوان أبي نواسء فيقراً عليه: 

دع لباكيها الذَيارَا 

وائف بالخَفر الخمارا 


ثم يكرع من الكاسشى خمرته. ويتمايل2 وهو يقرا 
البيت الثانى: 


15 


وَاشْرَبَنْها من كمَيتِ 

تَدَغ الليل نهارا 
ثم يقول لابنه: «هات كأسًا أسكث لك من هذا 
الشراب يا بنى, فإئك لن تشعر بطعم هذه القصيدة إلا 
إذا شربت». ويحتق الولد في عيتي أبيه الحمراوين, 
وأوداجه المنتفخة. ويصرخ فيه أبوه: «ألم تسمغني؟ 
هات كأسًا». ويقفز الولذث من موضعه. ويأتي بالكأس, 
ويسكث له أبوه. ويشرب الولد, ويتقيّاء ثم يسكث له 
أبوه مّة أخرى: «اشرث فإن الخمرة لا ثحت من لا 
بُحتها. واتل معي سِفْرَ مَنْ خلدها؛ هل حفظت هذه 
القصيدة بيبا ماركسى؟». فيجيبه ابثه: «لقد حفظث 
يي | أبي نواس كله يا أبي». «فكيف وجذته؟». «لا 
أدري, على أنْ أعرفق مَنْ مدح الخمر قيله أو بعده حثّى 
أقزر». ويسكث له أبوه كسا عاشرة: «اشرثء. فإن المال 
إن لم تعلفه في هذه الضهباء. فأئّ شيءٍ يستحقٌ هذا 
الكرحة سواها؟!». «وهل خمزنا وخمر أبي نواس واحدة 
يا أبي ؟». «هي كذلك». «كذيت با أبي, الكمر في 
الكأس غير الخمر في الرأس». ويكسر أبوه الكأس التي 
في يده. ويصرخ بابنه: «وماذا تعرف أنت من الخمر؟». 

ويتلو عليه. قول حتان: 


١ 16‏ 
كان سبيئهة من بيت رأاسنى 


يكون مِزاجَها 
عسل وماء 
فيرت الابن: «فاذهت بنا إلى بِيت راضر حثى نستطيع 
عبثث بها الرزيح: 
لقا صَحَا وَنَْراخَى العيشّ قلث له 
إنَ الحياة. وإنّ المؤت مثلان 
فاشرب من الخَفر ما اتاك مَشْرَيِْهُ 
واعلم بأن كل عيشي صالح فان 
فيسأله ابثه: «أهو هو؟». فيُجيبه الأب: «هو هوء ولو 
شِعَث لأنشذثك المئين من الأبيات فى ختهاء ولطلع 


التهار من بعيٍ التهار. وغاب اللّيل من بعد الليل وأنا 
أتلوها عليك. لكن دونك المكتبة, فاحفظ شغر الخمر, 


فإئه أدعى إلى المروءة والكرم, ألم تسمع التغلبى حينّ 
قال: 
تَرَى اللّحِرّ الشحيح إذا أمرّث 
يكون لماله فيها مهينا ؟». 


17 


ولم يَلِج الولدذ عامقه الزابعء عشر حثى كان يحفظ 
ديوانت امريء القيس والمعلقات وديوانت المتنبى 
والبحتري وأبي تمام وأبي نواسشس وأبي العتاهية, 
والبيان الشووعى وألفتة ابن مالكء. والقران الكريم, 
وتاريخ ابن الأتير. ومحاورات أفلاطون, والإشارات 
الاي للثو حيدة وعددا من القفاسير,ء وعددًا آخر لا 
يُحصَى من الكتب والتصوص. 


شكل هذا كله تعبا من نوع لذيذء. كان يرى نفسه 
مختلفًا عن الآخرين. وكان تفوؤقه هذا مدعاة لحسد 
الأو لاد فيى المدرسة. فكانوا يقولون: «نديم حافظ 
ومش فاهم., إنه غريب». وكانوا إذا رأوه مُقبلاً من بعيدٍ 
ممتعثّرًا فى مشيته. يترتح, تهامسوا فيما بينهم: «جاء 
حافظ... جاء حافظ». ويتصتعون الجتية.2 قبل أن 
ينعتوه حينما يمر بجانبهم ببعضٍ التعوت القبيحة, أو 
يشتمونه ببعض الشتائم. وكان يرى أنهم أسشخف 
المخلوقات التى تدب على الأرضء, ولم يشعر تجاههم 
فى حياته بالمُنافسة ولو مّة واحدة. فقد كان يشعر 
ليسوا أكثر من نمل مُصاب بالزعدة لمجرّد أن يروه. 
وتكتزرت هذه العبارة المتوخسة: «جاء حافظ... جاء 
حافظ» كتثيرًّاء فكان الأولاد ينادونه به حين يرونه 


18 


(نديم). وَأَضِيف إلى قائمة الأسماء الظويلة الَتى 
يحملها! 


19 


)2( 
مَئنْ يَسْتَبدِلٌ العاجل بالآجل؟!! 


جده لأبيه لقيظ, وَجَدَه أحد الفصلين في 
المسجد القديم أمام الباب. فصاح: «طفل أيِهِا الإخوة, 
رضيع. مَنْ يتكفله؟». ومظ المصلون الخارجون للثقة 
من صلاة الفجر شفاههم. واستعاذوا بالله من الشيطان 
الزجيم,. ولعنوا الزانية وابنها. وهتفف أكثرهم: «إلى 
جهتم وبئس المصير» قبل أن يَمضُوا إلى أعمالهم, 
انتظر كتيرًا قبل أن يفرغ المسجد من كل أحيء ويُضطر 
هو إلى حفله إلى البيت. قالث له زوجته: «ابن حرام 
ما شأئنا به؟» فرت: «نرتيه لوجه اللّه». ردث عليه وهي 
تزعق: «والقطط العشرة التي بزرثها لك في شَبَقِكَ 
الجنسى؟!». بكى الرضيع. فرق قلبْ المرأة. وسكتت, 
أعطث زوجها ظهرهاء وقالت: «ضّغه إلى جانب أخيه 
الرضيع الآخّر في الشرير نفسه. من حظه أن تديي ما 
زال ممتلمًا». 


لكته لا يذكر من جذه شيئًاء إلا ما كان يُحذتثه به أبوه 


عنه لمامًا: «كان ببيع العنب في فلسطين, يقطع 
الوديان2. ويعبر الصحارى. ويصعد الجبال. وينام مع 


الذئاب, وَيُنشِدْ الأشعار, ويُحادت المخلوقات العى لا 
ثرىء وكان يُصاحب الجن في الظريق ليامن شزهم., 


00 


وكان يغيث عن أمي كتثيرّاء حتى تظن أنه مات. وحينَ 
يعود. يكون قد اشترى لها إسورة من الذهبء. وحينَ 
تلبشها فَرِحةً, تسأله ونظرات الشّك في عيتيها تخترقه: 
أمن بيع العنب؟». لكن لا أحد يدريء وذلك أمرز مضى 
منذ عهدٍ بعيد. ومَنْ يستطيع أن يسأل الموتى عن 
ذنوبهم2. وقد أكل الدود من عيونهم, وأبلى رقة 
جلودهم ؟! 


كان و 5 [ش أأاخا بخ طويلة, الثاس : 2 م - ةلاه 


تسير بأربطتها الفهترئة فى الشارءع., البنايات كتلة باردة 


من اللون الأزرق. والأصواث فية لوحوش أسطورتة. 
والزوائح مومسات تطلث جنسًّا رخيصًا. والشقارات 
دبَبة لزجة تنزلق في الإسفلت. ومشى. 


صارت الشاحة التي تطل على المدزّج الزومانى 
عن يمينه. رأى بعضّ الشتاح الأجانب, كانوا يبدون 
يوليوس قيصر من هنا؟». أجاتها صديقها متعجبًا: «لقد 
توفي قبل أن يُبنى المدزج.2. لعلك تقصدين 
مادريانوس؟». توقف ينظر إلى القاريخ المائل أمامه 
في الحجارة, كانت الحجارة تنطق, مز ستاخ كتيرون 
من جانبه وهو صامتث ساكن لا يتحزّك, لم يرهم وإِنْ 
سمع أصواتهم, تحدتث بجانبه أفواة بالإنجليزيّة 


21 


وأخرى بالألمانيية والإسبانيّة والإيطالية وحتى الهنديّة, 
وكان يعرف اللغات كلهاء مزقثه الظطنون: «حتى في 
موتهم جاؤوا بالأحياء إلى هنا». ترك القهوة التي ما 
تزال في يده. وضعها في إحدى الشلات, وتوجه عبر 
الشاحة الفسيحة الممتدتة أمام المدزج إلى حيث 
المسرح. في الشاحة تخيّل أن أقوامًا قبل الزومان 
عبروهاء رتما عاشوا هنا منذ ثلاثة الاف سنة,. راهم, 
سمع أحاديتهم, وساءّه أنهم كانوا يتحذتون عن إطالا- 
التعليم, سّمة أحدهم يقول: «أولاد هذا الزمان تافهون, 
إنهم مهتقون بملاعبة الخيل ومغازلة الثساء عن 
الفلسفة». منذ زمن فقت أنواعًا كتيرة من اللدّة, ماتت 
مواطن الشعور بها أو نامت., هل تنام اللّدّة؟! سمع 
سيبويه وهو يُحتضر حين سأله أخو ه: «ما تشتهى ؟», 


الصف الأول من مقاعد الجمهور في المدزج, نظر إلى 
المسرح الحجري العتيق2. كان خاليًا إلا من بعض 
الشياح. سرح بخياله بعيدًا2. بدأ عددت من الممثلين 
الإغريق يصعدون المسرح. في الأسفل رأى جوقةً من 
الموسيقيين تعزف لحنًا حزيتاء انتفض له. نفضّ رأسه., 
يُدركُ تمامًا أت هذا غير ممكن, فالذين ماتوا قبل أكثر 


22 


من ألفي عاج لا يُمكن أن يخرجوا من قبورهم ليُعِيدوا 
تمغيل مسرحية (أوديب) لسوفوكليسء لكثه يراهم. هل 
بعت الزؤية برهان؟! هل يكون البصز خايهعًا إلى هذا 
الحت؟! الممقلون في الفصل الأخير من المسرحيّة أتقوا 
ضعودهم إلى المسرح. بدأ يسمه أصواتهم, نقيّة 
واضحة تتنردد في جتبات المدوزج, اخقلط لباش 
الممقلين الإغريقي بلباس أهل الحاضرة من الأوروتتبين. 
لكته لم يسمع غير صوت الممتلين, باللغة الإغريقية 
القديمة, إئه يعرفها كذلك, لا لأنه تعلمهاء لا يدري كيف, 
ليس هناك من سبب معقولء لكثه يسمعها ويفهمها! رأى 
(أوديب) وهو يفقاً عيتيه. فتسيلان على خده., وهو 
يصرخ: «ستظلاآن في الطلمة فلا تَرَيان مَن كان يجب 
ألا ترياه. ولا تعرفان مَن لا أريد أن أعرف بعد اليوم, 
حتى لا ترى الشمس المُقدسة إنسانًا دَنِسَا فَعَلَ أكتثرّ 
الجرائم بشاعة». قام وركض نحو المسرح. تجاوز 
جوقة العازفين2. وققز إلى الأعلى2. وأمسك بكتفي 
أوديب: «اخرضش... اخرش أيَها الكلب. لن أعيسشٌ في 
الظلمة, ولسث مجرماء هؤلاء...» وأشار إلى الحجارة, 
فرأى الجمهور الإغريقى يصرخ فيه: «انزل أتِها 
البائس.. تَنَح أتها اللعين». وآخرون يتصايحون: «من 
أين جاء هذا المجنون؟». وركض إليه خرّس المسرح, 
ممشهرين شيوفهمء فأرخى ساقيه للزيح, وركضّ خارجاء 


23 


وهو يلعنئ الكذب الذي عَطَى العالم2,» وركضً. حثى 
تجاوز ساحة الفورم. وصار في الشارع مزّة أخرى, 
التقط أنفاسّه من لهاته. وأعاتثه أبواقٌ الشتّارات إلى 
الواقع. شَتمه سائق كاد أن يدهسه وهو يعبر الشارع: 
«انتبه أتِها المتسوقل. هل أنت أعمى؟». وعات إلى 
الزصيف, ومشى. 


ظل يمشيء كان يصطدم بالأعمدة والثاسء هل هو 
بالفعل أعمى؟ إنه لا يراهاء ولكته يشعر بألم الاصطداحم, 
والثاس تنظر إليه مزّة وهي تشفق على هينته الزثة, 
ومؤّه وهي تقول: «مجنون!». واخرون: «سكثير». 
«ملعون». «يتحتزّش بالأطفال». «لا بد أَنْ تُخبر 
الشرطة». «إن هذا الزجل وفح». لكته لم يكئْ يسمعهم, 
كانث أذناه تلتقطان أصوانًا أخرى. أصوانًا قادمةً من 


ختت سحيق»: من ماض بعيد,: ومن انار ماتوا قبل اللاف 


وصل إلى موقف الحافلات الكبيرة. كان الموقف 
بالخيالات المتحزكة2. فكر في أن يركض دون أن 
يتوقف ركضشض بالفعل.ء. ركصّى بائجاه حافلة تهم 
بالانطلاق. اصطدة بمقتمتها بقوّة. وشقط على الأرض, 


24 


صرخ: «سيغقى على». ركضّ إليه عدد من الششائقين, 
وعندما عاينوه عرفوه: «إنه يأتي كل يوج إلى هذا 
المكان ويرمي نفسه على مقتمة الحافلات». شحطوه 
مثئل كلب أجرب. وجزّوه إلى الرصيف. هتف أحدهم: 
«ابن الحرام لا يكف عن فعلته هذه., إنه يريذ أن يحصل 
على بعض المال». أشفق عليه أحث المازة, قدتم له 
زجاجة من الماء. كرعها دفعة واحدة, وقاحَّ يمشي. 
تخلى عن فكرة الزكضء. ومضى عبر الشارع الظويل 
جدّا. وصل إلى انحناءة من انحناءاته البعيدة, كانت 
الشيّارات قد تفزقت في الظرق الفرعيّة. قبلَ أن يصل 


إلى هذه الانحناءة فقلَ عدذهاء الضَجِيحٍ هدأ. ورأشه 


هدأث,. والأفكار فيها انسحبث إلى قعر دماغه, ووحدث 
هناك ملادًا ولو مَؤْقنَا للكمون. تابع سيرّه. صار يرى 
قناة الماء عن يمينه, تهيز صغير. في قاع هذا الوادي 
تتجقع فيه المياه القذرة ويقايا مياه الشتاء الفائت, 
أشجار الضفصاف التي تنتشر بكثرة على ضقته البعيدة 
عن الشارع أعطثه شعورًا بالرّاحة. نظر إلى الماء ذي 
اللون الأخضر الذاكن ينساب في القناة, فهم بأنْ يغطس 
فيه أن يرمي نفشه من هذا المكان إلى هناك, لعله ينعم 
ببعضٍ البرودة2. جسدة يشتعلء أعوامه تشتعل. وكل 
شيءٍ فيه بُنذِر بنارٍ لن تنطفئ. لكثه فكر أنَّ ذلك سوف 


25 


يجعل الحيتان تخرج فتبتلعه., وهتف: «لن أكون صيدًا 
تهالا » . 


حدق في الماء من جديي.ء وتذكر ذلك اليوم 
البعيد. حين كان يسبح في بركة فى قريته تمتلىئ بمياه 
السماء كلما أعطى الشّتاء ظهرّه للجبال البعيدة, كانت 
الشباحة متعته الأوليى, يتذكر أولاد المدرسة الَذين 
كانوا يسبحون معه., كان يرأهم طفيليّات حيوانات 
ناطقة, ومجموعة من البلهاء. وكان يتركهم يفرغون من 
سيباحتهم جالِسَا عاريًا بالكامل على طرف البركة, خلقنا 
الله غراةً فلماذا نعمزد على ما خلق, بآن تُغظي هذا 
الظين المسنون؟! كان يجلش صاهمثًاء عاقِدًا زكبتيه إلى 
صدره. بايِنًا باهتزازاتِ خفيفة, ثم تعلو رويداء حثى 
يتحؤقل جسده الضئيل إلى كثلة لحميّة مرتجة, وكانوا 
يصرخون فيه: «حافظ هل تخاف من الماء؟ إن كنت 
رَجْلاً فانزل إلينا». ويظل صاهِنًا حقى خرجٍ اثنان من 
ضِخام الجثة الأشِداء فقاما بحمله وميه في البركة, 
فسقط مغل قظ مذعور في وسطهم., وتولى آخر ذو 
ذراع قويّة فأمسك برأسه ودفعه إلى الماء عميقًاء. وهو 
يصرخ فيه: «مفثء المدرسة لا ينقصها عدد آخّر من 
المجانين... مث أَيِها اللزاقة الدّبقة». كان يختنق. ويوت 
لو يصرخ. ويستفغيتء أو يسأل لماذا يفعلون ذلك معه, 


26 


ولكتهم لم يكونوا ليسمعوا شيئًاء كانث رجلاه تتخابطان 
في الماء تبحثان عن نجاة, وكذلك يّداه. ورأى ووجهه 
في الماء ضفيعًا تمت يدها ذات الأصايع التثالاث إليه 
تريذ أن ثنقذه. وميزهاء كانت خضراء داكنة, وفمها 
يقول له: «لن تموت, ساخذك معىي إلى التباإطيء. قاوخ, 
لن يستطيعوا أن يقتلوك وأنا إلى جانبك», كانث عيناها 
تبكيان لأجله. واسعتين, زجاجيّتين, ورأى في بؤبهما 
الأسود حُنْوًا عميقًاء وشاهد فيهما أباه كذلك, وهو يقول 
له: «لن يأخذوك متي بهذه السهولة. نحن لا نموث يا 
بُئنى, اصمذ قليلاً». ونقت الضفدع في الماء. وخرجث 
فقاعات من الماء من فمها الواسع. وهم أن يسألها: 
«كيقف تنقذ ضفدغة صغيرة بشريًا مثلى ؟». لكت اليد 
رأسِه من الأعلى. وظل هو يبحت عن خيط الحياة وهو 
يسمع قهقهاتهم تأتي كأتها أصواث غولة, والماء يدخل 
في جوفه حثى فقد الوعيء وارتخى جسده. وكف عن 
المقاومة, وهناك تركه الأولاد. وعادوا إلى بيوتهم كان 
شيًا لم يكن. طفا جسدة فوق البركة, ولاحظه أحذ 
الفلآحين العائدين من الحقول قَبيلَ الغروب. ظن أنها 
ماعرٌ سقطث خطأ في الماء فنفقث, لكته لقا اقترت 
شَدِه لهذا الظفل الغارقء. كان جسذه منتفخاء سحته إلى 
طرف البركة, كان جِثّة2. وذهت به على بغلته إلى 


27 


المستو صف, وهناك, قال له الظبيب وهو ينظر إلى وجه 
الفلاح مُتشككا: «هل هو ابنك؟ إنه مقّت. لكن لا بأمى 
من المحاولة». نقله أبوه في سيّارة استأجرها إلى 
المسعشفى, وظل مُغمى عليه ثلاثة أام, حقى استفاق 
في اليوح الرابع دون سابق إنذار, كأن ميَّنًا يُمكنه أنْ 
يعود إلى الحياة هكذا ببساطة, ودون أن يتوقع أحد. 
عندما استفاق رأى وجه أمقه فتكترث ملامحه, شهقث, 
وراحت تهللء, وتبكيء. وتحمد الله على عودة ابتها. ولقا 
رأى وجه أبيه. حزك شفتيه يهم أن يقول شيئاء ولكنٌ 
أباه أشار إليه أنه يعرف ما رأىء. وأنه سيكون لديهما 
وقت كاف فيما بعد ليقض عليه رؤياه. ولكن ذلك لم 
يمنعه أن يقول له جملةً واحدة: «لقد رأيث يا أب 5 
دشي > » . 


رأيث ماركس وهو يكتث بيانه الأوقلء أملاة على 
حرقًا حرقا. ورايث لينين وهو فسجى في الثابوت, 
ونمث إلى جانبه تلات ليالء: وألقى الئثاس علينا الشحايا 
مقا وهم يذرفون دموهًا تحاسية. ورأيث ابن عباس 
وهو يُنشِد رائقّة عمر بن أبي ربيعة. وأنشدثها للثتاس 
المتحلقين حوله بعد أن فرخ من آخرها إلى أولها كما 
وت أن يفعل ولم يفعل أمام الأعراب الّذين جاووا 
ليسألوه عن مسائل الفقه. ورأيث حافظ الشيرازي 


28 
جميلاً كان وجهه فلقة القمر. وهحفظث عنه كل اشعاره., 


هل أنشدك يا أبى ما قال...؟ قال كلامًا خلوًا: 
ألا يا أيُها الشاقىء أيز كأسَا وَناولها 
فَِنِي هائِم وَجْدَاء فلا تُفسِك وَعَجَلها 
تدا لى العشق مَيْسْورَاء وَلكن دارَتِ الدّنيا 
خا صحى نشؤزة غَنْرًّاأء قله ك3 تنخل ونا و لها 
ورأيث أبا نواس, يدخل الذير. ودخلث معه. وقال 
لصاحب التير الذي كان يتلقفت حوله خَائِقًا من شَرَط 
هارون الزشيد: معنا أبو نواس الضغفير. فاسكت له 
الكأسء وادغ قيائك يُغتين. فجئن كأنما برزن من الجتة, 
تضات2, بيسيل منهن الزبدء تهنز اردافهن2ء» وترتج 
أتداؤهن, ويتمايلن كأئما أصابثهنت وّعشة اللذّة وتتفغين 
وَلهَا كائما صدزن عن شَبَقَء ونفزن من لؤلؤة الحديث عن 
من القتق, وابو نواسشى يقول: الميدانٌ لمَن سَبتقء والذنيا 
لمن أبَقء والآخرة لمن فَرَقء وأنا من ذلك كله في عَرَق 
يا دار حتة من ذاتٍ الأكيراح 


مَنْ قَضْحُ عنك؛ فإني لسث بالضاحي 


09 


رأيث فيك ظباءَ لا فُرون لها 
يَلعَبنْنَ متنا بآلباب وأرواح 


ورأيث (نديم) نايِمًا على ما فات من الشباب فى 
غير خَفر. ومن الغمر في غير ذكر. وغبرثني ساعة ترح 
وقرح قصا أدري أتَهما أقرث إلى ؟! واستحوذتث عل 
هتواث من طرب وخمول فما أدري أتّهما كان . أنا؟! 


ورأيث (صالح) قد اقتعد حشيةً من الضوف مع 
أهل الضفة في المسجد التبوئ فلما رآه أبو هريرة قاد 
إليه فقتله. وسأله: أدغ أهل زمانك. فقال: أنا أهل 
زماني. فطاف علينا بوعاءٍ فيه لبن. فشرننا كلنا ورَويناء 
وكتا عدد الظيور في الجبالء فلمقا وصل الوعاء إلى كان 
قد جف؛ فعجبث يسقي كل هؤلاء ولا يسقينيء. فقال 
أبو هريرة فعزيا لي: إنّما لبثك في الجتة. فقلث: ٠‏ 
يستبدل العاجل بالآجل؟!! إثما أريذ أن أشرت الآنء وأنا 
غب. قد تشقق فَؤداي من شذة العطشٌ كما ترى...» 
فقاطعه أبوه: «حسبك, قد بلغت الفاية؛ أرأيت؟ سقاك 
أبو نواس ولم يسقك أبو هريرة!». فرت على أبيه: 
«اصمث؛ فإِن خيرًا من أبي نواس قد سقاني. قامَ إلى 
الكَيَام يرافقه شخض آخر لم أكن أعرفه من قبلء ولم 
أدر إن كان نِظاحَ الملك أم حسن الضباح, قام من زاوية 


30 


كأئما نبت من عتمتهاء فابتدرنى2 وفى يده كأش من 
التلور يترقرق ما فيها من الخمر فتذكرث حتانًا وهو 
يهوى بها إلون فى ديارو الغساسئة العامرة قائالة: 


بزجاجة رَقَصَتْ بما فى قفَغرها 
و5 2 أاما ص براكب ع 1 أ 


فضحك الكَتام. وقال: هو ذاك, وعندى خيز مِقا قاله 
حشان, فأنشذ تك وأنا أكرغ كأسه: 


فهاتٍ حبيبي لِىَ الكأسشّ هات 


سأنسى لها كل ماض وَآتتَ» 


31 


(3( 
الأدبٌ أعظم ما أنتجثه الإنسانية 


وعاد في الشارع الظويل إتّاه. ينظر في الأرض 
ذاهلاً عن التاس,2 عن الأتواب التي تتأرجح في 
الجانبين2. عن الشيقان التي تمشي فسرعة في كل 
اتجاه. عن الأصوات التي تسبح في الأتير. وعن 
الشتارات,. والأشجار التي لم تغيّر عادتها في الوقوف 
منذ عشرات الشنين. العالم فاسدّ ضال متداع ممخبول 
عَتتئى. وظل يمشي إلى أن وصل إلى الفندق. كان أبو 
ياسين قد دفة عَرّبته2. وسار بها إلى بيته في جبل 
الجوفة ينتظر صباعحًا جديدًا كي يكست رزقه. وكان 
سمعة القهوجي يجلش على كرسي أمام قهوته, ينتظر 
هبوط الشمس حتى يتوافد إليه الزبائن, وقهوة المساء 
أحن من قهوة الضباح, وفيها خيالاث أبعث, والذكرى 
فيها تنشظ من عقالهاء. وتخرج من فيعان بعيدة الغورا! 

وعَنَ بباله أن يسأل سمعة أو أحد صبيانه عن 
أهه. ولكته تذكر أنها ماتت,. فدخل إلى الفندق. ورأى 
صاحب الفندق على الباب حدق فيه بنظراتِ يعرفها: 
«لم تدقع الأجرة من شهرّين!!». لكته أشاح بو جهه عنه 
وصعتد الدترج العتيق إلى غرفته, ودفة الباب الخشبى 
المتهالك, وصز الباب, وركله برجله من خلفه2. ومشى 


32 


إلى سريره. توقف في منتصف المسافة لينفتل عن 
يمينه. وينظر إلى نفسه في المراة المشروخة, 
المشروخة تعيذ تجميع أجزاء روحه المتناثرة, الشليمة 
تجعله يتشظّى إلى ألف روح, رأى شّعره الظويل يلتف 
جبهته وعيتيه ودّقنه, إنه هوء ليس هناك من جديد, 
سرق الخطوتين الأخيرتين. ورمى نفسشّه على سريره 
القذر. وأراد أن ينام, ويرتاح بعد مشيه الظويلء ولكنٌ 
التوم على عادته لم يززه ألبقة! 


مّث ساعاتثٌ وهو يتقلب على فراشه: لماذا يهث اللّه 
التوم لأناس,2 ويحرم الآخرين منه؟ لماذا هذا التوزيع 


الظالم؟! ضغط بجمع يديه على رأسه ليخفف الضداع 


الحات الذي ينهشه. إنه يوفر مادة خصبةً له من أجل أن 
تحضر الوحوشء, أن يحضر أولئك الّذين يرتعذ لمجرّد 
مجيئهم ولو لم يكن ذلك حقيقة؛ يزورونه من فترة إلى 
أخرى, يأتون كل يوجء. وقد يمر شهز قبل أن يراهم مزة 
أخرى. كانوا يركبون خيولاآً سوداء. ويُطلقون الثار 
باتجاهه. وهو يهرب منهم في حقول فسيحة لا نهاية 
لها. فلا الخيل تتعبء ولا الظلقات تتوقف, ولا الوحوش 
التي تركبها تكف عن مطاردته. 


فر زفرة طويلة؛ تناهى إليه نقيقٌ (مبروكة). إنْه 


33 


إيذات بهبوط الليل. يعرف ذلك تماماء وأصواث 
الكراسى الّتى تقرقع أمام قهوة (شمعة) تصل إليه هناء 
لماذا عليه أن يسمع هذه الأصوات, الأصوات التى لا 
تسمعها أذن سمعة الأطرشء أو أذن الرّبائن الحمقيى؟ 
لماذا على أذنه أن تنتقى تلك الأصوات, وتبعث بها إلى 
دماغه. أرات أن يرسم على الحائط. لكن الحائط لم يكن 
فيه موضع شبر لكى يفعل,2 أمسك قلمه الأسود 
العريض, وخظ به فوق بعض الزسومات القديمة, أعات 
لها شيئًا من البهاء. وضحك: «الكونٌ أعادة. لحن دورة 
جديدة لأخرى قديمة, وهذه الجديدة ستصبح قديمة 
لدورة سناتي. ونحن ندور في الفراغ. فراع من بعد 
فراغ. ولا تجاة... لا تجاة... والبحثت عن الحقيقة 
أصعث من البحث عن الحياة فى عالّم ينهش فيه 
الموث الأحياء في كل لحظة. لماذا يبتلي الله الثتاس 
بالبحث عن هذه الحقيقة؟! وطرق رأسه بالجيار مات 


جديد. إنه بُذكره بات موعد دوائه قد حان, لقد داب 


الدتواء. ليؤجل ذلك الآن2. رتّما في جولةٍ أخرى في 
الشارع أو في مكان آخر يستطيع أن يصنع ذلك الذواء. 
عات إلى سريره. دفتره الذى يُسجل فيه كلماته يرقد 


34 


نحت السرير في حافظة من الجلدى, فقكحكه كنت: «في 
هذا اليوه التقم المَلك الثاقورَ وهو يستعت للتفخ فيه 
روحي 0 أل روح تسمع التفخة...» توقف, 
وهمسى: «هذه كلمات باهتة, متنة, لا توصلفئ إلى 
حقيقة ما أنا فيه...». أرات أن يشطب سطره الأخير, 
ويكتت شيئًا جديداء ولكن الضفدع نقث من جديد, هز 
رأسه ليتخلص من نقيق الضفدع. وكتت سطرًا آخر: 
«أشعز أثني قادح من زمن آخر. رتما حلث فى روخ 
أخرى. أو أرواخ مُتعتدة...». نقت الضفدع2, فشطب 
الشطر. وكتت تحته: «أشعر أثني مِتُ منذ مئة عاج, 
الذي يعيش اليوم ليس أناء أنا شخض آخّر. يعيش حياة 
ليسسّث له...». نقت الضصضفدع. شطب التطر الثالت, 
وكتت تحنته: «أنا الآن متّت2. وأعيش حياة ما بعت 
الموت. الفاصل بين الحياتين لا يُدركه الأحياء الذين 


يمشون في الشوارع., أنا أدركه لأثني غدت... أنا أوّل 


مقّتٍِ يعوذ على الحقيقة من الموت...». نقت الضفدع. 
شطت الشطر التابع2. وكتب تحته: «أعرف أنه لا أحت 


نذرك حجم كارتنيء حجم الشرخ الذي حدث في 


روحيء ولذلك لن يفهمني أحت, لن يُناسبني أحد. ولن 
يحتملني في التهاية أحت؛ فلماذا أقول كل هذا ...؟!». 
نقت الضفدع. وصرخ: «يكفي». أغلق الدفتر, وأعاده 
إلىى موضعه. وقام إليها: «كم هي جميلة!». حدث 


3595 


نفسه., سألها عن حاله: «كيف أبدو؟». أجابثه: «دع 
الماء يسكنئن وسترى التجوم تنعكس على صفحة 
قلبك». ابتسم: «مولانا». أطعمها. للضّفادع طباغٌ 
واحدة, إنها ليست بألف طباع كالبشر, ولا تتلون, ولا 


تنافق, أده لخدت برأيها عن وخسةه و له 0 رهبة. هذه 


الضفدع. تشبه عددًا آخر من الضصفادع عاشث معه منذ 


ذلك اليوم, اليوم الذي سَرَقَها من مختبر القشريح. أتام 
كان يدرس الظتء لم يكن غريبًا أنْ يكون الأقل على 
ذفعته, بل إنّه كان يُشَرّح الجفث والحيوانات باحتراف 
طبيب عاش في التشريح نصف قرنء, كانت الأحياء 
من سبع جفثتء وعددًا من الّؤوس المقطوعة, ومئات 
من الحشرات والحيوانات, على مدى تلاث سنواتء كان 
يسرق ببطء وبذكاء. لم يُلاحِظ أحد ذلك إلآ بعد مرور 
الشنوات القلات هذه. حذّره عميذ الكليّة: «لم أتوقع أن 
عبقريًا مقلك تُسول له نفشه أن يسرق قوت زملاثه. 
سأسامحك هذه المزّة». لكته عاد إلى أخذ الخفث, وجه 
له العميد إنذارًا نهائيّا. وكات يُفصل لولا أن (هيام) 
تكد خلت في اللحظة الأخيرة: «لم يسرق بعد أَنْ حذرته 
يا دكتور, أنا التي طلبث منه ذلك, لقد سرق من أجلي». 
وأعادت الجثّة القامنة أو القاسعة أو العاشرة لم يعذ 
يذكر الزقم في مسيرة سرقاته الظويلة. واعتذرث: 


36 


«لقد أقنعثه أن نعمل عليها معًا بعد أن ينتهي دوام 
الجامعة». وأردفث وهي تخفض رأشها في حدآاد امرأة 
تاكلة: «يا دكتور, إنه يفهم في التشريح أكثر دمن 
هاغنسء. وهنري غرايء وإيفانسء, مجتمعين». 


كان يحمل الجثّة في كيس. أسود يُشبه كيس 
الجيتار. ويخرج بها من باب خفى في سور الجامعة, 
ويضعها برفق في كرسى سيّارة (اللادا) الخلفى, 
ويمضي بها إلى بيته. في غرفته ييُخصضص لها دَكة 
خشبيّة بُريخها فوقهاء يرشها بالغطور. ويعمل عليها 
ليالي طويلة, لا ينام فيها لحظة,. وكان يقول: «إنها 


مغلنا تشعد بهذأ الوخز بالخاصرة ولو أنْ شينا مى 


روحها علق ببعضص طينها لتوخجعثت» ويرفق بها 
ويجلش أحيانًا ساعات كتيرة أمامها يتأقلها2, ويهتف: 


«اثها متلنا كذلك تشعر بالملل». فيروح يُحادِثها,ء ويقرأ 


عليها القران والشعر, ولرتماء تلقس وهو يمر بيده على 
أيديها كل الذين مرّث أياديهم عليها من قبله. ويغضب 
إذا كان أحدهم قد أساء لها في غابر الأتّام عن طريق 
كسر ذراعها بمطرقة طبتقّة2, ويقول: «هذا آخر عهدك 
بالعذاب». يحملها على ظهره هي والزفشء, ويصعد بها 
وسط ذهول التاس وخوفهم إلى أعلى جبلٍ في القرية, 
يختار لها شجرة هرمة2, وهو يهمس: «إن حديث 


37 


الأشجار العتيقة حلو». ويحفر لها قبرًا عميقًا تحتهاء 
ويقول: «لترقذ روخكِ هنا بسلاج». ويُعطيها اسمًا من 
أسمائه. ويحفر على جذع الشجرة التى عند القبر: «هنا 
يرقد ماركس (1818 - 1883م ).؛ لقد كان رجللاً طيبَا 
ولكنّ عباراته خانثه». «هنا يرقد أبو نوّاس (756 - 
4 لقد كان طائرًا خرًا ولكته شرت ماءً ليس له». 
«هنا يرقد ابن عباس (618 - 687م) لقد كان يرى ما 
لا يُرىء فلم يفهم كتيرون فشره. «هنا... أرقذ أنا... لقد 
وَلِدتُ لألف عام. ومث ألقف مزّة, وسأعيش لألف عام 
أخرى..». ويعود إلى القرية والزفش في يده. لقد دفن 
هنا في الجبل أكثر من سث جفثء إلى أنْ سمع 
إحداهت تستغيتُ به: «لا تدفتي2. سينبش اللصوص 
علي قبري». فسألها: «وما أفعل؟». فردث: «احرقني». 
وكان يحرقها في الجبل أيضًا. 

لكن جقّة واحدة في هذا المت المتتابع اسعو قفثه, 
إنها جقة أبيه. لم يستطغ أن يتخلى عنها.ء في يوم 
موته2. جاء حقارو القبور إلى رأسه وبدؤوا بوضع 
المسامير على جمجمته وبدؤوا بطرقها حثى دخل في 
رأسه أكثر من مئة مسمار. وكان قد تركهم يفعلون ذلك 
لأ موت أبيه كان يستحق كل هذا الألم, كانث روائح 
التثاس في القزاء خانقة. كان يجلس في آخر العزاء, 


38 


قال له عقه الذي أتى فجأة من بلادٍ بعيدة: «إئك ابثه 
الوحيد,. ولا بُدَ أن تستقبل المُعزين». ردت على عقه: 
«أبي لم يمث. لقد قتلوه وأخذوا جقته إلى المستشفى, 
ومن هناك باعوه إلى كلية الظت». كان بِومَها في 
السابعة عشرة من عمره. وتركه عقه ينزوي في الزاوية 
البعيدة. يسكر في حضرة العزاء. ويدخن الحشيش. 
وكان لا يُسلّم على أحد يمت له يده., باستثناء الشيخ 
الذي علمه القرآن. وقف له, وهو لا يزال يُمسك بكأس 
الخمر. قال له الشيخ والدذموع تطفر من عيتيه: «نَبٍ 
إلى الله يا بُنى؛ فاتك تحفظ كنابه, وإثتني أحبك, وإنّه 
يُحتك, فلا تُهلك نفشك». لكته لم يُجنه بشيءء كان 
يدير رأسه بعيدًا ويُدخخن. وأردق شيخه: «عندما تريذ 
أن تتكلم. فأنا لا أغادر مسجديء سيكون بيث الله 
مفتوحًا لك وقتما تشاء». وتوقف الشيخ قليلاً قبل أنْ 
تبدو عليه بعص أمارات الهزل؛ وتابع: «وستجد قطعة 
الحلوى بانتظارك أيضًاه. ومضى الشيخ إلى مسجد 
(الضفا). وهو يضرب كفا بعف. وتوافد الثاس على بيت 
العقزاء, وكانوا يتهامهمسون فيما بينهم: «مسكين... هل له 
قدرة بعذاب الله؟». «هل سينجو؟». «أمعقول أت الله 
سيغفر له كلّ المصائب التي كان يرتكبها؟». وكان هو 
في ذهول عنهاء كأئه يسمع خليطًا من أصوات ثعالب أو 
ضباع تشابك رؤوسها قبل أنئْ تسحل. لكثه عندما وقف 


39 


أحث الخطباء ليع فى عزاء أبيه لقته فى سه أل 
مزة, وكاد يقوحٌ إليه من زاويته, ليقول إنك تخطدى في 
تلاوة الآيات القرانية, وتقىء الكلام قيئًاء وتحناج إلى 
أن تتعلّم الأبجديّة قبل أن ثنصب نفسك واعِطًا. لكته 
لم يفعل؛ «ما نفْهُ التصيحة للجاهل؟!». 


كان بعد الزابعة عشرة قد اعتزل التاس واكتفى 
بأبيه. كان أبوه عازفًا على العودء قال له: «القود أكتز 
آلةِ تفهمنا». وكان يُدندن غالبا بألحان (الشيخ إمام), 
ولم يتركا في أمسياتهما الكثيرة لحنًا له إلآ عزفاه, 
ولكن أكتر ما كان يستوقفه هو بَحّة صوث أبيه, وهو 
يغتي (يا ولدي) إحدى روائع (الشيخ إمام).2 وكان 
يتمايل كصوفى في حضرة الله. وأبوه يمظ صوته 
يحاول أن يُقلّد الشيخ الضرير: 


لا تَبْكِ فَأْخزانٌ الصُغَر... تفضى كالخلم 


م 


وَكَرِنْبَا تكبز يا وَلَدِي... وَتُرِيدُ الدَّمْعَ فلا 


با ولدى... يا وَلَدِى... يا وَلدِى... 


إن سَهرّث أفطاز مَعَنا... أؤ عَطََى البَزد 
شو ارعَنًا 


40 


-- 


يا وَلدى... يا وَلَدِى... يا وَلَدِى 


2 


وكانا يبكيان مقا بعد ذلك دون أنْ يدريا الشبب, 
فإذا فَرَعْا من تلك اللحون, قام أبوه فَعلّق القود على 
بطنه إلى يسار الذاخل 0 المكتبة, فريبًا من رفوف 


ال ويقول: «العود يعرف أصناقاءه» ‏ 


وكان يخرج مع أبيه إلى الجبل. ويجلسان على 
ققته ساعات طويلة دون أن يتكلماء. وهما ساهمان فى 
تمثالان قّدَا من حجر ولم يكن أحذ يدرى كته العوالم 
التى تضخ فيهما تحت هذا الضمت القاتل. لأبيه معه 
الجنون الحقيقى. لم يكن ليُدرك أن هذا الجسد الذى 
علمه كل شيءٍ سوف يكف عن الحركة. وعن صفعه 
عندما يتطلب الموقفف ذلك! 


كان يُشبه أباه في كل شييء ولم يكن يُشبه أقه 
تلات غرفء, ينامان في واحدة. وينام هو في ثانية, 
وكاقت القالعة للمكتبة الى تعراضص فيها الكتب فى 


41 


رفوف خشبيّة تمتذ حثى الشقف. وكان البيت يقع في 
الظارف الشمالى القصى للقرية. واخر ما تصل إليه 
الطظريق الفعبتدة. جاتِمًَا أمام عدي من أشجار الشرو 
والضنوبر التي تبدو في الليل أشباحًا عملاقةةً تحرشه., 
وكان مفتوحًا على الفضاء الفطلق, ينعم بهدوءٍ صاقف 
فالا تكاث تسمع هنا شيئًاء باستثناء بعض العواءات في 
الليل, العني كانا يحتاجانها أيضًا. وكان هو يسأل أباه 
عقا ضاءً من الكتب لا عقا وصلّ إليهم منهاء يسأله عن 
مجلّدات التوحيدي التي أحرقها في أخريات حياته, 
وكان أبوه يقول له: «التوحيدي مجنون عاقل مثلناء ألم 
يقل: إذا جاءك الحقٌ بما يدق عن الفهم فلا تثحاكفه إلى 
نقص العقل.. وإذا فققك العقلُ بدقائق البحث, فاشعقيله 
بحقائق التسليم؟!». ويسأله عن كتاب أرسطو المفقود 
عن الكوميدياء فيرت: «أرسطو اخترع فلسفته وشعره 
وموسيقاه ليُداري الجنون». ويسأله عن رسائل 
الجاحظ التي لم تصلء فيرت أبوه: «إنه مهووش بالكتب 
متلناء لقد انتحر حينَ دفن نفسّه تحت كعوبها». ويسأله 
عما ضاع من مذكرات تشرشلء فيقول أبوه: «إنه كان 
يُفكّر في الانتحار مثلنا», ويسأله عقا لم يكتبه تشارلز 
ديكنزء فيرت: «إنه كثيت متلنا». وهكذا يستمر الحوار... 


ضاقت غرفة المكتبة عليهما بما رَخبث, كانت 


42 


الكتب تتالاقىء, تتالاصقء. وتتشاجر., و تتشابكء و تتعارك, 
و تتهارش, و ا يوجد ببن ااا وآخر فسحة ولو ضئيلة 
إلىى غرفة التوم والممتات., والمطبخ., والكمقاح, 
والمدخلء وأرفف الأحذية والصحون, والأسِزة, وطاولة 
الظعامح. وكان يصعت على من دخلها ان يجد فيها 
معناترة فوقه وتحته2ء) يجلش إليه هو وأبوه, 
ويتحادتان ويشربان ويُدخنان طوال الليل حتى 
الضباح, فإذا طار غراب الليلء ناما قلياف قبل أن يذهب 
الأب إلى عمله. والابن إلى مدرسته. وقال لأبيه فى 
إحدى نقاشاته: «أتعرف فيم أفكر يا أبى؟». «وماذا 
يفيدني أن أعرف؟». «أفكر أن أحرق كل هذاء أحش أنه 
هراء». فيضحك أبيوه: «لو أحرقتنى أنا وأمك فلن 
أعترض على ذلك؛ لك عثا غنى, لكن كيف تُطاوعك 
نفشك أن تحرق هذه الكنوز كلها؟!». وأشارَ إلى الكتب 


أبته: «سأخرجها من البيت قبل أَنْ أفعل». «أيت 


ستضعها؟ تحت شجرة الزيتون البلهاء؟ أه نحت 
شجرات الضنوبر العتيقة؟ أخ على العتبات المتهالكات؟ 
أيت يا بُنى؟! إنك تحتاج إلى ثلاتة أَيَام حقى تستطيع 


43 


يذلك». 


حفلت مكتبة أبيه بالألوان كلّهاء وإن كان الأدب 
الزتوسي يتصتر قوائمها. قرأ كُلّ منهما كلّ ما كتبه 
تولوستوي وديستويفسكىي وغوغول وإيتماتوف 
وبولغاكوف و... تناقشا معًا في كل سطر قرأه. وإذا 
تغاضّبا على رأي في كتاب. قذف الأبُ الكتاب في 
وجهه, وهو يصرخ: «إما أن تقرأ بروحك أو لا تقرأ». 
وكان يقول له: «الأدب أعظم ما أنتجثه الإنسانية, 
والظب أتفه ذلك الإنعاج. وبينهما أمور مشتبهات. وإذا 
أردت أن تدخل كلية في الجامعة فعليك بالأدب أو 
الفلسفة, وإيّاك والظت, فإنه مهنة العقول الضعيفة». 
ونقت الضفدع., فأيقظثه من هواجسه. ونزل إلى قهوة 
(شمعة) يقضي ما تبقى له من ليل. فتراءى له أصواث 
الضبية يناذون على أحدهم بالمشروبات والأرجيلة, 
ويعرف (شمعة) زاويته القصيّة التي يجلش فيها 
للقراءة أو للصمتء فكات يحجزها له أول ما يهبظ 
الليل. وكان الزبائن المُعتادون يعرفون ذلك. فلا 
يُحاولون الجلوسى اليهاء وهم يتهامسون: «طاولة 
المجنون». وكان إذا جلسء فتح كتابًا. أو قرأه من 
خياله, وكانت القراءة تُبعدُ عنه شبح الهلوسات, فإذا 


44 


سمح للذكريات أن تخرج من كهوفها الفظلمة في 
قيعان أدمغته فقد سمح لأفاعي الجحيم أن تُطل 
برؤوسهاء وكان كثيرًا ما يُسكتها بضرب رأسِه في 
الجدارن أو في الظاولات التي أمامه. وإذا كان 
الذي كان يأتيه به (عيد). ومع ذلك لم يكن يملك تمنه 
إلآ في حالاتٍ قليلة. وفي صداقة الحشاشين, فالثمن 
إذا لم يكن المالء فسيكون الجسد!! 


45 


(4) 


ذب هف الفناء 


لم يُكلم أحدًا بعت موت أبيه, ولم تسمعه أقه 
ينطق بحرف واحدٍ طوال عاج كامل. كان صاهِنًا كانه 
فقد القدرة على الكلام,. وظلت المنارات في حياته 
تتهتم واحدة بعد الأخرى. كان أبوه هو تلك المنارات 
الهادية, فلمًا انطفاً أظلم كل شيءٍ في عيتيه. حقى صار 
يرى أن الليل يعقبه ليلء وأن التهارات كلها رحلث دون 
عودة. لم يكن شهلاً أن يُصدق موت أبيه, كان انكساره 
الفظيع. وكان يشعر بذلك الشكين الحات الذي يجرح 
سطح الرجاج يمر على قلبه كلما تذكره. 
روحه تياته. وأرادث أن تبيع شيّارته. وتعتصدق بتمنها 
لولا أن ابنه منعها من ذلك. وذبحث كبشّين من مال 
اتخرته طوال عشرين عامًا هي زمنْ حياتها معه. 
وكانث تدعو له في صلواته. وكان هو يقول لها: «ما 
فائدة ما تفعلين؟ الله الذي أخذه. غير محتاج إلى 
صدقاتك». ولم يكن يتخيله إلا جالسَا معه على الأريكة 
في غرفة المكتبة يُتابعان الثقاش حول كناب في 
الفلسفة أو الأدب, وكان بُدير معه نقاشًا متخيالاً 
ويذهث إلى مخالفته الرأي حثقى ولو لم يكن مقتتقًا 


16 


بذلك حتثتى يصفة نفعه كما كان أبوه يفعل, وأدمت 
خلافقه. حقى اعتادث يذه صفهعه, وظلت تلك اليد 
تصفعه حثى دون نقاش,. وكان وهو يجلش في مقاعد 
الدتراسة وفى وسط الحضّة فى غمرة أندماج الأستاذ 
في شزحه وكي وسط العيون المعلقة بالشتورة 
وبالمعادلات المخطوطة فوقها.2. يصحو الظلأاب من 
ذهولهم على صوت الضفّعات. وحدت أن ذُهل الظلاب 


بما سَمعوا أول الأمر,. ثم صارَ ذلك مألوفًاء وإذا حانث 


منهم اليفاتة نحوه كي يكفا حثى يستوعبوا من 
ايناد رفع بده الصاذعة يقلبها فى و جو ههم ,2 ويهتف: 
«لا عليكمْ. أنا أناقش أبى المييت فى فلسفة هيجل 
وكانط. ووجوديّة سارتر ونيتشه. دعوني في هرائي 
لأدعكم فى هرائكم». ولم يعذ أحد يأبه به 3 بصفعه 
لنفسه., وكان ذلك بُريحه. وكان شّغرة يتناتر فوقّ وجهه 
فيُغظيه فى غمرة تلك الضصفعات. لكتثه بعد زمن من ذلك 
لم يعذ بُسيطر على يده. وصارت يذه غريقه. فلا هو 
توقف عن تخيل الجدالات بيته وبين أبيه, ولا يده 
توقفث عن إيذائه؛ حقى آمن أنها لا تنتمي إليه. 

أيّام الامتحانات كان ينام فى الكقام, يملا 
(البانيو) بالكتب والاأوراق. ويخربش فوقها. فإذا تعب 
أو طال عليه الأمدء, يجعل منها مخدة نحت رأسه, 


47 


ويتكور على نفيه مقثل قنفن. ويُحاول التوم., لم يكن 
ورتما سكب على نفسه الماء وسط أوراقه التى تذوب, 


و لنتهى » و تصبح أكرًأ بعد عين. 


كان صياح أبيه في ليالي الشّتاء الظويلة يستمر 
حتقى الفجر. صوث أبيه فيه صحلة, وإذا مَد الضرخة أو 
مَطها كان يعوي كذئب جريح, لم تمر ليلة واحدة دون 
صِياحء. ورتما ضرّت أقه. أو أهاتهاء أو قذف بها خارج 
البيتء ثُمَ لم يكن منها إلا أن تجلسش على العتبة في 
الخارج بعض الوقت ريثما يهدأ هياجه. ثُمم تدخلء ولا 
يعترض هو طريقهاء بل كان يسألها أحيانًا عن الشيء 
الذي أيقظها في هذا الوقت المتأخر من الليل! لم يكن 
من شيءٍ يُمكن أن يُوقفه عن الضياح سوى جلوسهما 
معًا في المكتبة للقراءة أو التقاش. ثُم لم تكن أقه تفعل 
شيئًا أمام صِياح أبيه. كانث في مرّاتٍ كثيرة - إذا كانث 
بقماشة سميكة تحاول أن تخفقف من أثر الزّعقات على 
أذتيها. وكانت تلك الضصيحات في ذلك البيت الزيفى 
القصىن تذهث في موج الليل2. وتضيع فيه؛ وكم من 
صَرَخَاتٍ غرقث مع تباح الكلاب وعزيف الزيح في تلك 
الليالي القارسة! 


48 


قالث له أمه ذات يوج: «إت أباك رجل طيب». 
فرت: «ولكته يضربك؛ الظيبون لا يُؤذون أحباتهم!!». 
«أنه يُعاني». «مِمْ يُعاني؟». «من الفقد. من الضياع 
والثيه». «فلماذا تزةجكِ إذا كان لا يُريد لهذا الزواج أنْ 
يستمز؟». «لكي يُنحتب ابنًا يُشبهه؛ رتّما نجح فقط في 


ذلك, وأخفقث أنا». «أنا أسأل لماذا اختار أن يبتليكِ 


دون سِواكٍ لكي تكون رحمها تطفة لولدٍ محتمل يريذه 
مقثله ؟». رركا بنصة أَنْ 0-6 إنسانًا لخن ولكن الثاس 
لا يختارون الحال التي يكونون عليهاء إنهم يُولدون بها. 
ألستت تُشبهه؟1!». 


لم يكن في القرية أي سلطةٍ تردع الأب عن عَيَه 
لا شرطة, لا قانون, لا حجساب,. ... كان يمضىي في شكره, 
يقسم راتبه الذي يتقاضاه من التدريس مناصفةً بين 
كأسه وعائلته. وكان يقول لزوجته: «هذا لكم, وهذا 
لي ». يذهب بستارته (اللادا) القديمة روسقة الضنع 
التي تُشبه صندوقا مفرتِعًا من الحديد إلى المدينة, 
يشتري عشر زجاجات. تمكث معه أُيَامَاء وكلما أنهاهاء 
عات مّة أخرى ليشتري غيرّها. وكان المرض يقضم مع 
كل زجاجة شيئًا من روحه. حتى إذا حلتٍ الشنة التي 
أقعدته في الفراش بسبب إدمانه, راح يهتف على 
مسامع ابنه بصورة أقربُ إلى القوشل بأبيات أبي 


49 


نواس: 
دَبَ فى الفناء شفلاً فَعُلوا 
وأراني أموث غضوًا فعُصًوا 
ليتى من ساعة مضث لي إلا 
لقص ظفوةا بمزها ون يخِزو | 


وبدا لنديم أن هذا الأب القاسي يتحول إلى 
متسول متوشل؛ يسأل أقه الأشياء بلطف, ويهمش في 
أذنيها بعبارات الحتء وكثيرًا ما كان يراه يشدّ على يد 
أقه وهي تجلس إلى جانبه في الفراش تسقيه بعضّ 
الذواء. وتمسح العرق المُتفصد عن جبينه: «سامحيني 
يا أ نديم,. صحيخ أئني لم أحبكء ولكن الخت ليش 
اختيارّا. اكتشفث بعد هذه الشنين كلها أنني كنثُ 
ممخطنًا؛ يبدو أتني سأرحل». وكانث هي تخفض رأسها, 
ولا تقول كلمة واحدة. وكان في قلبها ألف كلمة لتقولها, 
ولكتها كانت تستعيض عن ذلك كله ببكاءٍ صامت. 


وكانت || 1 | || فيقة +.ى هه اير وتأكل منه 
شيئًا فشيئًا حقى أقعدثه, وصار يبعث بابنه إلى المدينة 


كي يشتري له الزّجاجات, وهو يشتم: «لماذا لا يصنعون 
الخمر هنا والعنب وفيز فى هذه القرية الملعونة؟! لماذا 


50 


على أن أدفع نصفً تمن هذه الزجاجات اللعينة وقودًا 
للشتارة؟!» وكان كلما كرع زجاجة, رماها بما تبقى فى 
يده من قوؤة فى وجه الجدار فرئّما انكسرتث أو 
تشظت, أو تأتّث على الكسر فتدور على الأرض مقثل 
قلبه ألف دورة فى قلقلة تافقة قبل أن تستقن, وكان 
يبصقٌ عليها في كل الأحوال؛ وذات مزة بصق دمّاء 
وجحظث عيناه من الزعبء لكته سرعان ما استفرق 


القرية التي لقتها أبوه في صحوه ومنامه, كانت 
مَلاكقه الحارس,2 كان يرى أتها نجاته من العالّم 
المفتداعي. ومن الهراء الذي كان يسمعه في المدرسة, 
ومن ثم في الجامعة, وخاضة ذلك الذي يَقيئْه الأساتذة 
الذين كانوا يتحسبون أنفسهم سادة العلم, وَكَهَنة 
المعرفة. كان يلجأ إلى شجرة الزيتون الفعمّرة التي 
تقف بكامل امتدادها القاريخى أمام البيت. الشجرة 
الهرمة توزعث في كل اتجاه. وتقوقست أغصانها العالية 
من فوق, حثى شكلث ما يُشبه القبة لكل مَنْ يدخل 
إليهاء فيجد تحت تلك القبّة ظلاً ظليلاً. وتاريخًا يتكلم 
بألف لسان. ويسمع في ذلك الضصمت الذي يحمي 
الداخل إليها من كل الضجيج في الخارج أصوات مَنْ 
غابواء ومَنْ عاشوا وماتواء وحثتى أولئك الذين تصوفوا 


5١ 


هناء وجعلوا من هذه الشجرة رمزهم أو سبيلهم إلى 
سدرة المُنتهى . كا تحتها في ليا لي الضصيف, وكان 
وكان يعن له أحيانًا أن يتسلق أغصانهاء. ويجلس الليل 
كله صامتنًا فوق أعلى ققتها. ينظر إلى الأفق, ويُحدق 
فى التجوم. ويرى على صفحة الشماء البعيدة الذاكنة 
الشاكنة كثيرًا من العوالم الّتى يصنعها خياله. 

وكانث له مع هذه الشجرة حكايات, حكايات ده 
يدرى من قَضها عليه أهي الشجرة نفتها أه أرواح 
الذين أراحوا من تعب الدنيا أجسامهم تنحتها؟! أه 
قَصَها هو عليها؟! كان يعرف أن عمرها أكثر من أربعة 
ألاف سمنة انها أكبر من الإسكتندر الدكير ومن كسرى 
أنوشروان, ومن هرقل عظيم الزوم. ومن ثلاتة أرباع 
الأنبياء الّذين جاؤوا من بعد أبيهم إبراهيم. كان يكنش 
قاغهاء ويتلقس شقوقهاء ويُقبل أوراقهاء وكانث لا تزال 
رغم كل هذه الشنين المتطاولات مُتمرة, وكان لا يسمح 
لأحد بالاقتئراب منهاء وكان يقطف ثمارّها بنفسه, 
ويحقل شوالات الزيتون في شهر تشرين الثاني في 
ستبارة اللادا الضفراء. ويذهب بها إلى معصرة القرية, 
ويبيع منها زيئًا كثيرّاء ويبقي له ولاقه ما يكفيهما 
طوال القام. 


52 


يُعجبه فيها تباتهاء. وخلوذهاء وتواضّعها 
وإعراضها عن الجاهلينء ومع أنه كان يحت فيها القبات 
والثواضعء. ويتمتى الخلود الفستحيل الذي تمتاز به إلأ 
أنه لم يكن يُعرِض عن الجاهلين مثلها. وكان يسمع 
صوتهاء. ويفهم عليهاء وكم أيقظّه نداؤها في الليل 
البهيم من فراشه., كانث توقظه عشر مزات على الأقل 
في 0 ليلة وهي تهمس: «حايثني؛ إن حديتك خلو», 
وكان يحنو عليها أكثر مِقا يحنو على أقه. ويستلقي 
تحتها أكثر مِقا يستلقي في فراشه. 

الشنة الّني تلث وفاة أبيه, لم تكن صعبة عليه إلا 
في افتقاده الجوار مع أبيه. ومع أنه استعاص عن 
حواراته معه بحواراته المُخيلة2, وحواراته مع شجرة 
الزيتون, إلا أن نكهةً محتبة في شتائم أبيه لم يكن 
ليجدَ مثل ظلعمها مع الشجرة. 

ودخل الثانوتّة العاقة, كان تَرى الامتحانات 
مهزلة, ولولا أقه التي كانث تتوشل إليه أنْ يتقدم إلى 
الامتحانات لأمضّى عامقه ذلك في الجبل2ء. وتحت 
الشجرة! كان يحفظ الكتك ا وكان يملأ تلاتة دفاتر في 
الامتحان, يُجِيثِ بنصف دفتر. وفي البقيّة يضع رأيه 
في الثتظرتّات والقوانين الزياضية. ورتّما صخح بعض 
الأسئلة الخاطئة. ونصحه أستاده في الفيزياء من قبل : 


53 


مقلة, دا أدري ماذا أقول لك... ولكق الوزارة تريذ أنْ 


تُجيت ما تريذ هى لا ما تريد أنت, وأعرف أنك لن تمنه 


نفسك من أن تقول ما تريد, فابداً بالإجابة الني تريدذها 
الوزارة, ثم ناقش الأسئلة وجدواها وصحكتها بعد أن 
تنهي ما يُريدون». وكان يكتث في رأسٌ. كل إجابة: 
بهذا ما تريدون, ثم هذه هي الحقيقة وس ما أريد». 
وكان يعلم أنه يبحث عن الحقيقة, الحقيقة التي لم 


مُفاجئًا - على الأقلّ له - أن يحصل على المركز الأول 


في الذدولة2. وفي اليومح الذي كزمهم الوزيرء كان يرى 
وبالأسطوانات الجوفاء. ورأى أصنامًا تصفق. وأخرى 
تهنف, وتالثة تنمايل. وحوانيت تحمل فحتطين. وكان 
يشم رائحة بول من كل المتحتتين. وكان يشعر أنه 
أمام جوقةٍ غريبة متأئقة فى لباسِهاء تتصتع الحميميّة 
في نظراتهاء ولكتها تغتي في ماتم, وتنوح في غرسس!! 


زار قبر أبيه في التاحية الغربيّة من الشجرة 
المباركة2 لم يقبل أن يدفنوه في مدافن القرية, قال 
لهم: «أبي ليس ملاكًا ولا شيطاناء إنه مزيخ من الاثنين, 
ولا أحد في هذه المقبرة إلآ ملاك أو شيطان, وعليه 


54 


أبيه. ونظر إلى التالية التي زرعها فوقّه وهي تنمو 
رويدًا رويداء ثم سكت من زجاجة الخمر كأشين, 
وسقفى تراب أبيه: «الأمواث تحناخ أرواحهم إلى أَنْ 
ثروى من هذا الجديب. يا ساكن هذا القبر قُمْ أحادثك, 
وراح يترئم بقول القائل: 
تزوزكم لا تُكافِيْكُم بِجَفو تِكُم 
مَنْ عالج الشؤق لم يَسْتَبْعدٍ الذارا». 


ورأى إلى قبر أبيه عددًا من الموتى الرّاحلين 
الذين خلكهم الثراب بذزرزاته. رأى فيهم كل الفلاسفة 
والشعراء والخكماء الذين كان أبوه يُحتته عنهم, 
وحدّتثه تفشه: «إن الأرواح تحن إلى مَنْ بُشبهها؛ ماذا 
لو عات جمية الأموات من قبورهم إلى الحياة؟». 

قبن في كليّة الظتٍ بالجامعة الأردنية على 
حساب الدولة. وبدأ حياة ظتها جديدة, لكثه لولا بعض 
الورود التي كانث تنمو في أطراف جسده الفاني, 
وتتسلق مثل غمامة على روحه. لظتها استمرارًا للهراء 
الذي لم يستطغ طوال سنواته الشابقات أن يغسل 
نفسه منه, ولا أن يتخلص من أدرانه. 


ام فدح دصحت أوهامه, هل ينزل إلى 


55 


قهوة (شمعة). فيجد بعض التلوىء وماذا هناك غير 


أستمرار لأاعيث الذى يخنقه. ضرت رمه فى الجدار 
وصفة عنقه, وتناتر شّعزه على عيتيه. رَجله أمام 
عن بباله أن يكسر ما تبقى منهاء لكته خافٌ أن يفقدهم 
إلى غير أوبة. هل يذهبون مع المرايا؟ إنهم يُعيدونه 
كلما تاه إلى الجاتة, وليكن... نقت الضفدع من جديد, 
هشرع إليها: «يكفى أتتها التقاقة. سوف أترك لك المكان 
كله». 


صفق الباب خلفه. وهبط الدرجات, ليجد نفسه 
أماح الشارع. نقل حُظواته إلى المقهى. ومن بعيد كان 
صبيان المعلم (شمعة) يجوسون عبر الظاولات يُقدّمون 
الشاي والقهوة والأرجيلة للزبائن في هذا العالّم الشفلى 
القديم! 


56 


(5) 


- ع 
و 5-0 .م 00 


كانث معه في درس البيولوجياء لفكثه ضحكتثها 
المُشرقة عندما قال للتكتور الذي كان يعرض فكرة 
أصل الأنواع لداروين: «ما دَخَلت الفلسفة في شيء إلا 
أفسدثه». وكانث تقول له بيعت الدرس: «دغنا نتفلسف؛ 
أليشس الظطلت في ناحية منه وجهًا من وجوه 
الفلسفة؟!». فيرت: «هؤلاء ليسوا إلا مجتزين». وبُشير 
إلى كتاب (اللاطمانينة) ل (فرناندو بيسوا) في يدهاء 
ويُتابع: «الفالاسفة كلهم عِيالٌ 5 أبي». وتضحك, 
ويفتز تغزه قليلً. وهو ينظر في وجهها القمحىء و تتابع 
دهي : «وما أهة ما تفوّق به أبوكء عليهم؟». فيضيةق 
عيتيه كمن يتذكّر, ويرفع ذقنه قليااً ثم يهتف: «قوله: 
الخمرة لا تحت مَن لا يُحتها». فنزداد ضحكتها, ويتابع 
هو: «لو أنه حى وكان ذا قلم. لأفحم طوائف من 
المفتفلسفين القمقتدعين». وتقطع ضحكتها.ء ويظهر على 
قَسَماتِْها الجت: «مات؟» ويُكمل: «لقد مات منذ ما يقرب 
من سنتين, لكثه ما زال حَيّا في مكان ما». وبُشير إلى 
قلبه., وهو يرتد: «ما فائدة الأحياء إذا ماتوا هنا؟ انما 
بُقاس الأحياء بحضورهم في قلوبناء لا بتقاسمهم معنا 
هذا الفراغ الكاذب». 


57 


حان غريباء. وغامضًا بالتسبة لهاء. فارادت أنْ 22111 


شيئًا من غُمُوضه: وكان نابغةً فأرادث مغل الكثيرات أن 
تتقذب أليه, ولىي: هيتنا أ كا 2 مُنفرة جعلت هة لاء 


الكثيرات يختصزن الظريق. ويذهنن في طريق اخرى 


غير التي يقف هو فيها عاريًا من كل شيءٍ إلآ من 


عفوتّنه وتداءةنه. ولأنه لم يكن يكتف خلقف داقاتئرة 
الت حرفًا واحِدًاء لم يملنَ إلى ممصادقته من أجل 
الحصول على الكْرّاسات التي يدرس منهاء فهو لم يكن 


يحمل كُرَاسَا واحِدَاء ولا قلمًاء وكان فى أتام الامتحانات 


يستعيز فَلّمه من أقرب الجالسين حوله. ولذا لم يكن 
فيه ما يُشَجِع على الاقتراب منه, إلا لمن استطاع أن 
يلمس فيه تلك الزوح المتمرّدة الثائرة التي تسكنه., 
ولأتها روح. فلم يكن يلحظها أحت,. ووحدها - بِقَدَرٍ ما - 
غرقث في روحه. وصارتث تراه ملهمًا لها. 


«رأنا هياح». ولم يرت هو يحرف وظلّ شاردًا 
ينظر إلى سَظح فنجان القهوة الذي يشرب منه 
وكتذرت: ان هياح. ....». تستحته على أَنْ يقول شينًا 
بدلآة من صمنه الأبكم., وأرات أن يقول لها اسمه لكته 
تعقر بأسمائه الشثة, وحار فيما يختاره لها من بينها, 
ولكته قرّر أنْ يقولها جميقاء فرت وهو ينظر في لوز 
عيتيها: «أنا ماركسء., صالح., نديم. حافظء ابن عتاس, 


58 


وأبو نواس». وجلجلث منها ضَحِكة لفتث إليهما بعضّ 
الأنظار في الكافتيرياء وخفتث ضحكثها تدريجيّاء ورد 
هو من عنده: «يُمكنك أَنْ تناديني بأحدها إذا أعجبك, 
أو بها كلها ». واختارث له يومئذ: «حافظ». وكان 3 
يزال يحفظ كل شيءٍ حتى موجات عيتيها الذابحتين, 


أوقفثه ذكراهاء قبل أن يجلس إلى أبعدٍ طاولة 
في المقهى, إنها قديسة, كانث تملك كركرة الأطفال, 
وبراءة عيونهم, وهو يحت ذلكء يحت تلك الفترة من 
طفولته التي تسبق غيبوبته عندما أغرق رأشه في 
البركة في ذلك اليوم الثعيسء الظفولة التي تعني أن 
المرء كان يملك معرفة العالم. وطهارته. وجماله, 
ونبوءته,. وفنونه, وعبقريّته, قبل أن تمتت يِذ الحياة 
إليه فتلقته. وثمزقه, وتلونه بألف لون, وثغرقه في بحر 
من الدناسات. وتذكر أقل قصيدة للشيّاب كتبها لها: 
«عيناكِ غابّتا نخيل ساعة الشكز... أو شرفتان راح 
ينآى عنهما القَمَر». وقال لها يومها: «لا أحدت يستطيع 
أن يفهم هذه الأبيات سِوايء. كل مَنْ شرحوها أخطؤوا, 
الشعر حياة. وهو إن لم يكن قادِرَا على تفسير نفيه 


بالإحساس به فهو هَذر. أنا لم أجذ عيتين تشرحان هذا 


الكلام سوى عيتيك». واستغرت هو من نفيه؛ من هذه 


59 


الزومانستة التى استيقظث فيه بعد أن غاص فى رَهو 
عيتيها2ء وهو الذي لم يعرف من المرأة غير ابارها 
الفظلمة. ولم يدر على أئ وجه يُمكن أن ثحته امرأةٌ ما 
تفسيرها. ولكتها معه؟ احبته بكل جنون,. حتثى أدوكت 

وسألها: « و صاذأ حث فيمن نحت حَبيِنّ نحت؟». 
فلم تجذ جوايا. وردذدت سؤاله بسؤال: «هل تعرف 
إلى سطح كوكبنا القثائه؟ تلك أنا؛ فضيئة بك, وإن لم ير 
هذا الضوء في أغوار روحي سواك!». وخُيل إليها أنها 
وهبثه أعز ما يُمكن أن يُوهب؛ قلبها. 


هل يتخلص من الأصفاد التي ترسف بها روحه 


بحته لها؟ كان خته لها رحا ظل ينزف حثى قفضى 


عليه. وكان ختها له نورًا ظل ييُضيء جتبات روحيهما 
حثى انطفا. وقال لها: «إن لم يكن هذا الختٍ نورًاأ ينبع 
من قليك الذي هو قلبيء فإئنا سنضل. وإذا أخطأ شعاع 
دون أَنْ يقه على غايثة, ولن يعود أبِدَا!». 


«لسئا ناضحكب:٠‏ نحت كما بنك ألحتث 
مصجحينى 3 . ع ٍِ 


00 


الذي يُعمقر طويلاً لا يُقالء لا يُمكن أن تضع يدك على 
حقيقته, ولا يُمكن فلسفته. ولا حثى البوح به. فإذا 
أرذنا أن نسير هذه الظريق معًا فعلى الحتٍ أن يملك 
في نفسه ولنفسه قة نه الذافعة لكي يستمزة>». 

وتناهى إليه نقيق ضفدعه من الشبَاك البعيد في 
الظابق القاني من الفندق الزخيصء وَهْمَ أن يقوم من 
كرسيّه في المقهى من أجل أن يُطعمها. لولا أنه رأى 
(عيد) قد أقبل إليه. فعات إلى مكانه, وحين صارَ على 
رأسِه. دس إليه قطعة الحشيش التي أدمتها: «الصنف 


الذى تريده 2 لِذَ أنَكَ بحاحتها». فرذها نحوه, و هنو 


يقول: «لم يبق معي نقود. لو عملث في وظيفة جديدة 
فسأ تمكن من شراتهاء أمَا اليوه فالا». فرمقه (عيد) 
بنظرة ذات معنى: «جسدكَ يفى بالتمن». 

ها هو أبوه. يقول له: «يا ماركس لن تُكل قضايا 
هذا العالم الفهترئ2. فاشرث». فيرت: «أنَنذِرُ الكأس 


وو 


للموت؟». «أن أصديقائى قتلتهُمُ الرذة. ولا شىة مثل 
الكاس يُنسبي »., لمم ير بترئم أمامه, بقول تشار: 


فَمَضَىء وتذكزك الحَوّايث مَا مَضَى 


61 


جْزْرُ المَنِيّة ظاعِنِين وَخُفْضَا 

«يا ماركس؛ ذهت أهل التتور بالأجور». فيسأله ابنه: 
«ومَنْ أهل الدّتور يا أبي ؟». فيرث: «كل مَنْ لعبث به 
الشّمول, فإئها تشفًٌ عقا في حبابها ففخرج أنقى ما في 
عقل المرء». ويضحك ماركسء وتتلقاه أقه خارجًا من 
المكتبة, فتقول له: «إن درك مع الشيخ غذا». فينظر 
خلقّه إلى الباب القواربُ وأبوه ما زال يكرع الكأس بعد 
الكأس, فيّحشى أن المسافة الفاصلة بينهماء هي المسافة 
02 للكار والكرّاس . فيقول لها: «و ماذا بعد أنْ غخ حفظت 
القران؟». «أن تختته أن تفهم عن الشيخ, أن تتفقه». 
فيرت: «الفقه هنا...» ويشير بإبهامه إلى أبيه وهو 
بُعطيه ظهره, ثم يتابع: «أحن من الفِقه هناك». و تبكي 
أمَه : «ليس لىي ابت سواك؛ فهل تريذث أن تهلك نفسك 
مثلما فعل أبوك؟». فيرت وهو يصطنع سخرية في غير 
رهينة)». وتلودُ أقه بالضمت, ودموعها تتقاطر على 


سبي 

م 

ا يي 
©» > 9 


وَخَرَجا إلى شجرة الزيتون المعمّرة2. وقال له وهو 
يتهادى من شكر وتعب: «إذا مث فاجعل عرو في فريبًا 
إلى عروق هذه الشجرة» ويمشي ثلاث خخطواتٍ أو أريع 
مُترئحة, ويُكمل: «هناء ثم ازرع على قبري دالية من 


62 


دوالي هذه القرية العتيقة. وإذا جَنَ ليل الدذكريات, 

فاعصز على قبري من كزمِها؛ فإنَ طول العهد بالكاسش 

يُنسيء وإنت طول الأمد بالشقاء يُمجلء وإئني لا أقدر أن 

أجمع جفافَين على روحي». ويترتم ببيتي أبي محجن 
إذا مْت فادفِئي إلى جنب كرمَةٍ 


تَرَوَىي عظامىي بعد مونى غروقها 
ولا تدفتنى بالفلاة فإئنى 
أخاف إذا ما مُث أن لا أذوقها 


وانتحى به الظبيب الذي كان يفحض أباه: « إن 
أباك مخصات بتشقع الكبد.ء وبهشاشة العظام. وإنه لن 


يقوى على السيرء وبارتشاح في الزئتين, وبالقهاب في 


الكأس. ذات مزّة وهو يشرح له ما قاله الظبيب: 
دغ عنك لومي فإِن اللوم إغراء 
وداوني بالتي كانث هي الذَاء 
صَفْراءٌ لا تنزل الأحزانٌ ساحتها 


لو ممشها حَجَز مَسَثهة سَرأة 


03 


ويعلو صوثه متحشرجًا في صدره الذي راح يعلو 
ويهبظ بشذة: «أعطني الكأش وغَنّء فالغنا سِرْ الخلود». 
وكان يتكئئ عليه إذا مشىء وإذا قاحَ, وإذا جلسش. إلى 
طاولة الظعام. وكانث أقه ترقبهما بصمت وتبكى 
وجذيث ابتها من طرف كقه: «ساعذه على الشّفاء, ولا 
تساعذه على التمادي». «إنه يستعجل موته». «إنه له 
يعرفه». «الله هو الله يا بُنىء وهو يقبل الثائبين وإن 
أسرفوا». «دعيه يا أي , إن نصائحكِ له تزيذه فيما هو 
فيه». «إتك مِثلّه. ما الذي فعلثه لكما حقى ثعاقباني 
بذلك؟!» وتبكىي من جديدء فينهزها: «أنا لا أطلث منك 
غير الضمت». «كيفق أصمث على ضصَلاله, وهو يسير 


إلى الثار بقدميه!!». 


وأنهضّه من الفراش. وقال له» املأ الكأس واقرأ 
عَلَى». وأرات أن يسير إلى الحقام ليقضى حاجته, فما 
كات يقف على قدميه حتى سقط, وحمله بين يديه كما 
لو كات طفادً. وخلة عنه ملابسه, وأجلشه على المقعدة, 
وقال له: «أن ترى عورتي أنت خيز من أن تراها أمك», 
ويضحك وهو يتابع: «هذا الحصان لم يعذ قادرًا على 
الرّعي من الصدور التافرات يا بُنىء. لقد ذهبتٍ الخمرة 
بالفخولة». فيضحك ابئه بدوره: «تمنئ يبدو عادلاً 


04 


للمتعة يا أبى». وتنخفت ضحكا نه و هو يدرى 9 
مصابيح كتيرة قد انطفات فى اعماقه مد اوقد على 
الخمر. وات اصدقاء أكثر قد تخلوا عنه مذ صادقٌ 


الضهباء ! 

أفكازه أشباخه تطارده في 0-3 مكان, تلقتصخٌ به 
تخرج له من شقوق جلده. تتطفل عليه في ساعات 
صفوه. تذكره دائمًا بالماضيء, بكل ما حدت له 
تستعرض له في شريط واضح وسريع خساراته 
الكثيرة التي لم تنته. تغوض بأنيايها في روحه. كيف 
يُمكن أن يكون شكل هذه الوح التي لا ثرى؟! يسيل 
دم غير مرئى, يشة رائحة تلك التماءء ولا يرى لونّها, 


يفزع. يتنامقى فزغه. ولكته سرعان ما يتواءم مع فقزّعه, 


وها الفرع إلا حيالاتم الح الا صق عن الجهور بهرت 
منها أحبانًا ولكته بد يكتشَف أنه يهربٌ إليها!! 

واستيقظ من أحلامه على صوتٍ صبى القهوة 
يقول: «تنشرب إيه يا دكنور؟». 


65 


(6( 
هيام 


وانتصفً الليل. فعاد إلى غرفته في الظابق 
الثاني من الفندق الزخيصء وكانت الظريق قد سكنث, 
والمازة قد قلواء كآئهم فئرائ قد دخلث إلى +جحورهاء 
ورأى شرطيًا يسير متلفْعًا حوله في حذر. وظن أن 
الخوف منزرءٌ في نفوس البشر كلهم, وهتف فى نفسه: 
«هل ستنتهي حياتي في هذه الشارع اللعين. وفي تلك 
الغرفة البائسة؟!». وضع رجله على القتبة2, وهو يهة 
بصعود الدرجات إلى تلك الغرفة التي صارث عالمه, 
وراها... 


كانا يمشيان فى بهو الكليّة2. وكانث هياكل 
عظميّة تَطِل برؤوسها من خلف الزجاج في ذلك التهو, 
إنهما على مقرية من مختثير التشريح. وقال لها وهو 


يُشير إلى الجماجم التي تتدلى من تحتها رَرَدات 


العظام: «هؤلاء أحياء», ويُكمل وهو يُشير إلى زملائه 
وزميلاته الذين يذرعون التهو ماضين إلى ممُحاضراتهم: 
«وهؤلاء موتى». وتحدق في عيتيه دون أن ترتء كانث 
تعرف أنه مريض في عقله., ولكتها كانث تحته, ولو كان 
الختٍ مُبصِرًا لما عميث عن غراباته كلها ولا عن 
هَدّياناته. ولقد قالوا: «الخت أعمي». وقال لها وهما 


066 


يقفان أماه 522 فى | 2 : ججرأاغا : ال 06 َك 
بالحكمة. وإذا كان من موعظة فهي في هذه الخقة 
اتنى انطفاً قليها لا فى قلوب أولئك». وتلفت حوله 
بعيتين واسقتين ناعستقين2. وشّعزه يتهتل فوقهما 
وقالث: «لو رفعت هذا الشعر عن عبيتبك لأراك». فرذ: 
لا أريدث ماحد أَنْ برانفى, أنا هكذا أفضل». «هل تبخدبيع 


ووافقث أن تذهت معه إلى القرية, دخل بها إلى 
المكتبة. وساح بها بين رفوفهاء وأحشث أتها تدخل في 
عقل هذا الفتى. وعرّفها ما كان يقرأ هو وأبوه. وتركها 
تتمدتد على الأريكة التي كانا يجلسان عليها مقاء وراح 
يتلو عليها ما يحفظ من أشعار أبي نواسء, وهو ينظر 
في عيتيها اللوزيّتين. ووجهها القمحىء ونزل بنظره إلى 
صدرها الفكتيز, وخُيّل إليه أنه يترَجِرّخٍ ترجزجٍ الخمر 
في الكأسء, فاستيقطّث فيه الشهوة. وعوى الدْئبْ في 
خلاياه غواءًَ شهوانيّاء ولولا أنَّ قزع الكؤوس في أبياتٍ 
أبي نواس كان أعلى من ذئب الشهوة لراح يلتهمها 
بقبئلاته الحميمية, ثُمَ جذتها من يَدِها الفخملية, وخرجا 
إلى الشاحة. وأحش أن يده صارث نَدِيّة2 وأت عروقه 
اخضزث. وجلسا تحت الشجرة. وقض عليها إحدى 


67 


حكاياتهاء وحانث منها اليفاتة إلى القب. وركض سؤال 
في عيتيها سَهِة هو صوت لهاته. وصذه قبل أن يستمر 
في الزكض دون أن يدري إلى أينء وهتف: «نعم... قَبْزْ 
أبي». وتركها مشدوهة ثقلب طرقها في الشجرة حيئًا 
وفي القبرٍ أحيانًاء ودخل إلى البيت, وعاتد مُسرعًا منه 
وهو يحمل زجاجة الخمر. وكأشين,ء وناداها: «تعالي, 
لقد ناذتني روخه». واقتريث متوخجسة ناحية القبر, 
وسكت لها الكأس ومته إليهاء. وهي لا تزال غيرّ 
مُمصذقكة, وسألث بصوت مجروح: «تشرب؟!». فرت كأنّه 
استغرت سؤالها: «مندٌ القانية عشرة». وأرجحعث رأسها 
إلي الوراء: «لقد تأخرث, أريث أَنْ أعود». ولكش كيبل أنْ 
تشربى معي ». «رأنا لا أشرب». وهنتئف: «مسكينة. 
مسكينخ من لا يشرب». وتقززث وهو يكرغ الكأس, 


وأدارث رأسها إلى الجهة الأخرى, وأرادث أن ثوليء, لولا 


أنها رأت امرأة قادمةً من بعيد فى شرشِها الأسود, ولفة 


رأسِها التذاكنة, وفى يدها بعض الحاجتّات قد جلبثها 


من الشوقء. وقال لها وهو ينظر بعيتين زائغتين. قبل أن 


يبدأ سؤالها بالزكض في مدى عيتيها: «أمي. امرأة 


طتبة. رتّما من الجيد أنْ تتعزفي إليها». ووجدث في 
رؤيتها شيئًا من الظمانينة. وكانث أمقه قد اقتربث 
منهماء وقال لها: «هيام. زميلتي في كلبّة الظتء. جاءث 
لتقرأ الفاتحة على روح أبي». وأكمل وهو يضحك: 


68 


«ظلث تقول لي طوال العام أريد أن أرى البطن التي 
أنجبثك, وأنا أقول لها أما أنا فأريدكِ أن ترّي التطفة 
التي قذفث بي إلى هذا العالم القراوغ, تعالي إلى 
القبر». وأرادث أقه أن ثولولء أن تصرخ., واحتارث بين 
ذلك وبينَ أن ترخب بالضيفة, أن تقول شيئًاء لكتها 
ظلّث خرساء. أعطثهما ذلهرهاء ودخلث إلى البيت, 


ورأاى هو الحيرة في عيتيهاء فهنئف: «يُستحسّن أنْ 


ندخلء إنّها سثعت لنا طعامًا طببًا». 


قال له أبوه: «إنه يلزمنا لكي نعرفء, ديوان امرئ 
القيسء, وكتابان في المنطق, وثلاثة كنب في الفلسفة, 
وعشر زجاجاتء وكهف». «من أجل أن نعرف ماذا؟». 
«من أجل أَنْ نعرف الله والشيطان». وقال: «أعرف 
الكهف, بقي عليك أن تعرّفني الله والشيطان». ومضّيا 
إلى رأسش الجبلء كان الكهف تجويفًا في قعر صخرة 
ضخمة, قد بسقث حولها الأشجار من كل ناحية, وقَضصَيا 
ثلاث ليالٍ فيه.2 يقران2» ويشربان. ويضحكان. وقال 
لأبيه في ادلهمامح الليلة الثالغة: «غارت التجوم, 
وانطفاَت الشرارة». «نحن مَنْ 56 الثار». «نحن في 
سجن ». «كيف؟». «لا يفهمنا أحد». «أنا أفهمك». 
«قلث نحن؛ أنت سجين مثلي يا أبي». «لا تكرة أحدًا 
ولا تعشقٌ أحدًا؛ مَنْ يستحق ارتجاف هذه الفضغة في 


09 


الصدر غير المعرفة, غيز الكأسء, غيز الثوق». «نحنى لا 
نملك هذه المضغة حيتت ترتجف». «الضًعفاء ها 
يملكونها.2 نحن لسنا كذلك». «إثنا نموت». «نحث له 
نموت. نحن نجوة, قد نغير مواقعناء قد يكسرنا الضوع 
قد نلمّع هنا فيما نحن هناكء ولكتنا لا ننطفِئ بحال 
أبدَا». ورأى زهرة أضاءث في ليلتهما الأخيرة. وسأل 
أباه: «ما تكون هذه الزهرة؟». «إنها زهرة الخشخاش 
يا بُنى؛ زهرة الحكمة, أتعرف كل ما سكبه أهل المعرفة 
من علم على جِلود زقوقهم؛ إِنْما كانث لامتلاء نقيع 
هذه الزهرة في غُقولهم». وضحك: «ناخدها معنا إذَأ». 
«بل تأخحُذنا هي معها يا بنى. أحسن قولّك تَحكُم 
عِبارَتُك». 


212 «وطاوره الححات, نطقت: «إنه طتب». «لقد 
طيّته خضورك». وظلّث أقه صامتة. وركبا مقا إلى آخر 
نقطة تصل إليها الظريق الترابقة في الجبل. وقالث له 
بصوت مهزوز: «اإلى أين تأخذنا؟». «إلى الله أنا أحت 
الثه ألا تحتينه أنتِ؟». ونؤلا من الشيارة وجذّتها من 
يدها. وشعرّ بارنتجافة يدها في يده كأتها عصفوز رجف 
من الماء البارد في الليلة القارسة. ووصلا إلى الققة, 
وتراءدى لها الأفق.ء وشهقث.2. وهي ترى من هناك 
الشماوات البعيدة. وهتف: «هنا اللّه». ونظر حوله 


00 


وتابع: «كل متصوفة البشر ناموا تحت تلك الشجرة», 
وأشار إلى شجرة سنديان عتيقة تطاول عليها الغمر 
حثى لم يعد للثاريخ إلى جانبها ذكر. وتقدتمها إلى 
حيثُ الشجرة, وأتاح لها ذلك أن ثعاين تُخوله الشديد, 
إلى درجة أنه حل إليها أن كائنًا عظميًا هو الذي 
يتحرّك أمامقهاء وجلسث إلى جانبه. وهتف: «هنا... من 
تحت هذه التشّجرة. على هذه الهيتة مز الحلاج, 
والشهرودي. وابن الشاطر. ويشر الحافي.2 وماركس., 
وابن الفارضء. والتلمسانى, ويعقوب الباقء والمسيح, 
وحسن الضتاح, وأبو ذز. وابن مسعود, وابن الخباب, 
وابن ثمانين...». وأوقفثه من سيل الأسماء الذي بدا أنّه 
لن ينتهي على شفتيه. وقالث: «مَنْ هؤلاء؟ أنا لا 
أعرفهم...». ورت حزيئا: «بالظبع! أنتٍ لا تعرفين إلا مَنْ 
تقرئين عنهم في كتنب الظت المتتة...». واستدرك: 


«ولكته لم يفثكِ شية... لو تركتٍ هراء الجامعة لأهل 


الخفق2 ونِمتِ معي هنا أربعين ليلةً2. فستعرفينهم 
جميقًاء. وسترين أرواحهم». وشعرث بالخوف, وهتفث: 
«لقد تأخرت». وابتسم: «أنتٍِ لا تعرفين إلا هذه 
الجملة... قولي أيّ شيءٍ آخر... أ شيجي». 

وعادا إلى البيت. وانتحث بها أمقه جانبا, 
وهمسث في أذتيها: «أين ذهنثما؟ أنا أحدّرك». ورجف 


7/1 


صوثها هى الأخرى: «مة تحذريننى يا خالة؟». «من 


أبنى... إنه مجنون...». «مجنون؟!!». «ابوه كان كذلكء؛ 


إنها قضة طويلة». 


وسألها وهما يعودان إلى المدينة: «هل لمستٍ 
الفارق؟». فسألثه بدروها: «ماذا تعني؟». «بين الفضاء 
الواسع والجحور الضيّقة». واستزادثه, فأردف وكان قد 
غاصث ستارته في الشوارع: «انظري إلى هذه الهياكل 
الجوفاء. إلى هذه المركبات التي يتقاذفها الشارعء. إلى 
هذه الأصوات الباردة... ستعرفين». 


وأخذثه أمه إلى الشيخ الذي عَلَّمه القرآن, 
وانحنى ابِنْ عتّاس.ى وقتل يد شيخه. وابتدره الشيخ بعد 
ذلك فاحتصّته. وقالث أقه للشيخ: «إثه مفسوش يا 
مولانا». ورت الابين: «بل هى القفسوسة يا ستدىي, إنها 
لم تشعز بي يومَا». وتغاضى الشيخ عَما قاله أبِنْ 
عتاس. وهتف بأقه أن تتركه له. كانث رائحة الخمر 
تفوخ من فمه. وهبطا الدرجات إلى المكان الذي كان 
يحفظ فيه القران. وجلسا إلى المحراب الضغير. وشعر 
الشيخ برغبة في البكاء. وهو يرى عيتي تلميذه 
الشاجيتين2 كان يبدو أنه ينظر في الفراغ ولا يرى 


شيئًا. وهتف بحنة: «ما الذى أصابك يا ثُنئن؟». «رحيل 


72 


أن أدرك أنه رحلء أكلمه في الليل. صوثئه. هل تدرك 
معنى أن تسمعة صوت أبيك دون أن تراه. لكته 
يُخاطبني بصوتٍ صاف كأته هناء أقسم لك بالآيات التي 
حفظثها أثني أسمعه., وأحادته. ويطلث متي أشياء, 
أشياء كثيرة, ويُحاورني كما لو أنه ما زال هناء هنا في 
مكانٍ ماء ليس في أذني فقط؛ بل في كل ذرّةٍ فِيء في 
هذا الفراغ. في هذا الوجود., أنا أعرف صوت أبيء لا 
يُمكن أن أخطنه, إذا كان غير موجويء فلماذا يُجيب عن 
أسئلتي كلهاء. ويُحاورني في تلك الأمور التي لم ننه 
من الجوار فيها؟! هل أنا أهذي؟! كلاً سيّدي الشيخ., 
الضوت الحقيقى لا يصدر إلا عن جسدٍ حقيقى, هذا 
الضوث أثبث عندي من صوتي أنا!!». وسخث دموع 
الشيخ دون أنْ يدري ماذا يقول. ووضع يده على صدر 
الفتى, وتلا عليه: «ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد». 


وراها مقبلة فى الكلقّة. فشعر أنه وجد نفسه, 


«ما علينا لو قرأنا تحت تلك الشجرة شيئًا بعيدًا عن 


هذه القاعة التى لا تكف عن القذف بالموتى أو 


ابتلاعهم». وسارا إلى الشجرة, وقال: «الشجرة نَنث 


الحكمة, وقوفْها شامخةً هازئةً بكلّ ما حولها علمنا أنه 
لا شَىءَ يستحق, نحن لا نستحمق هذأ الكون نح 


تى 


يستحق, الظ”ت لا يستحق, وحجارة الفقم التى 


03 


تند حرخ في هذه الكلتة لا تستحق». «وما الذي 
يضج هذا العالم الفسيح الذي ينزوي في زاوية صغيرة 
من صدري ؟». وأخدّ يدهاء وهم أن يُقتَلها وهو يرى 
أصابّعها الزفيعة الفنمتمة, ولكته عدَلَ بها عن شفتيه 
الشاحبتين إلى صدره. وأحشث بنبضات قلبه الشريعة, 
وانتقل إليها صوت قادح من جْتٍ عميقة, ونظرث في 
عيتيه الشاجيتين. وغاصث فيهماء وأدركث أنها توتطث 
كثيرًا. وانزلقث معه في الدروب المُظلمة إلى آخرها!! 


وقال لها: «قملوا أبى». واستفغربيت: «مَنْ 
قكلّه»؟!. «جهل الثاس,. إنكارهم لحقه فى الكياة, 


وتصاغرهم عن أن يعرفوه. ولو ظلّ التقاس يتعاملون 


معى بهذه الظريقة فسيقتلوننى أنا أيضًا»ه. وسكت, فلم 


تجذ شيئًا لنقوله له, وتابع: «وهل ستقتليننى متلهم ؟». 
وفاجأها الشؤال. وأرادث أن تضحكء وتسأل: «أنا؟ 
لماذا؟». لكتها بدلا من ذلك هقث أَنْ تنحتضنه كطفل 
زاوية عينها السرى. ومسكتها باطراف أصايعها وهم 
هو بدوره أن يمضص تلك الأصابيع الّتى مسحث بها 
دموعها,. ولكته أوقَفَ نفسشه, وسألها: «ماذأ تعرفين عن 
ويلياه جيمس؟». 


/,4 


070( 
الضلاة خير من التوم 

في التنة القالتة لدراسة الظتء صعد إلى الجبل, 
سار بخظ مستقيم إلى الكهف, الكهف الذي مرّث على 
لياليه الثقلاث مع أبيه خمش سنواتٍ عجافء, احتاج إلى 
أن يقضى فيه ثلات ليالٍ كليالي أبيه من أجل أنْ 
ثضية له زهرة الخشخاش في الليلة القالغة فتملاً كهفه 
الفظلم بالتور. قامَ إليها كقدذيس.2 ومشى بخطوات 
جذلىء, لكن ببطهءٍ وحذر, كحبيب يخاف أن يفقد حبيبه: 
ومدت يده الفرتعشة, وعاد بها إلى البيت2. وضعها في 
فازة رُجاجتة, وقتَلَ أوراقهاء وشقاها بالماء. لم ينم 
ليلكه تلك من الفرح. ظل ينظر إلى ثورها في الظلام 
حقتى سقظ الليل. قام في الفجر إلى قبر أبيه. وحفر لها 
حفرة تليق بمقامهاء. وزرَّرَعها هناك, وقف على رأسها, 
وخاطبها: «سيفرح ابي بجوارك كتثيرًا». وظل يسقيها 
حقى حل الليل من جديد. سمع صوت أبيه: «لم تنش 
إِذَا؟». فرت: «خمشى سنين يا أبي لن ثنسينيء ألسنا 
نتوقٌ إلى الحكمة مقًا؟! ولئن فاتنا في حياتك أن نفعل 
ذلك, فها أنا أفعلها في حياتِك الأخرى». وأعطاها 
ظهره. وولى إلى غرفته. وتمتد على سريره., لكته لم 

يغمض له جِفن! 


15 


نمتٍ الزهرة بشكل سريع عضيف أكدر مر 
عشرين برعمًا في أقل من أسبوع, أخذ البراعم وزرعها 
حول القبر بشكل دائريئ. وظل يزرع المزيد منها حثى 
غظث زهرة الخشخاش ساحة البيت, واقتحمث العتبة, 
والترجات الشبع التي ثفضي إلى المدخل الرزئيسى, 
حدت ذلك في أقلَ من شَهر. وفزعث أمه من هذه 
التبتة الغريبة التي ظهرث فجأة. وسألثه عنهاء فقال لها: 
«إنها نبتة الحكمة. انظري إليها كم هي جميلة؛ سيقانها 
الخضراء التاكنة, وزهرتها البنفسجتة اليانعة». ولكتها 
توجسث منها: «إنها تنتشر بسرعة». «إنها لعزيزة على 
مَنْ عرف». وكان يشقٌ ساقهاء ويشربث الشائل الذي ينز 
منها بتلدّذٍ طاغ. 


ولم يُشَفَ ما في صدر أقه مِما رأث,. وظلّث منها على 
خوف وحذر. حتثتى قطفث زهرة منها وذهبث بها إلى 
مخدذر». وعادت لاخ شولولة إلى ابنها: «تزرع المنكرات 
إليه. فقد نسي لوهلةٍ أن (صالح) هو اسفه أيضًاء 
وهتف: «وممن قال لك ذلك؟». فرتت: «عجورزر في 
القرية». فضحك حتى بانث أسنانه على غير انتظاجٍ 
من خلف تغره: «وهل تصتقين امرأة خرفة؟ قلت لكِ 


66 


إنها تهث الحكمة, ولكن الحكمة - فيما يبدو - بعيدة عن 
عالمكن المُتخلف أتتها التساء الهقرمات». ولانث عباراثها 
وهي تستعطفه: «أن أله د يقبل متا اله "اظيا يا بُنَي ». 
«انكَ تحكمين بجهل يا أمي, أنا أعرف النه خيدًا منك ». 
«إت أباك قد مات وأنا من حاله في حسرة, فلا تزذ 
حسرتي وأنت تمشي في طريقه». «إن أبي كان من 
أهل اللّه. ولكن التاس أرادثه من أهل الشيطان». وهة 
أن يقول لها ما قاله الحجاج في احتضاره: «إنّ هؤلاء 
يزعمون أَنْكَ لن تغفر لى », ولكته ابتلع العبارة وصمفَت, 
وتركثه ودموعها تسخ على خَذيها2. وكانث تدركُ من 


حجديد أنها تفقده. 


ولم تطمئنت أمه إلى ذلكء. فاستشارت العجوز 
إتَاها في محاربة الزهرة الوقحة التي اقتحمت البيت, 
فقالث لها: «ضتي عليها من بول الثوق. وروت اليغال, 
الما لت آههة ل شه العتى) فكانت 
تخرخ من الضباح. تكنس الزوت والتعر من طرقات 
القرية2. وتسأل الزعيان أن يأتوها ببول الثوق. وكانث 
تدفع لهم من أجل ذلك أموالاً كثيرة,. وبعد شَهرٍ آخَر 
تغوؤلت الزهرة حثتى تعربشث على جدران البيت, 
وتسلّقث على أسقفه. وتلوث على صنابير الهياه. 
وسيطر الذّعر على عينىي أمه وهي ترى ذلك, وصرخث: 


17 


يا ربت رورحمتك». فرث: « كفي عن إضاعة مالك وقَةٍ تك 
في الجري وراء الأوهام, ودعي زهرة الحكمة وشاتها». 

ووفرث له زهرة الخشخاش في شتاء الجبل 
الفهلك ليالي من الأنس لا تنشى. وكان يجرح ساقها 


عند أبيه2. فيسيل حليثها على ظهر القبر.ء فيشعر أنّ 
عظام أبيه قد تحرزّكث من تحته. وأنت ذزّات القراب 


القيى تجثم فوقها حجارة القبر قد تنقلث, فيهتف: 
«اشرث يا أبى فى الآخرة كما كنت تشرث فى الدّنيا». 
فيعودُ إلى الداخل راضيًا جَذلا. ويجلش على الأريكة 
في المكتبة, يكرغ كاسًا بعد اخرىء, ويترنم بقول القائل: 
وكايى ترى بين الإناءِ وبيتها 

قَذَى العين قد نازعث أمَ أبان 

وختل إليه أنّ (أم أبان) قد خرجث من بين 
أوراق الكتب, بيضاء. مُهفهفة. عارية. ترقص بغنج. يهنز 
كلل شىءٍ فى جسدها التضء ويعوى فيه ألف ذئب, 


8 


وهي ترتد البيتين و تزيذ عليهما بقولها: 
فما طَْنْ ذا الواشى بأبيضّ ماجد 


وبيضاءَ خؤدٍ حين يلتقيان؟! 


ثم تهوي عليه فيقع قيها وتقع فيه ويذوبان... 


ويذوبان! 


وضقهما مختبر التشريح من جديدء وكان يُعهل 
فى الأجساد مبضعه باحتراف. ويقول للجفث: «أنا 
أحسئ صديق لكم., إنه لن يعرف ما كنتم عليه ويغفر 
لكم سواي2, وهؤلاء...» وينظر في وجوه زميلاته 
وزملائه: «لا يرون ما أرى». وكان يُغظىي عظامهم 
باللحم في خياله, وَيُنشِئ لهم عيونا تلمع في داخل 
القجاويف الفارغة, ويملاً الجماجم بتلافيف التماغ, 
ويرجل الشعور التاعمة على الزؤوسء ويلبسهم لباشهم 
الذي كان يُخيل إليه أن الخجفث عاشث حياتها ترتديه, 
فألبس بعحّها فساتين. وأخرى عمائم, وتالثة ربطات 
عنق, وأنمى لبعض الدّقون لحَىء وحلق أخرىء وأكنرّ 
صدورّاء وأضمر أخرى... وكان يُخيّل له أن الجفث تعوذ 
حية, وأنها تقومُ من رقدتها وتجلس على حواف 


المناضد. وتركن أيديها على تلك الشطوح, ترتاح من 


تعب الموت, ثم هن تقفز من تلك المناضد على شوقهاء 


09 


وإذا هي حيّة كما كان أل عهدها بالحياة, لكتها ازدادث 
حكمة بعد أن ولحجث عالم الموت وعادث منه ثُمَ هو 
يُحادتهاء ويُمازحها. وينصحهاء ويلقي كفي زوعها 
فلسفاته. وظلّ على ذلك إلى أن ضَعق ذات مرّة أمام 
إحدى الجقث.2. وصاح صيحة ارتّث لها جتبات 
المفختبىء وسقط مفتيًا عليه. وانخلعث قلوب زصلاته 
لتلك الضيحة. وشهرعوا إليه. وحملوه إلى المستشفى, 
وحين أفاق لم يرَ غير وجه (هيام), وكانث عيناه لا 
تزالان ترشحان بالزعب. وأطرافه ترتجف2 وهتاث 


ابتسامثها الحانية من رجفانه2. ومن تعب رُوحه 


وسألثه: «ما الذي أصابك؟». وظل صاوتًاء وأردفث: 
«لم تكن أول مزة تقف فيها أمام جثة, إنك أخبز من 
أستاذ التشريح في التعامل مع تلك الجفث؛ فما الذي 
حدت؟». وابفلع ريقه بصعوبة. وهو يقول لها: «إنها 
لم يسمغ ما قالّه سواها. وسألث: «خقة أبيك؟!». لقد 
قلث لهم في ذلك اليوم: «إن أبي لم يمث, وإتهم قتلوه, 


واخذهوا خقن أأات 3 ربح وها هي بعد اربع سثو أت ممى 


ذلك اليوح تظهر هناء ومَنْ يدري كم مختيرًا عرض فيه 
هؤلاء الملاعين جقنه عارية قبل أن يأتوا به إلى 
مختبرنا؟!». ولم نشك فى أنْ وعيه لم يعذ إليه بعث, 


فتناولث كأسًاء ورشقث بالماء البارد وجهه2. وسرت 


00 


البرودة في خقاه فهدأ. وأحش بتلك البرودة المنعشة, 
وهتفث: «إن قبرَ أبيك في تلك الشاحة قريبًا من 
شجرة الزيتون المفعقرة!». «لا. لقد أوهموني بذلك, لم 
يدفنوا في القبر إلا الكفن!». وطلبث من الظبيب 
المشرف عليه أن يُعطيه خقنة مُهدّئة, ونام على إثر 
ذلك, ناح لأقل مزّة. 


وتسلل من المستشفى في الليل إلى الجامعة, 
ودخل إليها من أحد الأبواب الخلفيّة2. وكسرّ زجاج 
التافذة. وقفز إلى المختبر. وهرِغع إلى جقة أبيه, 
واحتضتها بكل ما في الكون من شوقء. وبكى على 
صدره بكاءً مريدرّالء ونحبء, وكات صوث نشَقاته يفضحه. 
وقال له: «تركوك عاريًا في البرد يا حبيبي». وأعاده 
إلى سريره. وقال له: «لا تخف, ستكون في أمان», 
كانت الجقث الأخرى في المختبر تبكي هي الأخرى, 
وسمع إحداها تقول: «لو أت لى أينَا حانيًا متلك؟!». 
وضحكث جقة في الزاوية البعيدة: «أنا ملعونة». 
وكانت تلك العبارة كلمة الشن. وخُيّل إليه أنَّ الجفث 
كلها قد جلسث على مناضدهاء واتكاث على باطن 
أيديهاء وأرخث جماجمها على عظام ضدورهاء وراحث 
ترتد: «أنا ملعونة... أنا ملعونة.. .». وتحؤلت العبارة 
إلى نشيدٍ جماعى ارتجث له الجدران والأبهاء2. وراح 


81 


يرقض هو على إيقاعهاء. وصرخ في وسط التشيد: 
«اخرشن أتتها الموميات القذرة, اخرشن؛ أبي يحتاج 
إلى بعض الهدوء». وامتثلت الخثقت له وسكتث, 
واضطجعث على ظهورهاء وانسحبث إلى مناضدهاء 


وسكنث تمامًا. وظل هو إلى جانب جِثّة أبيه حثتى غمد 


نور الشّمس فضاء القاعة العالي. وتوافد الظلآب إلى 
المختبر. ورأوه في هيثته الرّثّة, فلم يُلقُوا له بالا 
وارتاح هو إلى ذلك,2, وجاءث إليه: «تركت 
الفستشفَى؟». «بعد أن غادزتني مباشرة». «أنت 
محتاخ إلى الزّاحة». «أبي ناداني». وأخذته من يده 
كطفل تائه. وانتحث به في زاوية بعيدة,2 وتلفكث 
حولها قبل أَنْ تهمنى في أذنّبه: «إنه ليس أباك». ولكته 
ظلّ يفحص الأرضّ بنظراته الزائغة,. وهزرّته من كتفيه: 
«ليسّ أباك». ورفة رأسه إليها. ونصت كتقّيه, ونظرَ 
إليها من خلال حدقتين بلهاوين: «بل أبيء أنتٍ لا 
تعرفين شيئًا». وتركهاء وترك المختبيرء ورأى أستاذ 
التشريح على الباب فهم بأن يبصقّ عليه. ويصرخ في 
وجهه: «قاتل». لكثه زوى جذعه. ومضى إلى القرية, 
وتمدد إلى جوار القبر. وهتف: «الليلة أعيدك إلى هنا يا 
وانتظر حثى غظت الجبال قرص الشمسء فاستقل 
ستارته, وتأكد من أن الكيس الأسود سيقسع للختة, 


02 


وأَنَ بعض القتالات والمفاتيح معه2 ووصل الى الباب 
الخلفى للجامعة وولجهاء وكفز من الششتاك أثِاه و مشى 
جذلان إلى منضدة اريهة وسمع أصوات الخثكتث 


سورحع” « خذنا معك». وبهدوء 0 حمل الخحتثة بين 


بطريقة أكقرّ تهذيبًا». وارتجت الجمجمة وهي تتأتَى 
على طرف الكيسى وشت الشخاب, ومضى إلى الباب, 
وبالعتلة استطاع أن يخلع القفل بسهولة. وعات إلى 
الخقة ورئّت عليها. وحملها كما لو كانت عروهًا 5 تحمل 
إلي مخدعها. وسار بها فى ظرقات الجامعة مطمثنًا, 
حثى خرجخ من حيتت دخل,ء وأودعها في الكرسى 
الخلفى للشتارة. وسمعها تقول: «برفق يا بنى,. برفق». 


وسار إلى البيت, كانت الظطرق إلى القرية ساكنة, 


مُظلِمة, موحشة, وبعيدة. وكان أكثر أهلها قد نامواء 
ومضى حتى وصل إلى البيتء. وتراءى له القبر على 
ضوء القمر الفضى2 وقد شَقث حجارثه السّكنيّة, 
وشاهدثه كانث أطول مِما كان يراهاء وأنزل الخقة إلى 
الأرضء وهم بأن يبدأ بنبش القبر لكي يُعيد أباه إليه, 
لكثه سمع الخفة في وسط لهاته و عَرَقِه الذي يتصتب 
منه: «في المكتبة يا بنن. روحي ترتاح هناك أكثر». 
وكات يصل إلى الكفن لولا أن هذا الهاتف أوقفه, فرمى 


053 


المعول. ومسح عرقه بظاهر يده. ورت: «خبًا وكرامة يا 
أبى». وحمل الجثّة من جديد, وارتقى الترجات الشتبع, 
وكانث زهرة الخشخاش تضيء هي الأخرى على تلك 
الذرحجات, وضحك, ه هو يقول: بعادت الحبيب». وساق3 
حقى وصل إلى الأريكة فى المكتبة, ومتد الخِثّة هناك 
إليه لوهلة أنه ليس هو.ء وأنئه حمل الخِثقّة الخطأء 
وأصابه الهلع للحظة. قبل أن يُمعن الثنظر فيها.2ء ويرى 
صف الأسنان يضحك له. وهتف وقد بردت هلقه: «إتها 
ضحكة أبي». وأتم نزع الكيس الأسود, ثُمَ عمد إلى 
بعض المحاليل التى أعذها لهذه اللحظة, وراح يسح 
بها الخقة بأكملهاء وتوقف عند موضع القلب. وهة أن 
يبكى: ولكن لِمَ؟ أن أياه حَنَء قلمَ يبكى ؟! وستنتعش 
روحه إذا سقاه, أو قرأ عليه ما كانا يقرآن, وأتة مسح 
الجثّة, ثم جلس إلى جانبها على الأرضء وارخى راسه 
على صدرهاء وحتت أباه: «إثنا بحاجة إلى الزاحة الآن, 
وفى الغدٍ مُقسع., ولد الكتير مقا أريث أن أقوله لك». 
وغفاء لكته استيقظ على صوت قادج من الكمقام, 
وعرق أثها أمه قد قامث تتنوضًاً لصلاة الجر وسمة 
صوت باب غرفته يُفتح, وصوثتها وهى تنادي: «صالح, 
قُم, فالفجر قد ناتى, الضصلاة خيز من التوم». 


04 


( 8 
هل الاعتراف بالحت ذنب؟ 


خخَلظط زيت التربنتين مع الكافور مع النبيذ, 
وأضاف إلى الخليط نترات الصوديوم.ء ونترات 
البوتاسيوم. وبزده في وعاء بلاستيكن كبير في 
الثلأجة. وكان يدهن جثة أبيه به. وبحت عن ثيابه: 
فوجد أن أمقه قد تبرّعث بها كلها. وصرخ بها: «كان 
أولى بثيابه من الآخرين». ولولث عندما رأتٍ الجخثة 
تتمدّد على أريكة المكتبة2, وكشفها صوثها المذعور: 
«هل سرقت هذه الخقة من الجامعة يا صالح؟». ونظرَ 
إليه مُستخفًا: «أنا لم أسرقهاء إنه أبي, وأنا أعدثه إلى 
بيته». ودارث بها الأرض, وكادث تسقط,. وأنقذتها 
شَهقَةٌ عميقة: «أبوك ماث يا صالح؟». «وهذاأا الذي 
درييه: الكدر أبي؟ تعالي». وقال الكلمة الأخيرة برجاء 
طفل بريء.ء. واقتربت من الجثة. وصرخث من جديد: 
«إنه ليس أباك». «كاذبة, إِنَكِ لا تعرفينه كما أعرفه. إنه 
هو.ء أنظري إلى ابتسامته. لو كنت تلحظين تلك 
الابيسامة في حياتكما لعرفتٍ أنه هو. ولكتكِ كنت لا 
تنظرين إليه طَوال عشرين عامًاء لم تكوني تنظرين إلا 
في الأواني الفارغة». وصكّث وجقها بيديها. وخرجث 
من الغرفة, وسمعثه: «أين تيابه؟ لماذا تبرّعتٍ بها؟ هل 


55 


سنتركه عاريًا؟». وخلة ثيابه. وراح يُلبسها له بهدوء. 
وتلسهع صو ثه: «برقق يا بَنَىّ ... در لي القميص حيذاء 
امسح على ياقته. وزش بعضّ الفظور. وحاول أن تجد 
لي كاسَا نظيفة». وفعل. وجلسش على الأرضٍ بقربه, 
وسيعقه يقول: «اقرأ يا ماركس». واستحضر ماركس 
أحت الكلمات إلى أبيه في حواراتهما الأخيرة: 
فُلؤ أنها نَفْشٌُ تَمُوت جَمِيْعَه 
وَلكنَهَا نَفْشى تساقظ أَنْفْسَا 
وَبْدَلَتْ فَرْحَا داميًا بَعْدَ صِحَةَ 
فيا لكِ من نُفغممى تَحَوَلنَ أنْوّسَا 
وظلَتٍِ الخثة عامينء يُطتبها كما لو كانا سيذهبان 
معًا إلى حفلء وكان يُحادته كانه ما زال هو هو, وسرق 
بعد ذلك بشهرّين2 جقة أخرى. وتكقمت الجفث في 


بيته. وظلّث أمه ثولول حقى فكرث أن تفرك البيت 
وتذهب لعنام عند أحدٍ من أقاربهاء لكته لم يكن لها أحذ 


في القرية. لم يكن لها أخّ, وأخواتها الشث مُثن, 


وآخرهن موئًا غادرت الحياة قبل ثمانى سنوات, وأبوها 


واقها قبل ذلك بكتيرء واضطوزّت للعيش مع الخقت, 
وصارث تأتيها الكوابيس كلما تذكرث في الليل أن هناك 
ما يقرببث من عشر جتنت فى البيت, بُجلسها ابثها 


66 


المجنون في المكتبة وبين رفوفوها وفوقٌ الكقوب, 
ويروح يُحادتها. ودبت فقيها الزعب. في ليالي الشتاء, 
وكان يُخْيّل إليها اختّلاظ أصواتٍِ الزعد وصوث هطول 
المطر الغزير مع أصواتهم. وكانت تنظر إلى قطرات 
الماء الذى يسيل فى خطوط متعرزجة على نافذة 
وأخرى على كلما لمع البرقٌ وجوههم الرّاشحة بالرزّعب, 
وعيو نهم المفنو حة وأفواههم وهي في : «أنقذينا». 


كانث سرقة جتقة أبيه عن طريق خلع يباب مختبر 
الكشريح, لحن الخثكشث الأخرى شرفت عن طريق وشوه 
الحارس الذى يملك المفتاح, كان يجمع له التقود من 
أاشه ومن بيع الزيتون في الشتاء. وكان يسرق على 
فتراتٍ متباعدة حتثى بُبعِدَ الشبهة. ولم تصل تحزّيات 
الموتيء مَن هذا المخبول الذى يجد فى سرقة الجفث 
المتفخمة, والعظاح البالية فتعةً؟! ولكت الشارق انكشف 
رغم حذره الشديد. وحيت داأهموا ببيته لم يجدوا غير 
عظامهم, وسقاهم, ثم أهال عليهم الكراب, وراحث 
زهور الخشخاش هذه تنمو على القبيور من جديي, قلم 


67 


الشاحة بديعة المنظر,. مستويةً حقى لا تكاذث ترى فيها 
عِوجًا ولا أَهْمًا! 


وقال لهم: «لم أسرقٌ أحدًا. الموتى عادوا إلى 
ديارهم التبي جاؤوا منها». ولم يشَكوأا في خبال عقله 
ولقا فقشوا البيت لم يجدوا غير جْثّة أبيه. فأعادوها 
إلى الجامعة. وبكى عليها بِكاءَ مريرًا حثى فقد الوعي. 
الجامعة لولا تدخل هيام؛ هيام العتى أحتثه ولم تُصدّقٌ 
أئه سرقّ هذا العدد الكبيرء وأسر فى أذنها: «سرقث 
ألاف الحشرات والحيوانات, ولم ينتبههو أ؛ هل الإنسشان 
عند هم أغلى من الحيوان؟!». 


وقالت له: «إنها خمشسش سنوات من العشق, 
مشيث في دروب لم يكن لأحدٍ أنْ يمشيها معك سِواي, 
وكنث أسأل نفسي في اليوم ألف مزرّة, لماذا تفعلين 
ذلك معه؟ هل سرق عقلك؟ ما الشيء الذي يُميزه حثى 
تقبلين بغريب متثله؟ ولكن الأسئلة في الحت تبدو لا 
معنى لهاء تبدو سطحية, تبدو بلا إجابات! هل يملك 
العلم تفسيرًا مُمكتًا لذلك؟ الحت يُفشر نفسشه بنفيه, 
لقد أحببثك؛ أحببئثك من كل قلبي. وهذا يكفي؛ هل 
الاعتراف بالحت ذنب؟ وإنّ الظريق إلى بيتتا 


058 


مفتوحة». وألقى رأسّه على صدره., وقال بعد لحظة 
صمت: «الظريق إلى بيتكم طويلة». ورتث: «إثها 
لقصيرةٌ على مَن أراد». 

وقال لأبيها: «أنا حافظ, ولي 2ه أناه 
أخرىء ولكتني أقدم نفسي بالاسم الذي تحب ابنتك أنْ 
تناطايني آنا بنيم, ولا يوجد أحذث أكبرَ من نفسه و إه 
من اسمه. وأريذ أن...». وتوقف عن أن يُكملء وأنقذه 
صوث أبيها: «رأنا لا أزة ج أبنتي لمجنون ». وهة أنْ بيقف 
على قدميه, ويصفعه:, لكن قدميه خانتاه, وظل صامنًاء 
يفحص الأرضّ بنظراتِ زائغة. وخرجٍ مع أمقه في ستارة 
اللأداء وعادا إلى القرية. 

وقالت له في أليوم الثالي: «جبانء. لم ثُقاتل من 
أجلى!». ورت: «المجانين لا يُحسنون القِتال. إنّهم 
يكتكعلون خبظ عشواء». وكزرت: «الطزقق إلى ييتنا ما 
تزال مفتوحة». 


وتخرّجا في كليّة الظت2. وتزقجث من زميل 
آخر, كان أبوه مقل أبيها فى العسكريّة. وقال الأب 
لأبيه: «التاس لا تفهم أن الزتب مراتب». وسافرا مقا 
إلى أمريكا ليُكملا اختصاصهما فى التشريح. وهاحَ هو 
فى الدذروب الفتشقبة المُظلمة المنخورة فى عقله, 


09 


وأدمن على الشكرء وقالث له أقه: «كبان, لم ثقاتل من 
أجلها!». 


وعمل في مُستشفى (البشير) عامًا في قسم 
الجراحة, قدمثه شهاداته. وعلاماته الى لم يحصل 
عليها أحدت فى كليّته منذ تأشسث. ثم انعقل إلى 
مستشفى المركز العربى للقلب, وبدأ من هناك رحلةً لم 
يجذ أمتة منها فى حياته. 


ع9 نحت القلب, بيش القفص الصدرى- حو له 
ويُخرجه من بين الضلوع, ويحمله بكلنا يديه ويُحدّق 
فيه تحديق العاشقء وثراودة نفشه فى أَنْ يقضمَ منه 
مضفة:, لكته يحشٌ.ى بعيون زصملاته من حو له 5 تحملة فيه 
فيتراجع., يُجري العملقة ويُعيده إلى مكانه. وهو لا يزال 
يحلم بقضمه كقضمة التفاحة الأولى, ويحوزك لسانه 
وهو يشعر بلذة. 


وفد إلى المركز مرضى من أنحاء العالم كله, كان 
يستمتع بالتظر إلى قلوبهم, ووصلث سمعثه إلى الذول 
خارج الأردت, لم يُجِرٍ عملية واحدة دون نجاح., كان 
يوشع الشريان الثاجىء, ويُغذي القلب, ويُعيده سليمًا 
إلى ضلوع صاحبه؛ وينعم بعده المريض بحياةٍ هانئة, 
كانوا يشعرون بنشاطٍ في الجسد., ويإقبال على الحياة, 


00 


وبرغبةٍ عارمة في العيشء بل إنتهم شعروا أن قلوبهم 
واستمز هو في لعبته: إخراج القلوب من الصدور 
وإعادتها إلى مكانها خلقًا آخَرَ أكمر نشاطًا وحتوتة. 
وبدث تأتيه الهدايا من كل مكانء, وتنقعت الهدايا في 
أشكالها وألوانها. حثى إِنّ بعضّ الرجال الذين كانوا 
مششرفين على الموت وعادوا للحياة من جديد, بسبب 
أصابعه الذهبقّة عرضوا عليه بناتهم للرّواج عندما 


عرفوا أنه لا يزال عَرَّبَا وكانوا يقولون: «خُذْ قلوبنا». 


وأعجبثه العبارة الأخيرة,. وبدأ مشوارًا آخر على 
هذا المستوى, وصَتقها بالمعنى الحرفى. فكان يضع 
نفسه مكان الخالق العارف بخلقه, والضانع الخبير بآلته, 
من المريض الذي يريد أن يُعالِجَ له قلبه: «عليه أنْ 
يأتي مع ابنته فقط». وكان يحول المرضى الذين لا 
بنات لهم إلى زملاء آاخرينء ولكن هؤلاء المرضى كانوا 
يُصزون على أن يُجري هو بنفسه العمليّات الجراحيّة 
لهم2. وكان هو يُصر على طلبه. حثتى جاده بعضهم 
بغتياتٍ جميلات اذَعوا أنَهن بناتهم. 


وكات لديه ميزان دقيقٌ في الحياة والموت: هذأ 
يعيشء, وهذا يموت. وقرّر بعد عاج آاخر اجرى فيه اكثر 


01 


حياة أفضل بالموت. قبناتهم لم يعذن جميلات بالقذر 


الكافىء. ونفقذ رغبقه القديمة, فكان يُخرج القلب, ويبدأ 


معه رحلنه. مضصى شينًا من الدم التاعب من القلب 
الأقلء وأعاده إلى ضلوعه. ثُمَ بدأ يشرب ذلك الدذم في 
القلوب الثالية, ثُمَ انتهى به الأمر إلى أن يقضم قضمةً 
أخرى بعت أن فزع من منظره أحدُ المساعدينء وهتده 
بن يشى به فأخذه من كنفه. وقال له: «سأًخلع قلبك 


متلما أخلع قلوبهم لو نطقت بحرف واحد». 


وترك قضم القلوب. وعاد إلى سيرته الأولى, 
ولكته في زيارات الكشف على المتعافين. كان يطلب 
من ذويه أن يخرجوا من الغرفة, ثُمَ كان يُعطي 
المريض خقنة في الوريد. ويكتب له على الخروج من 
المستشفى بعت يوح أو يومين, ومات المريض الأولء نه 
القاني, ثم الثالث, وكرّث حتات المسبحة؛ كان يُعطيهم 
مصللاً سامًاء بُميتهم ببطءى. بعضّهم مات بعد شهر, 
وبعضهم عاش سنةً أو اثنتين,» ولكته مات في التهاية, 
وكان يلد له سماع التبأء ويرقض في الليل. وهو يضغظ 
على طرف الإبرة القُميتة في الظلام الشاحب فتنزٌ من 
طرفها الدقيق مصل الحياة كما كان يُسقيه. 


02 


ولم يطل به الأمر كتيرًاء. فقد دارث حوله 


ال 5 أنه و 6 عي ]ات فية 1 , لاد ء وان ]ات حقية 


ببراءته. فلم يثبث عليه شىية. ولكنّ سمعته بدث 
تسوء. ولم يعذ أحد يبعث مرضاه إليه. وكان يشعر 
بالوّاحة لذلك, ويهتف: «جقلة,. إنها إرادتيء ولو أردث 
لجعلتهم يرجعون إلى الحياة بقلوب العاشقين. ولكن 
الموت الزحيم أفضل لهم». وقال له مدير المستشفى 
بأسَى : «كان بوذي أن أقول لك غير هذا الكلام, إِنْها 
أربع سنواتٍ من العمل مع أفضل أصطتائناء ولا أدري كيف 
أفشر الموقف أمام عبقرى متقلك؛ ولكتثنا بالفختصر لم 
نعذ بحاجة إليك». 


03 


)9( 
لماذا رحلت و تركتني ؟! 


ونام تلك الليلة التي طظرد فيها من الفستشفى 
على الأريكة في غرفة المكتبة نوما هائئًاء نام خمس 
ساعاتٍ متواصلة, لم يحطّ بالنوم لهذه الفترة الظويلة 
من قبل أبدّاء ... وعندما استيقظط أوقد سيجارة 
الحشيش وملا الكأس2. وراح يقرأ رواية (منزل 
الأموات), ومز التهار بطيئاء ولم يسمغ صونا لأقه. كان 
يتوقع أن توقظه على صلاة الفجر على عادتها... 
وانتظر حثقى انتصف, وناداها بصوت عالء لكتها لم 
تُجب, وصرخ: «أريذث فنجانًا من القهوة يا امرأة». 
ولكتها لم ثجب. وفكر أنها ذهبث إلى الشوق تشتري 
بعضّ الحاجيّات في غفلة منه. أو أنها تقف الآنَ أمام 
أحد الزعيان تطلث منه أن يأتيها ببول الإبل. وهم أنْ 
يقوم إلى غرفتها ليتأكّد بنفسه, ولكته وجد أن قواه لا 
تساعده. ففضل أن يظل ممدًا على الأريكة, ويُتابع 
قراءته, ثم جاع. وقرصه الجوع في معدته الحامضة 
قرصًا حادًا2. وصرخ: «يا امرأة أنا جائع, ألا يُمكن أنْ 
يجد الإنسان في هذا البيت لقمة يأكلها». ولكنّ الضمت 
ظلّ ساريًا. ووقًَ هذه المرّة على قدمَيه. ومشى 
بتثاقل إلى غرفتهاء ووقف على الباب ينظر. 


04 


وجدها واهنة. هرمث كثيرّاء لم ينتبه من قبل 
إلى أتها هرمث في غفلةٍ منه إلى هذا الحد. وأراد أنْ 
يقول: «إثك لا تصلحين للحياة؛ فالحياةٌ أقسى مما 
تظتنين», ثم مشى خطوة إليها. كانث مُسجاة على 
الشرير تنظر بعيتين ذابلكين. تختصران خزن الشنين 
التقيلات الماضيات. ووقة بصزها عليه فنشطث قليلاً, 
وتحّكث شفتاها وقالث شيئًا لكته لم يسمغ ما قالث, 
ورفعث يدا ضعيفة ثشير إليه لكي يقترب, واقترب 
منهاء. ووجد لنفسه مكانًا يجلش فيها على الشرير إلى 
جانبها. وهمس: «كنتٍِ صحيحة حتى الأمس يا امرأة, 
ما الذي أصابك؟». «لقد نهشني الخزنْ عليكماء كنث 
أموث 5 أجلكما وأنتما لا تدريان». وأشاح برأسه عنها, 
وهم أن يقول لها: «لم تفهميه,. مثلما لم تفهميني». 
وأردفت: «لم تُجب لى طلبًا واحدًا طوال حياتي». 
فرت: «لم أكن حاضرًا في حياتّك لكي أجيب لكِ طلبَا 
الآن!». وبكث في أعماقها بكاءَ جنائزيًاء. وصمتث طويلاً 
أريد إلا شيئًا واحِدًا منك قبل أن أموت, أنا أعرف أن 
الله في قليك, ولكن أريدذك أن تسمع له. لقد كنت صم 
آذانك عن نداءاته طوال هذا الوقت... كل ما أريذه 
منك يا بُنى أن تعوت إلى الله... لو كنث أملك أن أهبك 
روحي من أجل أن تعوت إليه ما تأخرت... يا بُنى ها أنا 


955 


أرحلء وأبوك من قبل رحلء كلنا غرباء أنا وأنت وأبوك, 
فالا تزذ غريتنا في الآخرة كما زدتها في الذنيا »” 
وسخث دموعها على خدودها الشاحبة, ثم جاهدث 
لتمدت يدها إلى يده. وشعرّ بالشكينة تسيل في عروقه, 
وجاهدث أكثر لترفع رأسها بما تستطيع. ولثمث يده, 
وتشقمثها. وضقثها إلى صدرهاء ورجثه: «لا أريد شيئًا 
أكثر من ذلك!». وعادث فألقث برأسها على الوسادة, 
وأغمضث عيتيها بهدوء. وأطلقث زفرةً حرّى أخيرة, 
وسكنث كما لو أنها أرادث بعد كلّ ذلك أن ترتاح من 


وقال لهم: «لم يكن لها في القرية غيز أخواتهاء, 
فادفنوها إلى جانبهنت». فر عليه الحارش: «المقبرة 
امتلأث, ليس هناك مكان, ولكن يُمكن دفثها في المقبرة 
القحتا». وتسلل في الليلء. ونيش القبر الشايع الذي عن 


العبيوع أاخواتها, واخرج عظامه. وحَملها في 02 أسود, 


ودَفنها في ساحة بينه. وهتف بالعظام: «سامحينيء لم 
يكن هناك مكانك, كان لسواكء والآن يُمكنكِ أن ترتاحي 
هنا». وقال لهم في صبيحة اليوم القالي: «القبر الشابع 
فارغ لو كنثم تملكون عيونا لثبصروا». 


كان يزور المقبرة الفوقا بعد موت أقه, ويسكر 
عند قبرهاء وينام فيها ليالى. ويسأل: «رحلثما 


06 


وتركتمانى وحيدًاء لقد كنتما أنانتّين!». 


وتذكرهاء تمشي في شوارع نيويورك. مَرِحة, 
تطلقٌ ضحكاتٍ هسهتيرية, تنام مع زوجها الغبي؛ زميلهم 
الذي كان يُعْمَى عليه كلما وفدث جُْثَةَ جديدة إلى 
مختبر التشريح. تصرخ من المتعة, وترتاح من اللدّة, 
ورآها تطبع أحمر شفاهها على صدره. متثلما كانث 
تطبعه على فنجان القهوة المرّة في أحد المقاهي 
العتيقة في المدينة. ولعن حياته. وحياتهاء والبهو الذي 
جمقعهما في ذلك اليومح البعيد. وسقظ في الفراغ, فلم 
يكف عن الشكر في المقبرة, ولا عن التوم تحت شاهدة 
القب. وكان يسم صوت أقه: «إن الله في قلبك, فلماذا 


قصز عله أل تراه؟!». 


ولم يجذ عملا بعد أن ظرِدَ من المستشفىء, وملا 
وقته بالقراءة,. لكن الكتب لم تشف ما به. وصعد الجبل, 
واعتك في الكهف, وأنفق ما لديه من أموال على 
الحشيش والخمرء. وعاشّ ليالي عاريًا في ذلك الكهف, 
وانتظر الليالي القلاث الأولى. فلم يرَ زهرة الخشخاش, 
وعبرثه عشرات الليالي يستجلث ضوءهاء لكتها تأبّث 
عليه. ونزل من الجبل إلى بيته. ورأه موحِشًاء يرشح 


بالموت في كل زاوية من زواياه. وفكر انْ يعود إلى 


. ختنب الكششريح 0 يد ته اك المس١‏ وفك 0 


057 


المختبر صار بعيدًا مثله. والجامعة صارث أبعد, 
والذكريات أبعد وأبعد وسمع في إحدى الليالي صوت 
هيام يأتيه من شوارع نيويورك: «إته ليس أباك». 
واستيقط يتفضد عرقاء وسار إلى مدخل البيت. وفتح 
الباب. فصفعثه ريخ قويّة. وبصق في الفضاء.ء وصرخ: 
له تقو لي ذلك يا فاجرة». وصفق الباب خلفه وعاد 
للتوم, ولكثه لم يستطغ أن يغفو لحظة. 


ووقف على قدمَيه من جديد. وسار إلى غرفة 
أه. كان سريرها لا يزال على هيئته مندٌ ماتث, متنيًا 
من طرفه. كأتها قد قامث للقة من أجل أن تزقظه 
لصلاة الفجر. وتستعدتهي للضلاة. وأحش أن روحها 
تملا المكان. وهتف: «هل أنتِ هنا؟». ولم يُجبه الا 
صوث الزيحفي الخارج. وشقر بحفيف يلف عنقه 
فتلقسهاء فلم يجد إلى عروقه التافرة. ونظرَ إلى 
الثافذة. فرأى رؤوسًا كثيرة تتسلّق على الرّجاج, 
مفغورة الأفواه, مفتوحة الأعين, وأسنانها تلمع على 
ضوء التجوم, كأئها رؤوس الشياطين. ومتّز من بينها 
الجقث التي كان يسرقهاء كانث تستغيث, وتصرخ, 
وتلعن. وصرحًّ هو بدوره: «ارحلن أتتها الرؤوس 
العفنة». ولكتها بدل أن ترحل, راحث ثقهقه, وتحفر 
بأظافرها وعظام أصابعها على الزّجاج, وتهتف بصوتٍ 


058 


جماعت: «أنت ملعون». فصرحًٌ بصوتٍ راعف: «بل أنتنّ 
الملعونات أتتها العظام الئتخرة». وخرجٍ من غرفة أمقه 
وأغلق الباب. ودخل المكتبة, فتخيّل ختة أبيه مُسجاة 
على الأريكة. واقترت منهاء وجثا على زكبتيه. ودفنَ 
رأسه في طرف الأريكة. وتوشل إليها: «لماذا رحلت 
وتركتني؟!». 


وأيقظثه الشمسء كان لا يزال دافْنًا رأسه هناك 
ووقف على قدقيه., ووهبثه الشمش بعضّ الظماأنينة, 
ونظر إلى رفوف المكتبة, فرأى أغلفة الكتب كلها قد 
تحوقلث إلى اللون الأسود., وأنَ العناوين التي على 
كعوبها قد أضشحث,. وسار بين الزفوق, وتناول كتابًا ماء 


مطبوء واحد. وقذف به إلى الأرضص,ء. وبصقّ عليه ثم 
تناول كتابًا تانِيًا وتالِتًا. إلى عشرة كتبء. كانت 
عليها وهو يخرج من البيت بايّسَا. 


وطاف في القرية يجمع بعر الشياه. وروت 
الخيولء وزار الزعيان2. واشترى منهم بول الإبلء. وعاد 
7 0 زهور || اس خاش, و هن: م6 1 «اكبرنئْ اتنها الزهرات 


:ات تفظر 1 الأرضّ كلها م5 أ > 5 ث:.ء أنا 


والبيت والشاحة والشارة وشجرة الزيتون وقبر أبي 


039 


تحتكن, نحن نريذ أن نعرك هذا العالم الكاذب». ونمت 
الزهرات, وتعملقث بالفعل, حقى صارت الؤزهرة الواحدة 
أعلى من شجرة الزيتون2 واستمز هو يأتي بالزوت 
والجعر وبالجتول ويسقي الحبيبات! 


ولم تكف رؤوس الشياطين عن الظهور من خلف 
زجاج التافذة في غرفة أقه, وكُنَ يصرخن بجملتهنٌ 
المعهودة: «أنثت ملعون». ورد ذات مزة هو بلوةح 
بقبضتي يديه: «أنا ملعون... بالظبع أنا ملعون... هل 
هذا يريحكن... أنا أعترف بأئني ملعون... والآن؛ هل 
هذا الاعتراف يريحكن... هتا اغرننَ عن وجهي». وشعر 
أنه يزداد انكساراء وخطرث بباله الملاءات البيضاء على 
أسرّة مستشفى القلب, وود لو أنه يرى بياضًا في حياته 
مئل بياض تلك الملاءات2 وتذكر الممرّضات بأروابهنٌ 
البيضاء. وصدورهنت التافرة2. وابتساماتهةت المّثقة, 
وشعر في يُبوسه القاتل أنه بحاجة إلى تلك الظراوة. 
ونهض ذات يوج ولبس أفضل ما لديّه. ورجل شّعره 
الظويل. ورش بعضً العطور. ودار حول نفيه 
يستعرشض جسده. وهتف: «يوخ جميلء لا بد أن 
المرضى ينتظرونني في المستشفى». لكنّ نور عيتيه 
انطفاً في لحظة عندما تذكر أنه فصل من المستشفى 
قبل أكثرّ من عام. وأرات أنْ يبكي لكنّ عيتيه لم 


100 


اله 
 »>‏ >»بي بي ه 


وأسدل ستائر البيت, وأراد للشمس أن تغيب إلى 
الأبد. وقطع أسسلاك الكهرباء عن البيت, ولزمّ غرفته 
شهرًا كاملا لا يخرخ منهاء وكادت يموث من الجوع 
والعطش ورائحة البول والعظن, ولكن راعبًا مز بالبيت, 
راعِيًا مجهولاةً من أولئك الرّعاة الذين يغلثِ غناؤهم 
أصوات أقدامهم, ونظر من نوافذه.2 فرأى الشتائر 
تحجب عنه ما في داخله. وطرقّ على الرجاجء فلم 
يسمع صوثاء. ودار حول البيت.2 فلم يرَ غير زهور 


جذوعها على موطئ قدج له.2. ووصل إلى المدخل 
الرئيسى وطرقَ الباب أكثر من عشر مزات. ولقا 
استيقط أبو نواس في الظرقة العاشرة كان الزاعي قد 
رحل. وتحامل على نفسه. كان جسدة كومة من عِظاجِ 
بارزة يُغظيها جلد رقيق. ودخل الكقام. وفتح صنبور 
الماء. ووقف تحت الدذش,. وتذرذرت قطرات الماع 
وانسكبث على جسده. فانتعش, وشعر أنه يعودُ إلى 
الحياة من جديد. وعت من الماءء وشرب كأنّ كل 
عطش الأحياء في جوفه.2. وظل تحث الماء حثى 
بشبسشّث مسامات جلده. وطريث روخه., وخرج إلى 
الشاحة عاريّاء وفتح الباب. فكادت عيناه تعميان لنور 


101 


الشمسى, واثقاها بوضع كفه أمام عيتيه, وبدآث عيناه 
تعتادان الضّياء. ورأى الشاحة على حالها تضحخ بزهرة 
الجهة فلم يره. ودار بعيتيه إلى الموضع الذي يركنْ فيه 
سئارته. فرأى سقفها يختفى خلفًٌ الزهرة العملاقة. ولم 
ير اكثرّ وضوحًا من ققة شجرة الزيتون الهرمة. واحش 
أن الحياة خارجٍ البيت غير الحياة داخله. وسار إلى 


أاضا اه || 5 نة فال د بتلدّذ, ثم + 3 : ب يقان 


زهره الكخشخاش, وحجرحهال وشرب من سائلها البهيج. 


وأخدّ نَفَسَا عميقاء وهنف: «هل أرحل؟! 


102 


)10( 


وعدلّ إلى القود. فأنزله من عليائه, ونفخَ فيه 
لينفخض الغبار عنه و مشى بين لكي ل الأريكة 0-6 
زكبته. وانتزع الزيشة من مكانهاء وهم أن يعزف لحتا 
من ألحان الشيخ إمام الح كان يُحتها أبوه, ولكته ما 
إن بدأ حقى انقطع أحث الأوتار الخمسة, وأ أنيئًا 
خافتنًا قبل أن يهمد. وشعر أن شريانًا فى قلبه قد 
انقطع., وحاول أن يعزف باربعة أوتار.ء ولكن العود 
عانده. وسمعه ينشج: «لست مغثله2 فدغنى فى 
وحدتى»., ولم يستطة أن يُكمل. فأعات الرّيشة إلى 
مكانها. وقاحة فعلق العود على بطنه على الحائط قريبًا 
من رفو ف الشعن و مس عق ظهره, و هتف : «« حزيى 


وعات إلى الأريكة, فتناول من تحتها الرزقوق التي 
كان أبوه يُخربش فيهاء ويحرض عليها صانِعًا لها غلافًا 
من الجلد.ء فوجت فيها مقولاتٍ مغتنائرة. وأشعارًا 
متفزقة, وبعضّ الكلام غير المفهوم. وأجزاءَ من 
رسومات غامضة. واختلظ عليه الأمر إئغ كانث تلك 
الكلماث قد حَظها أبوه أو قد خَطَها هو, ولم يتين على 
وجه الدّقة إن كانت تلك الرّسومات الغريبة قد رسمها 


103 


بريشنه أو أن أباه هد فَعَلها وتساءل يستجلت رصن 
الأنس مع والده: «هل كان أبى رَشَامًا؟!». كانت الرقوق 
تضم إحدى عشرة رسمة,. وتساءل: «لماذا هذأ الزّقم ؟». 
كانت إحدى تلك الرّسوه تظهر جسدًا لا يبدو إن كان 
جسد رجل أو امرأة, له رأسان حليقان, 00-00 الراشين 
ممطفاًتان,. والرأس الآخر لامرأة قد لقث قطعة قماش 
سوداء على فمهاء وهىي بعيتنين فارغتين مظلمتين, 
ظهرهاء. بينما كانت بد الّأس الذكرتّة قد امتدتث إلى 
البطن المُشتركة بينهما فدخلث عبر شَقّ إلى موطن 
الكبد. وهى تحاول أن تستخرجه, وكان الجسد العارى 
ملينًا بالتدويات, والجروح في افكان وطن أنه هو 
الذي رشقهاء ولولا أنّ اليد كانث تستخرج الكبد لا القلب 
لعأكد أنه هو الذى قام بذلك, وهمس: إن فيها خيال 
جزاح! 

- احداط د في رَكَ حديدك: «الأيَاه 2 تنشابه أكاث أ 
أرى». ورسَم وجهًا بخطوط مائعة, وعيتين مشقو قتين, 
كأئما مرّث شفرةٌ حاتة من أعلاهما إلى أسفلهماء ته 
رسم حبلاً غليظًا يلتف على رأسى مقطوعة, وشعرّ 
ببعضٍ الضيقء. ثم رسم في الرَّق الآخر رأسًا مقطوعة 


104 


تظهر من تحتها قطع اللحم., وتنز منها قطراث دج 
قاتمة2. وضيّق الحبل على العنق. وشعر ببعض الزاحة, 
ثم قام إلى اللآجة, وقد نهشه الجوع, ففتحها فوجدها 
خالية2. وخيل إليه أن عددًا من الفئران والصراصير 
تركض فيهاء وعادت إلى الزقوق,2 وكتب: «لا ريلى ع 
يستحخقٌ ». وأرادت أَنْ يُكعمل العبارة فخانته. فنرك الزقوق, 
ومضى إلى الشاحة, وفقش عن قبر أبيه. فوجده في 
ناحيته وقد غظثه زهور الخشخاش بكامله, فأزاحها 
عنه. ودهشها بأقدامه. ثم قرفص عند القسن وتمتى أن 
يجت كأسًا له وأخرى لأبيه. ولكت الكأس كانث عزيزة, 
فاكتقّى بجرح بعض سيقان الخشخاشء وأسالها على 
القبى وراح يهذي: «اشرب فإئا قَذ عطضشناء كل عظشانَ 
مِنَ الأؤهاح ناهل... اشرّبٍ فإن الأرض كافرة وإِن الغمرّ 
زائل... اشرب فإنا ماضيان إلى التهاية مثلما كانث 
بدايئنا بلا معنى, ولا وجي. ولا لونء ولا نورٍ يُضىء لنا 
الدروب الثاكلات ولا تواكل... اشرب فإئي متلما الأيَام 
قد خذلثئك مخذول وخاذل... ولسوف تخلو الدّارُ مني 
مثلما يومًا خلث منك المنازل...». وصحاء وتلقفت حوله 
فوجت الفناء على حاله. وانتبه إلى أنه ليس هناء 
وهمس: «هل أنت هنا؟ ألم يسرقوا خقتك؟!». ودخل 


إلى الدار. وارتمى على الأريكة فى المكتبة, وراح 


يستجلث فراشات التوم. 


105 


وقفضى شهو دأ طويلة في ببنك يستجدىي الوّعاة 
العابرين لقمة ولو يابسة وقال له راع ذات صزة: 


«أيجوغ طبيب؟». وقال له آخّر: «هل أن فقيرٌ إلى 


هذا الحت؟!». وقال له ثالت: «رّجم الله أباك لقد كان 


يُطعِمُ حقى الفئران. واليوة لا تجذ اللقمة؟!». وقال له 
رابع: «رجم الله أمك, لقد كانث دعواتها تُشبَه أهل 
القرية كلّهم, أفلا دعث لك قبلَ أن تموت؟!». وقبلَ أن 
يهنتف به لك عابن خامسء. قال له: «وفز نصائحك 
لنفسك, كل ما أريده نصفً رغيف يابس ولو بالث عليه 
أغنامك». 


وسرث فى القرية همهماث التساء: «أنه مَلْعُون, 
كان عاقا لأقه, لو بَرّها فى حياته لكاتث حاله أفضل 


اليوح» تم تتساء لت بمرارة: «هل يجوءة طبيب؟». 


ومرّث به راعية ذات مساء. وكانث عيناها كحلاوين, 
ووجهها أبيضص شابتثه خمرة الورد. وسرى فيه ماء 
الشباب2, تلف رأشها بمنديلٍ قرمزي يشبه لون خمرة 
أبيه, وكات أذناها بيززان من تحت المنديلء. وقد تدلى 
الزاعية راسها فئحشش انه يتارجح معهماء وهتف بها: 
«بعضّ الخبز أتتها الجميلة. بعضّ الخبز يا ذات المنديل 
القرمزيه ولو كان من ذلك الذى تطعمينه لخرافك؟». 


106 


وقالث له: «أعرفك». فقال لها: «نعم؛ مجنون, مَن لا 
يعرف المقجنون؟». وقهقة بصوت عالء ثم سكت فجأة. 
وردث: «عبقرئ, كنث صفغيرة يود قالوا إنثك حصلت 
على المركز الأقؤل على مستوى الدولة في القانويّة, كان 
هذا قبل أكثر من عشر سنوات, وكنث لا أزال في الضف 
الأقل أو القاني». فرت وهو يتفخصها: «وما فائدة هذا 
الكلام يا صغيرتيء هل في جرابك بع الخبز؟!». 
ورأى عيتيها الجميلتين ثغرغران2 وهتف: «إذا كنتٍ 
تريدين البدء في البكاء فامضي من هناء أنا جائع». 
وظلّث واقفة,. وأرادث أن تقول له كلامًا كثيرّاء ولكته 
انحبس في فمهاء وظلّث تتأقله. كأتها تتأقل مخلوقًا 
عجيباء وهتفث في التهاية: «قريثنا أحن على أبنائها 
من الكلبة على جرايها». ولم يدر ما تقصد بهذه 
العبارة؟ ولكته أعجبه تشبيه الكلبة, وأرات أن يقول لها: 
«يا كلبتىي الضغيرة. بعضص الحُبن أو الحليب». ولكتها 


كانث قد مضث! 


وبدأتٍ الأحلام تنهش يماغه. في أحدٍ أحلامه, 
ظهرث له رؤوس الشياطين التي كانث تظهر لأقه فوقّ 
زُجاج نافذتهاء كان يضحك في الحلم. ويقول: «كل 
هذه الزؤوس ليء لم يكن لأبي أو لأمي منها رأش 
واجدة». وقفرٌّ رأسه من فوق كتفّيه وانضْمَ إلى 


107 


ىو 


الزؤوس فرأى شيطانًا جديداء وقهقه. ونصحه أحذ 
خكماء القرية: «لا تكن كأبيك, أنت طبيثت ناجح, 
وعبقريء غذ إلى المدينة, ومارش مهنة الظتٍ كما كنت 
تمارشها من قبل واكسثٍ منها رزقك بدلا من أنْ 
تستجدي الرُعاة البائسين الخبز اليابس الذي لا تأكله 
حتى الذوات!!». وتخقله على سرير في مركز القلب, 
وقد فتح صدره. وأخرجٍ منه القلب, وقظع شرايينه: 
ورفعه عاليًا فوقٌ فمه. وتأقله بعيتين شَبقتين قبل أنْ 
يسمح لقطرات الدم أن تسيل في فمه. ويشرت منها 
حقى صَفقّى كل قطرة فيه, ثم أدناه من فمه وراخ 
يمضغه بشهوة ولذة. لكته نفضّ رأسه. وسمع لأفكاره 
أن تتناثر وتسقط على الأرضء وأعطاه ظهره ومضى . 
وذات مزة رأى في الثوم نسرًا ضخمًا يحظ على 
نافذة المكتبة. كان له جناحان كبيرانت حِذّاء وكانث 
عيناه تُشبهان عيتي أبيه. فمشى إليه,. وفتح الثافذة, 
وسمعه يقول: «أنا أبوك, فاصعذ ظهري, ودغنا نرحل 
من هذا العالم الكاذب». وقفز فوقّ ظهره. وطارَّ به 
التسر بعيداء وحلق فيه إلى الشماء العالية جدّاء فرأى 
من هناك أن الأرضّ ذبابة تدور على غير هدىء وشاهد 
كواكت تض بعوالم أخرى. وخلقًا يتنائرون تناثر 
الجراد في الضحارى الفقفرة. وصحا من نومه مذعورًاء 


108 


كان الليل شديد الظلمة. وهْرِغ إلى قبر أبيه. ومن 
العتبة شاهت التسر إتّاه يطير من فوق شاهدة القبر, 
وخَفْقُ جناحيه يملأ أذئتيه. وحلق في الشماوات, وتبعقه 
بيصره على ضوء القمر الشاحب حثى غاب في أجمة 
الليل. 

وعات إلى الأريكة, كان قد تخل تماماء وشّخت 
وجهه حتثى لم يعذ له. ونتهثته معدته الفارغة طوال 
هذه الأتام إلى أنه إنسان. وأت الجوع مهما حاولت 
الهرت منه. فستجده يقفف في وجهك عند كل مُنعطف. 
ومضى من جديد إلى القرية يبحث عن طعام. لكته عاد 
من منتصف الطريق, أعادثه رغبثه في كتابة بعض 
الكلمات على الرزقوق في ذلك التفتر الجلدىئ,2 وعبت 
بالقلم. وغاص في عقله فرأى حشدًا كبيرًا من الثاس 
في دوائر. تبدأ صغيرة, ثم تلعف خلفها دائرة أكبر, 
فأكبر. إلى عدي لا نهائى من التدوائر البشريّة التي تدور 
حول مركزها دوران الضوفى حول نفيه. وحدق 
بعيتيه لكي يرى مَنْ يحتل ذلك المركز الذي تلعف حوله 
الدوائر البشرتّة فما استطاع أن يرى لتكالب الثّاس 
وكثرتهم. ورأى الظوفان البشري يدور حول ذلك المركز 


فى حركة دائبة تثُشبه حركة الإلكترونات حول الثواة 


01 توقف!! لم خظ 0 رَْ جحديد: «في الفراع؛ 


109 


لأئزهم من الفراغ وإلى الفراغ». ثم غاصث عيناه فرأى 
الخيول إتّاها التي كان يراها في صعَّره.ء ورأى نفسه 
يهرب منها مذعورًاء وهي تلحقٌ به وتصهل صهيلاً 
مُرعباء وتفغر أفواها تكاذ تلتقمه. وظل يركض حتى 
خانثه قواه,. وتعبى, وأيقت أنه سيصير في لحظات 
داخل أشداق هذه الخيول الجامحة, وظهرَ له فجأة 
وجه الفتناة الراعية التي قابَلها منذ أتِام. وكانث تبتسم, 
وفتحث له صدرهاء ففغاب فيه, وذاتت هناك وسكعث 
أصواث الخيولء. واختفث فجأة. ووجد في صدر تلك 
الزاعية أماته. وكتب: «أصعدُ على أشلاء موتي بلا 
روح». ولم يُدرك ماذا تعني العبارة التي وجد أصابعه 
تكتبها بلا إرادة منه, وعندما أرات أن يُفشرهاء كتب: «ما 


أنا؟!|». 


ووجد حلا لهذه الوساوس التى تطرقٌ يماغه 


الانتحار؛ أشرف ما يمكن أن يفعله طبيت فى حالته, 


إله أعلى درجات الحزية في عالم تخترمه العبودية. 
وف في الم فكر في الزرنيخ, «أن أادراجي تحتوي 
بعضًا منه» هكذا حتت نفشه., ثم فكر فى بعض 


المحاليل الكيميائيّة التي يكاد يرى بلوراتها بعينه 


المجزدة. و لكتها لم تكن موجودة؛ فالبيث فارحٌ الا منه 
ومن الكتب ومن القود الحزين الذي قال له حين أراد 


110 


أَنْ يعزف عليه: «دغنى؛ فلست مثل الاي وفكر فى 
طرق اسهل أو ممعنة. ان يصعد على سطح البيت 


ويترتدى من هناك, ولكتها طريقة ليسث مضعمونة, 


سيعيش بكسور تذكره بإخفاقه في تنفيذ مهقة شهلة 
وشريفة مثل الانتحار! وعدل عنها إلى أن يصعت إلى 
الجبل ويشنق نفسه فوق شجرة الشنديان إتّاها التى 
كان يتعتد المتصوفة اللّة تحتهاء ولكته خجل من أنْ 
يقولوأ عنه: «مسكين؛ عرفناه وأنكره!!». فعدل 0 أَنْ 
يَشَنقّ نفسّه فوق شجرة الزيتون الهرِمة, ويترك جسده 
وزئه الذي هو وزنْ ريشة في مهت ريح لن يكون كافيًَا 
لتنفيذ مهقته. وخاف إن نجح في ذلك أن يُخجل 
الشجرة قلا تعوذ تطرخ زيتها للعابرين. وهمسنى لنفيه: 
يكون في شراينه ده كاف لكي تنجح مهقته,2 وخاف 
أيضًا أن يعجز عن الكتابة أو الممحاورة وهو ينزقفى أو 
يفقد وعيه فلا يرى موثه الجميل. وفكر في أنْ يقعلع 
قلجته من صدره كما كان يفعل فى مستثشفى القلب 
لمرضاه. ويأكل قلته. لكته خافّ ألا يجد القدرة على أن 
فكرة الانتحار التى كان يراها أكثر أفكار البشر عبقريِة 
ووضوحّاء واعلاها في شلم الحزية, واخرج الذفتر 


111 1 1 
الجلدئى,. وككت فى احد رقوقه: «ليت امَى لم تلذنى !». 


112 


0110 
الخريق 


وسطقتٍ الشمسء وأزال الشتائر عن نوافذ البيت 
كلهاء فغمرّه الضّياء. ونظر من نافذة المكتبة. فرأى 
الجبل من تلك الثافذة وايعَاء يبتَسمُ له. ورأى الأشجار 
التي تعلو ققنه خضراء يانعة2 والأرض من تحتها 
سماكنة, و هتف في نفسه: «الزحيل». 


وطاف فى البيت. من غرفة إلى أخرىء. ورأى 
سوير أبوّبه, 12 «عمدة منذ مضث أقه إلى خفرتهاء 
غرفته, فرآها كتئيبةً, رائحتها خانقة, وخُيّل إليه أنه يرى 
عددًا مهولةآ من الضفادع تقفز فوقه, وتصدر نقيقًا 
مزعِجًا2 وفد عَظاه الذمح حثتى صار يسيل من أطرافه, 
وكان لا يزال بُمسيك بمقبض الباب,2, عندما جالث 
بخاطره أبيات الشيّاب: «أوصِدِى الباتت فَدُئيا لشت 
وَأَنِقَى أت عحضرة... أتقتى لَك آلآ تغرفيها... آه لذ تَذرِيِنَ 


ع.ر 


2 عو ص ه 7 
مَحْمُوحَ الجبين... تاكل الظلماء عَيتت ويَخخسشوها فمى... 
5 1 ال 05 َ 
نائمًا 0006 واحة خَلف جدار فقن يداد أنين... مفنتطاز 


اللبٌ بَيْنَ الأنخم...». واغلق باب القغرفة, و تنقد تنهيدة 


113 


طويلة كادث لها عظام صدره تتكشر. 
وذرعً ردهات ا 55 ردهة وردهة, وغرفة غرفة 
: 5 | ثم ألقى 71-2 وهم ح| أريكة غرقة المكتبة 


التى تعج بها لا يكاذث يجِد فيها المرء موضعمًا فارعًا, 


وأرات الثتوم, فعصاه على عادته منذ سنواتٍ سحيقة, 
وفكر في القراءة, ولكته لم يجذ كتابًا ليقرأه. وشعرّ أنّ 
الكتب لم تعذ ذات فائدة, وأتها صارث كلها في عقله, 
آلاف منها مسطوز في مركز الذاكرة الذي هو أقل من 
حجم حتبّة العدسء ورأى أن الكتابة قبل أنْ يرحل قد 
تحقق له بعضّ الزّاحة, ونزع أحد الزقوق, وكتب لأبيه: 
«لم أكن أريد فراقك ولكن الموت عجلك, حين نلتقىي 
يومًا ما في مكان ما في زمان ما سأخبرك بكل ما كنث 
أريذ أن أقوله لك». ثُة خظ تحت هذه العبارة. قول 
المتنتي: 


و إن وحبلة واحدَا حال بيننا 
وفي الموت من بعد الزحيل رحيل 


وغفا ثالات دقائق, رأى نفسه يخرج منه., ويقول 
له: «احرق كل شىءة». وشعرّ أنه كان يبحث عن هذه 


العبارة من زمن, فاستيقظ وقد عَرَّمَ على ذلك. 


114 


ومضى إلى قبر أقه في المقبرة الفوقاء وطاوعثه 
عيناه. فبكى على الشاهدة بكاءً شديداء واحتضن القبر 
احتضان لاخ لرضيعها,ء وهنف: «لم تكوني لنا». وشعر 
برجَةٍ في القبر. كانث أتربته تعحرّك, وجفلء, وأصغى 
سفعه. فتناهث إليه أصوات كأنها قادمة من أسفل 
نقطةٍ في الأرض أو أعلى نقطةٍ في الشماءء واختلطت 
الأصوات, وتشوؤش عقله. ولكن الأصوات المتداخلة 
تقول له: «الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من 
رحمة الله». وتذكر يود طلب الشّيخ منه أَنْ يعلوّها يوحَ 
طارَّ به من الفرحة. في ذلك اليوح البعيد. ونظر حيتها 
إلى عيتي أمه فرآهما تضحكان, كأنّ سرور الكون قد 
تجقع فيهما. ثُمم سمخ أصوات الغربان والبوم التي 
تعتلي جذوع الأشجار في المقبرة تنعب, وبعضها يطير, 
واخر يحظء إنها حركة تُشبه حركة البشرء يتصاتحون, 
وما يُدركون أن الذين حَظوا على أشجار هذه الحياة 
سيطيرون عنها عقا قريب. وسمع صوثت أمه حانيًا 
يهتف به: «كنث أريذ لكلمة الله أنْ تحفظك, ولكتك لم 
من كلمة الله». ورذت: «كان أبوك يعرف الله أكمرّ مما 
أعرفه أناء ولكن الشيطان قعد له في الظريق, فلقا رآه 
أخذ بيده. ولو غصاه لما آل إلى الضّياع والخمر 


115 


والحشيش. يا بُنى أنا في القبر أراك, وَآسَى على ما 


تفعلء. ولو كنث أملك أن أعوت إلى الدّنيا لهمسث فى 
رئقيك الباردتين: إنه يُحتك, وأنا أحتك, وإنه يُحتناء فلا 


ثول لخته ظَهِرَك». وشعرَّ بانكسار.ء وقال لها: «لقد 
مضيث في الغاية,. وإتني في آخرهاء وقد تهدمث من 
خلفي كل الظرق التي سلكثهاء وما أراني سأعود, فإِنّ 
تلك الظرق من بعدي قد تبدلث!!». فردتث: «إنّ رحمته 
تُعيد اليك الذروب المسروقة, فلا قانن 4 «وأبي؟». 
«بِينَ يدي الله». «هل أحث اللّه؟». إنه فيك فقفظ أصغ 
إلى التداء القديم الذي فيه». وبكيى حنى أرتئخث 
جذوع الأشجار التي فوقه. وحتى خُيل إليه أن أصوات 
الغربان التي تطير دون عودة قد صارث تبكي هي 
الأخرى. 


ظل يزور المقبرة شهرّاء يسألهاء وتثجيبه؛: وينام 
أحيانًا بين القبور. يتمدد إلى قبرٍ لطفل,2 ويبكي, وهو 
يقول: «كنث يومًا بريئًا مغتلك». ثم يذهب إلى قبر 
امرأة عجون. ويتمتد إليه2. ويهتف: «هل لديكِ ما 
تقو لينه لبي ؟». ولم يعرك قيرًا رأى على شاهدته ما يُثير 
شجوته إلآ تمدّد إلى جانبه, وحاوره. وسأله: «هل من 


عودة ؟». 


وعات إلى البيت بعد شهر من التوم فى المقبرة 


116 


الفوقا. وراهما من جديي2ء يضحكان في شوارع 
نيويورك. وهم أنْ يبصق في وجههاء ويقول لها: 
«خائنة». ولكته لم يفعل, وهتف: «الحتٍ أكذب عاطفة 
عرفها البشر». وتركهما يُعطيانه ظهريهماء وأردافها 
ترتخج في سعادة,. وهو يلف ساعده حول جذعها جذلان, 
وشعزها الليلىي يطير على إيقاع هبوب الزيح! ومشى 
وصرخ بها: «هيه أنت؛ توقفي.. توقفي ينها الخائنة», 
وركضً إليها تتأجج في أعماقه رغبة عارمة بقتلها, 
ودفَعها فسقطث أرضًاء ثم انكت عليهاء وتخيَل أنفاشها 
تنفظع وهو يشذ بكلنا يديه على عنقهاء وزوجها ينظز 
إليهما دون أن يُحرّك ساكتًا! كانث عيونها تجحظ 
ممُستفيتة مذهولة, وجهها يَزْرق2 وذراعاها التحيلتان 
تلتفان حول ذراعيه في محاولة يائسة لإزاحته من 
فوقها. وهو لا يزال يشد على غثقها دافِقًا بقل جسمه 
فوقّها حقى تلفطظ آخرّ أنفاسهاء وتهمد حركثهاء وتكف 


رجلاها عن الحركة, وتنسدل ذراعاها حولها ببطء, ثم 


يسيل خيظ رفية من الربّد والتم من زاوية فمها.. 


ولكن ذلك كله لم يحدث إلآ في خياله!! كيف تجد مثل 


تضج بالأفكار الشوداء. وتعج بالغربان التاعقة, والبوم 


117 


وسرى الملل في جسده وانداخ في غزوقه. وراى 
كل شىء مُظلِمًا مطفاً. وأحش أنه لا تربطه فى هذا 
المكان أيّة رابطة, باستتناء قبر أبيه الذي ظل يؤمن أنْ 
إلى أء: مكان غير هذاء واستحوذث عليه الفكرة, فصار 
يرى حروفها الأربعة تظهر له في كل شيءيء على أرضية 
المكتبة2. ورقوقهاء ورقوقهاء وكعوبهاء ونوافذهاء وفي 
الهواء تتساقظ تساقط قطرات الماء من الميزاب فى 
الشتاء. وعلى أوانى المطبخ التى كانث قد يبسث 


وفكر فى الأشياء التى يُمكن أن يأخذها معه. فلم يجذ 


شيئًا يستحق باستتثناء الذفتر الجلدي, وتناوله. ومضى 
خارجًا من العتبة,. وتنفش الضعداء لما رأى الفضاء 
الفسيح أمامه. وشعرَ أنه خن وأن قراره هذا أفضل ما 
يُمكن أن يفعله في حالةٍ بائسةٍ كهذه. 


وركض بأقصى سرعة ممكنة وهو يحتضن 
الدفس تمه توقف. وهنف: «الحريق». ووضع التفتر 
على صخرة خارجٍ ساحة البيت. وعاد. فجرح سيقان 
عشرة من زهور الخشخاشء وشربهاء وظل يشربُ حثتى 
دارث به الأرضء وراح يتذكر الموضع الذي كانث أمه 
تضع فيه جالونات الكاز الي تستخدمها لموقدة 


118 


الشتاء. ودخل البيت, وهْرءع إلى الجالونات فأخرجهاء 
كانث أربعة جالونات2.» وراح يسكب الكاز على 
الموجودات كلها. وعلى الأرضء ثُمَ أشعلَ غود تقاب 
أمام العتبة من الدتخل. وهم أنْ يرميه على الأرض, 


ولكثه سرعان ما انطفاء. وهتف وهو يبتسم: «هذا أنا يا 


أبي. ما أسرع انطفاةنا!». ثم أشعل عودًا آخر. ورماه, 
وخرج سريقًا يحمل جالوتين2. وسكتهما على زهور 
الخشخاشء. وحول قبر ابيه. ولكته راى القبر يتحزّك, 
وحذدذق لكي ]م فراه بالفعل يتحزك, وتراجع 
خحُطوتين إلى الوراء. كان البيث قد بدأ يحترقء والثار 
راحث تعرخ فيه عَرَجَ التظة المذعورة. وتناهى إليه 
صو طقطقات العود فى غرفة المكتبة وهو يثت: 
وخُيّل إليه أنه يقول: «كان عليك أن تحرقني فلست 
كأبيك». ولكنة أباه الّذى قال له العود للقة إثه ليس 
مثله, سمعه من تحت القبر, بهتف به: «لا تُصذقه:, الود 
بو سعكَ أنْ تكو ]0ه مثلي». وصرخ: «لن أكون الا 


متلك». ووجد نفشه بُردد بيتى احمد شوقفى: 


أنا مَن مات وَمَنَ مات أنا 


119 


- 1 
>« 3 دين 2 يسود 2< - 
تححوة كنا مهحجه فى تدا 
و »* 5 
ب - 
_ عمسم - 
وث©»ه يب انه > > ىن سل ا# 5 
ف ها 0 9 
دم صرنا ميهج هه فى لذدنين 
م 


وسمع صوت ابيه: «لا تتركنى وحدى, خذنى 
معك». فرت: «وهل انت هنا؟». وتحزك القبر من جديد: 
«إثنى د استطيع أن اخرج 3 عد 2 2 فساعذنى». وععصد 


إلى القبر ملهو قاء وبدا بنبشّه وحفرّ عميقًا والتار تحرق 


بير الاقديه 05 شىء. وضصعق عندما برزتث له عِظظاحُ أبيه, 
وصرخ: «أنت هنا إذَا؟!». «وما هذا الذى بين يديك با 


أحمق؟ بالظبع؛ ألا تراني؟!». «كنث أظن أتهم سرقوا 


شين ء ». وأخرج عظاح أبيه كلها,. وكومهاء وراح يبحث 
عن كييسشسن يضعها فيه,2 ووجد أحد الأكياس التي كان 
يستعملها لقطاف الزيتون, وألقاها فيه ثم هفرغ إلى 
الخارج. وهو يحمل الكيس فوق ظهره. ورمى عود 


إليه أن الكتب كانث تصرخ من خلف ظهره: «لماذا 


فرت: «أنتنن سبب ما أنا فيه». وسمعهن يقلن: «إثها 
أوهامك, استيقظ أتِها الظبيب المريض!». ولعنهنّ في 
سوّه, وسمع كل دشى ء يستغيث به؛ روح أمه شرشفها 
الذي تركه على هيئته يوم أن غادرثء أوانيها التي 


© > 


120 


يبسث من العطشٌى,. ولفثها البتيّة2. وروخها الظتبة 
والأشجار. وزهور الخشخاشء والزيتونة القهرمة, والقبر 
الذي صار فارغًاء والثقراب الذي كان يمشي فوقه, و.. 
كل شيء! 


ووصل إلى الضخرة التي كان يضة فوقَها الذفتر 
الجلدى, وألقاه هو الآخر فى الكيسء. وأحش أنه بهذا 
التفتر الّذى ألقاه يُعيد إلى عظاح أبيه روحه. وإلى 
رَمِيمها نضرتها. ووقف من بعيدٍ يرى الثار وهي تاكل 
البيت والشاحة, وترتفع ألسنتها عاليًا. وهاله منظر 
الزيتونة القرمة وستارة اللآدا اللكين تحولنا إلى كثلة 
من التيران. واخذ يبكى. وهو يُمسك بالكيس في 
يعينه, وكانث حرارة التار تصل اليه 0 تعدهاء و مسح 
دموعه دون أَنْ يدرى لماذأا يبكى: ثم توف عن الشكات, 
وبدا يضحك, وهو يتراجع بخطواتٍ مهزوزة إلى الوراء. 


وتوقف قليلاً يستمتع بمنظر الحريق,ء وضبيِقٌ 
عيتيه. كان يرى أدخنةً سوداء تصعد من بين اللهب 
الظاغي على هيئة أجسادٍ بشرتّة. وصوؤب نظره إلى 
الجهة التي تقع فيها المكتبة, فرأى آلافًا من الكتاب 
يصعدون, كان بعضهم يلعنه. وبعضّهم يشكره. وبعضهم 
يقول له: «لماذا لم تأخذنا معك؟!». وبعضهم يقول: 
«لقد حرّزثنا». وسمة صوت (بولغاكوف) وهو يخرج 


121 


من (قلب كلب) ويقول له: «هل ستقتلني مرة ثانية؟». 


فسأله: «ومنى كانت المروة الأولى؟». فرت: «عندما 


دَسَث لِى الدولةٌ شمًا في الكأس». فضحك: «لست أكرة 


من أن تجرّب الموت مرة ثانية بطريقة مختلفة, ربما 


هذه الطريقة أكتر رومانسية, أن تلتهم النيران قَلبَكَ 


أتِها الكلب البشرئ». ورأى حرشفة (مسخ كافكا) 
2 أ _! 8 واه التيران, ورَتَدُّها تسيا( وراى (فان غوخ) 
يعد أصابعه في التثيران يضحك, وهى تتسافظ إصبعا 


إصبقاء وهو يقول: «أريث أَنْ أراها فقفط للصمذة التي 


ينتهي فيها احتراق أصابعي». ورأى الحديقة تعج 
بالأجساد المُعلقة على جذوع التخل القطلية بالقار 
كأنهم في حديقة قصر (نيرون). ونيرون إلى جانبه 
التيران. وأيديهم التي تتفخم, وعيونهم التي تسيل, 
وجلودهم التي تنضج.ء. وشم بالفعل رائحة شواء 
الأجساد البشريّة. وهتف: «لقد كان خيال نيرون واسِقا 
جدًا!!». ورأى في الرّاوية الجنوبيّة للمكتبة القساوسة 
في محاكم الثتفتيش بالأندلس وهم يُلقون بعشرات 
الآلاف من كتب الهرطقة إلى الثان ورأى عددًا آخر من 
الفهرطقين يُساقون إلى قلبٍ الشاحة ويقذفون في 
التار. ورأى هتلر يُلقِي في أفران الغاز أفواجًا من الثاس, 


12 


وتجذ الثار طريقها إلى ابتلاعهم... وتتابعث عليه 
الضور حقهن راى محارق التاريخ كلها تقف شاهدة 
أمامه فى سماحة بيئه, وهنتف: «لقد حا الحريق خالاً». 
وشعر بالزاحة, وألقى كيس العظام والدفتر على ظَهره 
وضضى: وله لا يزال يسمة الاسعفاثات والالهيارات 
تنشث في جمجمته وهو يردد غير أسف على ما فعل: 
«العلم في الصدور لا في الشطور».! 


وظل يمشي حتى مز ببركة القرية2. وعادث به 
الذاكرة إلى طفولته. ورأى أولتك الذين أغرقوه ينبتون 
من أطراف البركة, وأصابه الهلع. وهم بأنْ يرمي 


تحت قدميه ونظر د فخْيّل إليه أنها الضفدع التي مددث 


له يدها يوحَ غرقه لثنقذه. عيناها هما عيناهاء وصوتثها 
الذي لا يُخطئه. ولوثها... وذات هلفه. وجغا ينظز في 
عيتيها ويبتسم., ثم أجلشها بحنق بِينَ يديه. وراح 
يُحادتها: «سنرحل مقا يا مبروكة. هذا هو اسمكِ منذّ 
اليوم» قبل أن يضعها إلى جانب العظام والدفتر, 
وينظر نظرة أخيرة إلى القرية. ويمضي . 

وها هو قد غادر القرية المنسيّة؛ قريته التي 
يعيش أهلها خارجٍ الزمن كما كان يعتقد. ثعاني من 
القخلف. ومن الأوهام الني ثؤمن بهاء ومن الحكايات 


13 


الخرقاء. ومن الخُرافات التي تحكم طريقة عيشِها. 
القرية التي يقل أهلها يت الشيخ لأثه يُعلّمهم حرو 
القرآن دون أن يفقهوا شيئاء القرية التي تنامحُ نساؤها 
تحت أقدام أزواجهن, ويفسلنها كلما عادوا من أعمالهم 
في المزارع المنتشرة في الجبلء القرية التي تنكشظ 
جلود رجالها وهم يحكون الظين المُتيتس فوقهاء كلما 
عادوا من الخقول إلى بيوتهم في الأماسي القطيرة, 
القرية العي لا تعرف من الحياة غير الرّضا بكل شيء. 
ولعتها في سِره ألف مزة ومضى!! 


14 


(12) 
أستطيةٌ أن أطير 


بردث روخه بعد أن ترك بيوت القرية كلها خلفه, 
كان العالم أمامه كملةَ من الضقيع. وكومةً من الجاع 
الضقيل المُحايد, ووجد نفسه يركضًء كان يركض جهة 
الجنوب2. دون غاية. لم يكن يدري إلى اينء ولكنّ 
الجنوت جهة, كان يشعر أنه يهرب من قَدَرِه. ولم يكن 
يدرى أته يهرب إليه, كان يُحاول أن يُغْلِتتَ من الجنون 
ولم يكن يدري أنه يِقه فيه. .. ظل بركد ) متعثن 
بسقط يفقوم يندقع بسرعة تخدشه غصون الأشجار 
الُتدلية, بسقط ثانية بنهضص يندقع مى حذ نبل 
ويركضء. يلهث, يتصتب عرقاء والعظام التي تتقلقل 
0 ظهره تقول ل - 0 رعلت. لقد هرّشتنا!!». وهو 
يرت: «سأجذ مكانًا لكى أرممكء أنا طبيب وأعرف ما 
أفعل, قأخرسي». 

وصل إلى عَمان, في مساء ذلك اليوهم الذي رحل 
فيه, كانث أمامه جبالاً مُنيرًا. تنبث فى أطرافه وعلى 
في اضوائها بعض البهجة. و تذكر اثامه في العمل 
فشعرٌ بشيءٍ من الحنين, ورجف قلبه رَجِفان نهر وادع 


125 


الذين عالجهم في مستشفى القلب, وهم يصطفون في 
الظلاه ومن خلفهم تتراقص الأضواء البعيدة, يُرخبون 
به قائلين: «أهالة بعودتك». وصرخ: «أنتم لستم أنتم». 
وضحكت الخيالات المتمةا جة أمامه, وقلن: «رأ ل ترانا؟ 
فنحن إذَا حقيقة!». «كلة كل هذأ موجود في عقلى 
فقط, لقد أصاب عقلي الثلف». ونفض رأسه. وهم أنْ 
بُتابع سيرّه. ولكته سقط فجأة. فجأةً من دون سابق 
إنذار. واستسلم للتجومح التي كانث تضحك في صفحة 
الشماء. وللأضواء المتراقصة البعيدة2 وهتف قبل أن 


يغي”ت عن الوعى: «ما أشدّ بؤسك يافتى,2 ليتنى 


أستطيع أن أمشّح تلك الزماح من تلك الدماء!». 


استيقظ في الفجر. على صوت بعض الكلاب 
الضالة. نهضء نظر إلى الشماء. كان لوثها ينفتح على 
التهار. وذبالات الثجوم تودع الوجود. وخُقل إليه أنه 
ينطفئح مثلها. وقام., كانث أطرافه ثؤلمه. أشواقه 
تحرقه. ذكرياثه تطعنه. والظريق المتلؤقية الفارغة 
تشعره بالوحدة. مشى. لا بْدَ أن يمشيء. لن يصل مَنْ 
يُطيل الوقوف. والحنين شاقولة في القلب, والحياة 
غانية دَهسها قِطارُ الشيب, ومع ذلك لا بُدَ أنْ يمشي. 


ظلَتٍِ الشمس تلسعه حقى وصل إلى وسط البلد 
في خقارد. دله بعض الماقّة على فندق (هارون)ء زيائنه 


116 


قليلون. وأرخص فندق من تلك الفنادق التي تطل 
نوافذها الخشبتة القديمة على الشارءع. والتى تسمع فى 
غُرِفها كل ما يدور على الأرض من الجهات الشث. قال 
لصاحب الفندق: «سأقيم ثلاتة أتّام». طلت منه 
عشرين دناير يدفعها مُقتمًا. وهتف: «الأجرة سثة 
دنائير لليوه الواحد. وسنعيد لك البافيى عندما تغادر». 
صعد الترج القديم الذي يُوصل إلى أربعة غرفء كل 
غرفة فى زاوية, ودفع الباب الخشبى الخفيفء ورأى 
المتساقطة قد تجقعث تحتها, وسريدرًا واطِتَا, سمه أزيز 
سيقانه أؤل ما جلسّ عليه: وألقى بالكيس أمامه. وفى 
مقابله رأى ممرًا بللا باب يُفضى إلى حقام صغير 
مقعدة. ومفسلة فوقها مرآةٌ تهشمث أطرافهاء ودشا 
يبدو انه لم يستخدفها اي زبون من فترة طويلة. وعلى 
الحائط الذى يقع عن يسار الدتاخل كانث هناك مرآة 
ملصقة عليه بُمكنه اذا وقف أمامها أَنْ يرى جسده 
كامالاً. وكانت الجدران كلها بيضاء قد كلاها بعض 
الغبار. وعشّسّث فى زواياها بعض الحشرات التى 
وحدث لها ملادًا هانئًا. 


127 


أنتصر عليه». وأردف يُخاطب نفشه: «معركتي معه, 
ومعه فقط». وانتبه إلى حركةٍ في الكيس المَلقى أمامه 
على الأرضء. «إنها مبروكة». وفكر: «يلزمني بعض 
الأشياء. ولا زال معي بعص المال». نزءً ملابسه كلها, 
ودخل الكقام, وأطلق ماء الدُّشء, وراعح يأخدٌ حقامًا 
بارِدَاء وشعرّ بأنه يعودذ إلى حياةٍ هربث منه طَوال 
العامين الفائكين. وطمأن نفشه: «أستطيع أن أعود». 


وخرج إلى الشارع. كان الشارع حياة. حياة 


جديدةٌ. حرّكةٌ المازة الضاخبة, مُواءً قطط جوعى, 


أبواق الشتارات. نداء الباعة, تَظَراتُ الشتاح,. روائح 


الظعام المطبوخ., وردّاذ العطر المرشوشء والعرّق الذي 
ينسرب على الظهور والشيقان وعورات البشر. وتساءل: 
«هل بِشبهو ننى ؟». وسأل عن المحلات التي تبيع 
الحقائب, ودلوه على أكترّ من محلّ. ووصف لبائع 
الحقيبة التي بُريدها: «جلدها حليبىء وعليها نقوش 
الأفاعي. وواسعة من التاخل.ء ومخروطية. تغلق 
بشخاب أسود. ولها يدان ناعمتان. وجئاد في حالة إذا 
خملث على الظهر». واستغرت البائع طلبه2 وقال له: 
«لن تجد مثل هذه الحقيبة في الشوق كلهاء ولكن يُمكن 
أن نجدت حقيبةً قريبةً منها». واشترى من البائع القالث 
نسخة شبيهة بالتي صتعها خياله. وعاد فَرِحَا بها. ومرّ 


18 


ببعض تجار الأدوات المنزلقة2. واشترى بعص الأواني. 
وبصيدلتِة تبيع بعض المحاليل الكيمائقة الفطهرة. 
وقفل ينظر في الأرضء إلى أقدام التاس, وهم يمضون 
إلى غاياتٍ حاول أن يُدرك كتهها لكته لم يستطغ. ورأى 
تلك الأقدام تضربُ في اتجاهات مختلفة, وأيقنَ أن 
اتجاهات سعيهم يلغي بعضها بعضًاء وعليه فإنَّ 
المفحضلة صفر. والجهات عَدَم2. والتاس ملخ ذائب. 
ودخل الفندق. صعد الترجات التي تمضي من بعد الهو 
بشكل شبه عمودي إلى غرفته, وأغلق الباب خلفة 
بتوجسء ونظرَ في أرجاء الغرفة إن كان يُشاركه فيها 
سواه. ووضع الأواني على الأرضء واختار وعاءً تُحاسيًا 
مبسوطًا ملاً نصفه بالماء. وركزه على الثافذة بالقرب 
من سريره. وفتخ الكيسء. وتناول مبروكة بهدوء من 
داخله. ووضعها برفق في الوعاء. ثم جر الكيس إلى 
المغسلة, وأخرجٍ العظام عظمةً عظمة,. وراح يُنظفها 
بدقة وبصبر بالمحاليل الكيميائقة. ونظر إلى جمجمة 
أبيه. ورفقها أمام ناظرّيه. وحدقَ في الفراغ الذي في 
تجويفي عيتيه. وأصاته الهلع لقا رأى عيتيه في مكانهما 
تلمعان, وتتحركان, وهتف: «ليسش حقيقيّاء لا يُمكن أنْ 
يكونت حقيقيًا». وسمعهما تنطقان: «فكيف تراني إذَا 


و تسمعني ؟!». وارتخ جحسده,. وارتجفث بداه, واهنتزت 


الجمجمة فى يده حتى كاد يُسقطهاء وشجة نفشه: 


19 


تخرة؟! هل ترعبني جمجمة أعزّ الثاس عندي؟». 
واستعات رباطة جأشه. وقتل جبين الجمجمة, وهتف: 
١لا‏ ياس يا أبي. لون أتخلى عنك !». ووضهقها أن لذ في 
الحقيبة الجلدتة الحليبتّة ذات الحراشف الأفعوانيّة, 
وعمد إلى بقتة العظام. فنظفهاء نظف الشيقان, والأذرع, 
وما تبقى من عظام الضدر والأقدام2 وانتهى إلى 
الحوضء وابتسم: «من هنا خرجت الثطفة التي قذفث 
بي إلى هذا الوجود الجهتمي». 


مكت أكثر من سث ساعاتٍ ذاهلاً عقا حوله., 
حتى إذا انتهى من تنظيف العظام وترتيبها في 
الحقيبة, رفَعها فوضعها في قاع الخزانة الخضراء., ثم 
مسح بأصابع كفَّيه الزقيقة على دفتر رقوقه الجلدي, 
وحمله بكلنا يديه2 واضِعًا إتّاه في الرّف الأعلى من 
الخزانة. وتنقد. وظل جامِدَا كأئه تمثال ينظر إليه هناك, 
ثم خيل إليه أنه يسمع صوت أبيه: «ليس هذا مكانه, 
بل عند رأسك». ومت يديه مزّة أخرى. وحمله كما 


يُحمل الزضيع. وهو يقول: «عمل جيّد, أستحم أن 


أستريح قليلاً». ومال إلى المرآة ونظرَ فيها إلى نفسه., 
وهتف: «لقد تعبث من الاخيباء وراء أوهامى, الخداع 
لا يليقٌ بالأطتاء». ونقتٍِ الضفدءع عندما نطق كلمة 


130 


(الخداع). ونظر إليها من فوق أكتنافه عند الثافذة, 
وصرزّث أسنانه وهو يؤكد: «ليسش.ى هناك على وجه 
الأرض أصدق مني !». ومشى إلى الشرير ووضة الذفتر 
عند زاوية المخذة. 


واستلقى على الشرير. ولكن التوح ليشن سهلا. 
ونظرَ إلى الشقفء. فشاهدت طواحين دونكيشوت تدور, 
كانت تدور بسرعة حتى لم يعذ يرى فراشاتهاء ولكته 
يرى دقامة متصلة من التياض تبتلع في جوفها كل 
شيءيء وشعرّ أن الدؤامة تجذبه., وخيل إليه أنه نبعث له 
بدلا من أذزعه أجنحة, وانه طائز يغوض في التؤامة 
وهو يُجاهد أن يُفْلِت من خلال التحليق بعيدًا عن 
المركزء وأدرك أن جناحيه ليسا قويّيْنَ بالترجة الكافية, 
وهتف: «الظيران صعت, ولكثني أستطية أَنْ أطير». 
وجاهد أن يُغْلِتَ من الدؤامة, ولكته سقطء, سقط فيهاء 
وغات عن الوجود. 


131 


(13) 
جَِسَذَكَ قد يكون الثمن 


أقل ما استيقظط كان لا يزال يردتد عبارته 
الأخيرة: «أستطيع أَنْ أطير». م خط لكل شي ء 
سيقومح به خلال الأيّام أو الأشهر القادمة. سيستريح 
في هذه العاصمة المومس, وبعدها يغادر إلى أي دولة 
أجنبية, البلا التي تفهم عبقريّته وجنونه. ولسوق 
يعمل في مستشفى للأمراض التفسيّة. أو في أرقى 
مراكز التشريح. ولسوف يُقدمح لهم براءات اخيراع 
تذهلهم. وسينقش اسمه في صفحة الخلود. وتراءى له 
الخلود كذبةً كبيرة. وأن العدم هو الشيء الحقيقى 
الذي سيبتلعه وسيبتلع هذه الأمواج البشريّة المُتدافعة 


اليه 


كلها. 


ونزل إلى الشارع. ورأى عربةً تفوح منها رائحة 
الفول, كانت العربة خضراء. يقف خلقها رجل خمسيني 
بجثة ضخمة ورأسش كبيرة وشعر وخطه الشيب في 
القودّين2 لم يكن يرى غير نصفه الأعلى2 وكان يملا 
صحون الفول للزّبائن. وزكمت الزائحة أنفّه. فشعرّ 
بالجوع, وتقدتم إليه. وطلت صحتاء وقال له: «أنا...». 
وأرات أن يقول له اسقه ووجم أمام أسمائه الشثة, 
واختار (نديم) دون أن يدري لماذاء وقال: «نديم», فرت 


1532 


عليه دون أن يرفع إليه تظّره: «أبو ياسين القَقال». 
وأضاف: «أنا طبيب.. ». واستدرك: «كنث طبيتا». 
وحيتها رفع إليه الفقوال بَصره. وضتِقٌ عيتيه. وشك في 
أن هذا الزبون الجديد صادقء ودارّى استغرابه بقوله: 
«أقل مرّة أراك». «نزلث في فندق هارونء وأظن أثني 
سأكونْ زبوئًا دايَمَا عندك». ومضى إلى المخبز القريب, 
واشترى رغيفاء وعاد إلى مقربة من القَوال2» وجلسش 
على الأرض مُسيدًا ظهره إلى جدارٍ وراح يأكل صحنه 
بتهم. وكانث عينا القَوال لا تزالان تنظران إليه وقد زات 


وأعات الضحن إلى القَؤال2. وسأله: «أين تسكن؟». 
ورت الفَوّال شؤاله بسؤال: «طبيب؟». «نعم». «من أي 
جامعة؟». «الأردنيّة». «وهل يأكل الأطبّاء على الأرضٍ 
مغلنا؟». «ما الذي تراه مختلفًا فيهم؟». 


وذهت فى الشارع الظويل الممتت. ومز ببعض 
الأكشاك الّتى تبيع الأكب, وتوقف عند بعضهاء وسأل 
عن ورواية (الحمار الذهبى)., فلم يعتز علبيهاء ومى في 


طريقه. وعندما عاد في المساء. كان صبيان (سمعة) 


القهو جى, بُرثبون الكراسي في القهوة,. وارادت أن يصعت 
إلى غرفته., لم يفعل في يومه غير المشيء. وخقّل إليه 
ان اللنترالد يمو تون الا اذا تو قَغو | عن المشىي, وهم نآ 


13 


يمشي إلى الشارع الذي لا ينتهي مزّة أخرى كي لا 
يموت. ولكت ساقيه لم تعودا تحهلانه. وصعد إلى 
غرفته. ومكت بعضً الوقت. ثم هبط الترجات, 
وانعطفٌ إلى القهوة. ورخب به أحد الضبيان: «تفضل 
يا باشا». وَعَبَرَ الظاولات كلهاء وتعقر بأحد الكراسي 
الخارجة, فأزاحه الصبى عن طريقه. ورخب به مزة 
أخرى: «من هنا». وتجاهله. ومضى حثى انتحى في 
الزاوية القصية., وجلس إليها. كان الزبائن قد بدؤوا 
نبو اكدون:؛ «كيف يجحذب المكانٌ الثاسسى؟». وأجاب 
نفسه عن تساؤله: «المكان الذي يُلقي فيه الثاس 
همومهم أو يحملونها». ظل وحيدًا مع فنجان قهوته, 
كان شارداء كأن القاس خيالات بلا أرواح. حقى لاحظظ 
أحدهم يمضي باتجاهه. كان داكن البشرة, كأنن وجهه 
مُستعار من الليل. وكانث أخاديد ذلك الوجه عميقة, 
وعيناه صغيرئين. ونحيلاً طويلاً حتى كاد جذعه 
يتقضف تحت حركة ساقيه, ويلبش شترة كاكية كثيرة 
الجيوب. وجلش إلى طاولته دون أن يستأذن,. وسمع 
صوته فحيح أفعى يسأله: «زبوت جديد؟». ورت: 
«طبيب». وقهقه حثى دارث إليه بعض العيون: 
«طبيب؟». وحذدق فيه بصرامة, وهم أَنْ يقوهم من 
مكانه. ويقتلع عيتيه الضغيرتين اللكين تشبيهان عيتي 
ذئب بأصابعه الرفعية من مكانهماء وأدنى جذعه على 


134 


الظاولة,. مُقتريًا برأسه, وهمسسى : «أنا عيد». ولم يرة, 
وأردقق: «أبيع التشوة». وأعجبثه العبارة الأخيرة, 
وسأله: «مخدترات؟». وابتسم: «لدئ أكثكر من عشرة 
أصناف, ويُمكنني أن أعطيك قطعةً لتجرّب بضاعتي». 
واستدرك: «العرض لمّة واحدة». وأجابه: «أقبل». 
ومذ عيد يده بتقة إلى جيب سترته, وناوله إتّاها: 
«سثعجبك, أنا متاكد من ذلك». و تفخصها. قبل أَنْ 
يقول: «أبو نواس», واستدرك: «نديم... اسمي نديم». 
وابتسم عيد ابتسامةً واسعةً حثتى بانث أسنانه 
الضفراء: «أهللاً بك إلى عالمنا دكتور نديم». وأراد أَنْ 
يسأله عن كنه هذا العالّم, وهتف: «العوالم كلها صَبابٌ 
أنت لا تقب منها إلآ على القّراغ». ولم يجذ عيد شيئًا 
ليقوله. وأردف وهو يُحدق في القطعة التي أعطاها له: 
«لا خكم إلا عن تجربة». ونقتٍ الضفدءع فوق شتاكه, 
وانتبه إليها انتباه طريدة هاريبة من صائد. وقال: «إنها 
تناديني». وتلفت عيد حولهء وهنتف: «مَن؟». 
«الضفدع ». وضحكا. وقال له: «هل تعرف مهدزّبين؟». 
ورت وهو يتلقث حوله: «أنا أكبر مُهرّب. كل حبوب 
الشعادة هذه أنا هزنثها». رذ بضيق: «أنت طفل». 
صدمثه العبارة, ابتلع ريقه. ومنع نفسه من افتعال 
شِجار يكشر فيه نصفّ طاولات القهوة على رأسش. هذا 
الظبيب الأخرقء ورذ: «روأنت ماذا؟». «أنا أسأل فا عد 


135 


عن شخص يستطيع أن يُخرجني من هنا». «وإلى أينَ 
تريد؟». «أئ دولة أجنبتة ». وظهقه عيد هذه المزة وهو 
يُرجع ظهره إلى مسند الكرسي, ويضربُ بقبضته على 
الظاولة: «يا رجل... تريد أن تنرك بلدك... الأردن 
تنخ وآانت؟ ألم تقل أنَكَ طبيب؟!». وأرادت أَنْ يقوم, 
ولكته استبقاه. وقال بصوتٍ خافت: «هل معك مال؟». 


«أظنة أنه معىي ما يكفى » 


كان الهصباح شاحِبًا قد عتم لكثرة خيوط العناكب التى 
لفثه. يلقى بضوءٍ كسول ل يكاذ يُظهر الموجودات فى 
أرجاء غرفته. واستلقى على الشرير. ودار بِخَلَّدِه: «إن 


اختفى (عيد) شهراء ظلّ طوال هذا الشهر. يأكل 
صحنًا واحِدَا من الفول في اليوم. ويشربٌ فنجانا 
واحِدَا من القهوة كل مساء., ويُمئع نفسه بزجاجة نبيذ 
كلّ أسبوءع. ولم يمر الشهر حقى كانث أمواله قد نفدث 
أو قاربيث على التفاد. كان يجلش ساهما يُدخَن في 
القهوة عندما تراءى له شبخ عيد. وشك في أنه يراه, 
ولكثته جلس إلى طاولته بالظريقة نفيها التي جلسش 
فيها في المّة الأولى2. وسأله عيد: «كيف وجدت 
البضاعة؟». ورت مُستغريًا: «أين كنت طوال هذه 


136 


الفترة؟». «لقد كنث في الشجن». «الشجن ؟». «إنهم 
يعرفونني,2 ولكتني لا أمكث فيه أكثرّ من شهر. لكل 
واحدٍ فينا سعر. وأنا أعرف سعر كل شيءء.ء حثتى 
الخروج من الشجحن أعرف سعره...» وصمت قليلاً قبل 
أن يُتابع: «هل تريذث تجربة صنف آخر؟». ورت عليه 
بضيق: «رتما ليس لدئ تمن لبضاعتك». فرذت وهو 
يتفخصه: «جسدك قد يكون التمن». وأردف: «ولكثني 
أخشى أن جسد طبيب هزيل مثلك لا يكفي». وتناول 
لفافة من إحدى جيوب شترته. وفرد القصدير الذي 
فيهاء ونشق. وهو يقول: «القانون عادل بعص الشيء, 
هناك فارق, يستطيع أعتى المجرمين أن يحمي نفسه 
بالقانون2. القانون علكة». وأعجبه القن يد إل حير 
وأكمل : «هل ما تزال تريذث أَنْ تنرك هذا البلد الظييِب؟». 
وضحك ضحكة عالية, و تابع: «ولكتك تحفناج إلى مالء 
كيف يُمكن أن تحملك شاحنةٌ تبريدٍ دون أن تملك تمن 
المبيت فيها على الأقل». ورة: «رتّما على أَنْ أعمل 
شهرًا أو اتنين لأجمع المال». فرت عليه: «ولماذا لا تعمل 
في أحد المُستتشفيات». «هذه الفستتثفيات خرام, لا 
يحتملون عبقريّتي. فيلجؤون إلى سلطتهم, المدير 
فصلني من العمل». «فصلك؟». «نعم». «في أي 
مسن 1ق كنت تعصل ؟>». «في مستشفى القلب, أقَوه 
بالعمليات الجراحية». «غريت, ولماذا؟». «ولماذا 


137 


صاذا؟». «لماذا ‏ فصلوك؟». ‏ «حسدأ»ه. «حسيدًا؟». 
«الأطتاء الآخرون لا يقومون بتلك العملتات بالذقة 
والمهنيّة التي أقوم أنا بها... خافوا على أنفسهم... نهم 
مودوة ون... وأنت؟». «صاذا عنى ؟». رأ ل تجىد تلك 
المنافسة القذرة حثى في عملك في التهريب؟». «مَنْ 
يقول غير ذلك؟». «نحن هراء». «خراء». «المهة ؟». 
«أدفقغ». 

قال لسمعة: «هل أحذ عندك عملاً؟». رت عليه: «إنت 
عملك عندي لا يكفي لشرب فنجان قهوتك كل مساء». 
قال للقّؤال: «أستطيع أن أحمل لك أجولة الفول, وأسهر 
على تقعها». «لن ينفعني هذ أ». «جزنني شهر». 
«يُمكنك أن تدفة عربة الفول من هنا إلى آخر هذا 
الشارع عند المنعطف الصاعد إلى جبل الثتاج, ثم تصعد 
بها الجبل. لم أعذ أقوى على دفعها بعد هذا الثمر». 
وعمل عنده أسبوعًاء ولكته اكتشف أنه يعمل بيثمن 
الضحن نفسه., فتركه بعد أسبوع. 


ورمقه صاحث الفندق, ومو داخل يترئح في إإحدى 


الليالى, وأوقفه قبل أنْ يرتقى الدرجات: «ثلاتة أشهر 


لم تدفع لي». «سأجذ المال الكافي لأفعل». «إن لم 
تدفغ لى غدّاء فسأارميك أنت وضفدعك التى لا تكف 


عن الثقيق في الشارع». وأردف: «أنا مش ناقصني 


138 


مجانين». وتخقل نفسّه من جديدء يفغرز إبرة الفخذر 
في عنقه, ويُمدّده على سطح مكتبه القَذِسن ويفتح 
صدره بينشار. ويُخرج قله ويقضمه. وخلص نفشه من 
هلوساته قبل أن تتفاقّم, وأعطاه ظهره. وصعد إلى 
غرفته. 


كانت معيّمة على عادتهاء ألقى جسده المُنهك على 
السرير دون أن يدير زد الضوءء. كان بعص الثور يعسلل 
من أعمدة الشارع إلى غرفته, وألقى رأسه على صدره, 
وأرات أن يبكيء. ولكن صوت الشيخ إمام أنقذه: «لا تبكِ 
فاحزانئ الصّغفَرِ... تمضى كالخلم مع الفَجر...». 
وأطربه الضوت, وخُقل إليه أنه يسمع صوت الفقود, 
العود إتّاه. وتمايل على ذلك الإيقاع الحزين الجميل, 
ولك الوتر الخامس انقطع. فانقطع معه اللحن, وسادث 
فترةٌ صمتء قبل أن يرى أباه في الزاوية البعيدة عند 
الكقام. وهتف: «أبي؟!». كان جسدة يغطيه ظهره, 


ع 


ويرى من فوق كتفيه نصف وجهه مائلاً نحوه قليلاً قد 
وَشَحه الضوء القادم من الشارع. وهتف تانيةً: «أبى؟! 
أهذا أنت؟!». وسمة صوث أبيه يقول له: «ملعون». 
ولم يتوقغ أن يُردد أبوه ما يُردده الغوغاء. وهتف في 
هذا أبى!!». وشعق أت يدّين ضخمتين تسحبان قدمّيه 


139 


إلى قاع بلا قرار. وخبط الأرضٌ بقدميه ليوقف هُوُتِه 


وسمع أباه ينطق في العتمة: «ملعون... أحرقت كتبي 
يا ملعون, أحرقت ما أنعجثه البشريّة من حضارة. هل 
تعرف حجم الخطيئة التي ارتكبتها؟ لو كنت اتخذت 
من جلودها جذاءةَ لقدميك لكنث غفرثُ لك, ولكن أن 
تنركها للتيران تلتهمها فأنتَ ملعون». رد عليه: «كان له 
بدت من القخلص منها؛ المكتبة مغل القبور لا بُدَ في 
التهاية من رَذمها». وهتفً أبوه به: «ملعون. إن إحراق 
من جديد». وسمة صدى قفهقهته: «لقد انتهيت». «يا 
أبس أ تقل ذلك !». «ملعون؛ بماذا تختلف في هذا لعن 
هو لاكو ؟!». وهتف بحرقة: «يا أبي!». وقاحَ من مكانه 
ليسأله الغفران. ولكته كان قد ذاتٍ في الظلام, كما 
تذوب ذبالة المصباح في البلورة قبل أن تنطفئ. 


140 


014 
لم تعذ تأكل من صَحنىي؟! 


كان يخبز في اليومح أكثر من تلاتمئة رغيف. 
حرارة الفُرن كانث تثُذيب أوهامه, كان يجذ فى الخبز 
طعامه,. وكان صاحب المخيز يُعطيه فى اليومح عشرة 
دنانيس. إنها كافية من أجل تحقيق الحلم الهارب. كان 
يعمل كما لو كان الة2, يعجن,. يكور العجينة, ينقرها 
برؤوس أصابعه., أصابة جزاح هىء أو أصابع عازف 
البيانو؟! يُرققُها حتى تصبح بدرًا كاملا يرفعهاء يُديرها 
على مركز إبهامه كما لو كانث توت عروسنى ترقصء ثم 
التار. تنتفخ, تنبث الفقاعات2, يسرى فيها اللهب, و... 
تفوخح رائحة الخبز الشهى, يملاً منها صدره ويبتسم, 
على الظاولة, تمتت إليها أيدى الجوعىء, ثم تصبح بعد 
قليل في بطون الزبائن... حقى عندما ننضج هناك مَنْ 
يأكلنا. هناك من لا يعيش إلا إذا أكلّ خُبرّ الآخرين... 
ويغيث في تهتؤاته, ويبرز له ابوه من خلف اللهب في 
اعمق نقطة من الفرن.ء. ويذهل عن نفسه. بُوقظه 
صاحب المخبؤ: «ما الذى أصابك؟ لقد كنت تدور مثل 
مغزل. تعمل كانك مجموعة من الختازين في واحبي 


141 


لماذا توقفت هكذا فجاة مغل الأبله؟». ينفض رأسه, 


ويرت: «لا شىء». عات إلى عمله, أنضج الخبز بهقة دون 
أن يتوقف لحظة, رمقه صاحب الفرن وابتسم راضبًا 


لكت أباه برز له مّة أخرى من داخل الثيران. وهتف به: 


«ملعون, لقد أحرقت كنبي ». لم يحتمل هذه المزة, 


انتفخث رئتاه. سرى في أوداجه دم الغضبء انفجر: 
«لم أكن أنتمي إلى ذلك المكان؛ ولذلك أحرقثها». صرخ 
ذلك المكان؛ لم تكن تنتمي إلا إلى قريتناء هل نظن 
نفسك أفضلّ متي؟ لقد طفث بلدانًا كثيرة. ولكتني كنث 
مغل نبعة زرعث خارج ثربتها2. نحن لا ننمو إل في 
تربتناء كان قدَري أن أعود. وقدرك أيضًا»ه. صرخ به: 
«كفى». هشرع إليه صاحب المخبز على ضراخه. هدّأ مِنْ 
رَوعه, سقاه بعص الماء. أجلسه, هدأث ثائرته. وسكنث 
رجفته. حذره: «سأعتبرها المزّة الأخيرة,. لقد أفزعت 
الزبائن» إن سمعئك تصرخ مزة أخرى فلن تدخل من 
هذا الباب». وطرده بعد يومينء كان يصرخ في اليوم 
أكثر من خمسش مزّات. ووجد نفشه بلا عمل. دفع بعض 
ما جمعه للفندقء, وأمل أنه بما تبقى يستطيع أن يخرج 
من عنق الزجاجة. لكنّ عنق الزجاجة كان طويلاً 
وأملس, كلما مشى فوقه زلقث رجلاه فسقط في القاع. 


102 


قال له (هارون): «لقد سألث عنك الجميلةٌ مزة 
أخرى؟ لماذا تتجاهل الأمر؟ إنها تستحق أن تقضىي 
معها ولو ليلةَ؟ الجميلات لا يبذلن أجسادهن دائِمًا». 
لعنه في سِرّه. ومضى إلى غرفته. كانث غرفته باردة, 
هواؤها صقيع. وأطرافه متجقدة,. بحت عن الذفء في 
قلبه. فوجده هو الآخر كتلة من الرّجاج يكادت يتكشر 
تحت ضربات الأقدار. أرات أن يتناول دفتره الجلدئ, 
ويكتب فيه شيئاء كان يعرف أنه يحتاج إلى أوراق 
بعدد التجوم في الشماء من أجل أن يفزغ معشار ما 
في عقله من كلمات, ولكته لم يستطع أن يكتب كلمة 
واحدة. شعر بألم في روحه لهذا العجز, إِنَ في فمه 
عطشٌ. الصحارى المقفرات. وفي عقله ماء الفحيطات 
المالحات2, وهو مع ذلك كله غير قادر على أنْ يشرت 
كأسَا واحدة. 


كانث هذه المّة تنتظره فى التهو. راودها 
هارون: «صحيح أئني لسث في مثل شبابه, ولكته لا 
يملك المال الّذى أملكه, وعليكِ أن تعرفى لمن تبيعين 
هذا الجسد؟». شتمثه وظلث قابعةً فى كرستها. عندما 


رأثه هقيلاً نهضث على قدقيهاء واختصرث بعص 


الخطوات عليه والتقثه فى القلب2. ومتدت يدها 
مصافحة: «انا ليندا». وقف كانه تمغخال, وضتق عبتيه 


143 


وظل صامئاء دفعث هى عجلة الكلام إلى الأمام قليلاً: 
«أنا أعرفك؟». ضيّق عيتيه أكثر, ثم أدارَ رأسه إلى 
الجهة الأخرى: «لا وقَت لدىيّ». ردث: «كلنا لدينا بعض 
الوقت». «أنا متعب». «أنا هنا من أجل أَنْ أريحك». 
«مَنْ بعتك إل ؟». «الشماء». ضحك يصوت عالء: 


وضحكث هى الأخرى: كانث فى أواسط العشرينقات 


من غمرهاء شابَة ناضجة أكثر من أرغفة خُبزه ذات 
الزائحة الشهيّة, وتابعث: «هل يُمكن أن نجلس في أي 
مكان لكي نتحدث؟». زخ شفتيه. فحصها بنظراته من 
جسدها الممشوق, الذي تعراتث فيه الخرُون والشهول 
بتناسق مُذهل ليس فيه للضدفة ولا الزيادة موضع: 
«ما الذي يجمعنا حقى أقَبلَ بعرض سخى كهذا؟». 
ردت2, وشفتاها القرمزيّتان تشكلان دائرة كأئها تهة 
بقبلة: «اليتم». «يتيمة؟». «متلك!». وضحك: «إنّ 
المصائب يجمغن المصابينا». ردث بعنج: «يُمكننا أَنْ 
واحدة». وهر رأسه, وبدت له كما قالث بالفعل, 
وأردفث: «كان أبي صديقٌ أبيك». «طردثنا الحاجة 
اذا ؟». «قلث يُمكنثنا أَنْ نقول كل دتمي ع 2 لكئ بعيدًا عن 
هذا المسخ ». وأشارث إلى هارون. ومشث أمامه دالية 


من عنب تندلى فظو فها وتتنساقفظ حبا تها, و تشعز ائها 


104 


سَحرّته, وأنه وقَع في شباكهاء فتبعها كالمأخوذ, كان قد 
محيطات القلب تنتظر تلك اللحظة, ثم من ذلك الشَّقٌّ 
تسرّبت القطرات في البداية,. لكي تسمح للباقيات أن 
تتدافع شيئًا فشيئاء ثم انداحت بينهما المياه حقى كادا 
يغرقان فيها. 

كانث تقسمُ أتَامَه بينها وبينهم, «لك تنصف هذا 
الوقت, ولو كان لدي ما أريثئ. لوهبثك كل أتامي». 
وسألها: «لماذا أنا؟». وغاصث في عيتيه: «أنا إحدى 
مريضاتك في مستشفَى القلبء ألا تتذكرني؟». وحاول 
أَنْ يتذكّر. ولكته لم يُفلح,2 وهتف: «فلماذا اخترعت 
قضصة صداقة أبي مع أبيك؟». «لقد كان ذلك طعمًا». 
ألصقّ لسانه في سقف حلقه. وسألها: «ولماذا لم آكل 
قلبك مغل البقيّة؟». فردث: لأنّ قلبي قلهِك, هل يأكل 
الظبيث قلمه؟!». 


كان زبائثها من أبناء الدّوات, وكانث تجني في 
اليوم ما يجنيه الوزير في شهر: «بعضهم كرماءء وأنا 
أعرف كيف أكون كريمة معهم ؟». وشهتمها: «رخيصة؟». 
فردت: «سعري أعلى من سعرك وسعر أبيك وأمقك, 
وقريتك كلها». «مَن يبية جسده؟!». «مَن يملكه». 
«يُمكننا أن نكسب المال بطريقة أخرى!». «مقل ماذا؟ 


145 


أن نأكل قلوب الآخرين متالاً؟!». «أفضل من أن نأكل 
أعضاء هم التناسليّة». وقهقهث: «في هذا العالم, أفضل 
أن أكون مومِسًا على أن أكون قديسة». 

وقضى معها عامًا كاملا كانث تثغيق عليه كل ما 
تملك, جسدهاء ومالهاء. وقلتها. وروعحهاء حقى أتخمثه., 
وسألثه أن يسكن في شقتها الفارهة بدلا من غرفته 
القذرة,. وبوؤسه. فرة: «لن أترك ضفدعي ». «مجنون ؟». 
«وملعون أيضًا. ولم أجيزكِ على أن تدخلي من ذلك 
الباب الفهترئ في ذلك اليومح». «نتزقج ونخرج من هناء 
ونبدا حياة جديدة». «لا مستقبل أنتظره لكي أبدأ معك 
حياة جديدة, ولا ماضي يدفعني لكي أسف عليه؛ ولا 
أريث لامرأة أن نشالاكتني؟ فى شىيء. أريث أن أبقى 
وحدي». «لقد كنت طبيبًا بارِعَاء أسرتني في ذلك اليوم 
الذي جئثك فيه». «إن الظيور على أشكالها تقع». 

وقالت: «يُمكن أن تعمل معي في الفندق؟». 
ورت: «لا أملك جسدًا كجسدك». تضايقث من تغابيه: 
«إتك طبيب, عقلك بضاعتك, ويمكن أن تبيع ما 
تعرف». ورت: «أؤل مزة أرى بائعة هوى تتحول إلى 
فيلسوفة!». «لا تتذاك. يُمكن أن تعمل في الصالة 
الزياضيّة طبيبا». ورثبث له لقاءً مع مدير الفندق, 
وأذهلثه شهاداثه. وشعرّ أنه وقع على كنز. وقال له وهو 


146 


يشت على يده: «أتمتى أن تكون كفاءتك مع زبائئنا مثل 
كفاءة ليندأ|». 


واستلة عمله الجديد, كانت الضالة تعخ بالتساء 
الفخمليّات2. وفي غضون أسبوع كان قد تحول إلى 
موضع المدلك2. وراحث أصابعه تعزف بمهارة على 
أجسادهن الليّنة. فتثير فيها كوامن الرزغبة2 وتهافتث 
إلي صالته التجكعات, والبظات. والقّزالات2. وأصناف 
أخرى ليس بينهن جامة سوى أنْهن نساء يبحثنَ عن 
جمالٍ شاريء وعمرٍ يخشين أنْ يضيع بسرعة. وشْرّ منه 
المدير. وتحوؤل مع الوقتٍ إلى طبيب نفسى للتساء 
القايمات من ذلك المجتمع. وكان لسانه يدور في فهمه 
بكلام معسول يمزجه مِقا يعرف ويحفظ حثتى سحر 
كل مَن ألقى صوته في قلوبهن2. وشعرّ بأنه ينضح 
بالقذراة. وكان يرى أن دنسهن هو مرضهن, وخظطط 
للظريقة الفتلى لتخليصهنّ من ذلك المرضء. وفكر: 
«آكل قلوبهن كما كنث أفعل في ذلك المُستشفى.. 
أحقنهن بالحقنة التي تزيذ الرزغبة... أدخلهن العالّم الذي 
أدخلثني فيه الشماء...». ولكن أفكاره هذه لم تجذ 
سبيلها إلى القطبيق. ورصدثه الكاميرات يصنع ما هو 
خارخ عن حدود عمله. فتفاضى المدير عن ذلك في 
مقابل براعته في جذب الزبائن. ولك فرحة المدير 


147 


بتدفق المال بدأث تمتحول عندما حدتث أول حالة وفاة 
في الضالة. وانتهى تقرير الظت الشرعي إلى أنها سكتة 
دماغيّة, ثُمه حدتث حالة وفاة ثانية, فتالغة. وراحت 
الشكوك تحوم حوله., ودتٍ الذعر بين التساء القادمات 
من خلف الأسوار الحصينة, والبيوت التي تتدلى من 
أسقفها العالية الثريّات المُذهبة. وانتهى به الأمر إلى 
الشارع. وعات إلى عظاح أبيه. وسأله القَوّال: «لم تعذ 
تأكل من صحني ؟!». وطمأنه: «أكلث من صحون 
كثيرة. ولم أجذ فيها أطيت مِمقا وجدثه عندك». وراخ 
يتسكع من جديد. وانسات في الظرقات يجمع أوساكخها 
ويسيل مثل ماءٍ فاسي عَفِن. 


وجلس في زاويته التي يعرفها سمعة فى قهوته, 
وجاءته ليندا: «ما الذي فعلتقه؟». «لم آكل قلت بشرئ 
منذ ذلك الزمن البعيد». «ولماذا كن يَمُثْن؟!». «التقرير 
الطظتَى قال إنها الشكتة». وحدذقث فيه مُنكرة: «قل هذا 
لغيري !». « له تنسشىي أنني طبيب». فكزرت: «قل هذأ 
لغيري !». فضرب الظاولة بقبضة يده. وشذ على أسنانه 
تكفي عن رؤيتي فسيكون قلهبْك هو القلب الذي آكُلَه 
0 الحقيقة». «لقد فعلت أتِها الظبيب الوسيم». «لا 


أريد أنْ أراك». «لم أفعلٌ لأحد ما فعلثه لك»., «هل 


148 


كا بالكاء على الأطلال؟». «لقد أحببثك». «أنتِ ا 
تعرفينني». «أنا أعرف منك ما يكفي لنعيشٌ. مقا ». 
صرح هذه المرّة وقد وقف على قدميه: «لو رأيث 
وجهكِ مرّة أخرى. فسأقوحُ بتشريح جْفّتكِ العفنة أمام 
زيائن هذا المقهى». ووقفت هىي الأخرى, وسارعث 
بالخروج من المقهى, وفكىي روحها تنوخ ألف باكية! 

وأنفقّ كثيرًا مِمَا جمعقه من أجسادٍ المحرومات 
على يضاعة (عيد). وعلى زجاجات التبيذ.ء وكان هارون 
بهش لمقدمه. ويقول: «الزمن دَوَار با دكتور. لازم 
تعيش كما تحت. أنا أحسدك». 

وسمة ضفدعه تنق من مكانه في المقهى, 
وحدتث نفسه: «إنها جائعة». ودخل إلى غرفته., ورأى 
أباه؛ مقرفصًا مثل قُنفذٍ تحت المغسلة, وأشاح بوجهه 


عنك وأرات أَنْ يكنت فى دفتر رقوقه الجلدى, وفكر أنه 
من الأجمل أَنْ يكتب على اللكاران: وكنت بيت عاذ : 
ولا درضيت سِواكُمْ في الهوى بَدَلا 
وأوى إلى فراشه., وخُيّل إليه صوث أبيه قايمًا 
من فم اليئر التي سقط فيها. وهتف قبل أن يُتِمَ 
سقوطه اللذيذ: «أملك المالء ولا بْدَ من الزحيل». 


19 


(15) 
أعزخ مثلّ غُراب 


إنها الكأس العاشرة. إثني أعمى. أسير في دروب 
متعزجة زَلقة. المطر يسقط. الشماء تزمجر. والزيح 
الشديدة تجعل قطرات المطر كأثها رخات رَصاصء أنا 
أحاول أن أفتح فمي لأشرب بعص تلك القطرات, ولكنٌ 
الزيح تذروها عن فمي. إثني أصة, لا أسمغ إلا ضجيجًا 
عميقًا في أذتى,. لا أسمهة صوتيء ولا أسمغ صوت 
الآخرين, الفضاء مملوغ بالأصوات الغريبة, إِنّها ثشبه 
صراصير طيارة تئز في المدى, وتدخل في فمي وعيتي 
وأذتى. أكاذث أختنق. أبحث عن هواء نظيفء المدينة 
كلّها مليئة بهواءٍ فاسيء وأنا فاسدٌ مثلها! 


كانث ليلقه الأخيرة قبل أن يجده المازّة في الشارع 
بين الموت والحياة. وفمه يسيل بالرّتّد من زاويتيه, 
تجقعوا حوله. كان يرقذ على رصيف يبعد عن مطعم 
(هاشم) قليلاء سد المفتجمهرون عليه القضاء فازداد 
اختناقه, كانت يرى أشباحا تتراكمُ من حوله., وأصوانًا لا 
يُميزٌ ما تقول. وناتى بعضهم الشرطة, وجاء أحذهم 
فَتضح الماءة على وجهه. وأبعد التاس. فتحزك قليلاً 
وفتح جفتيه: ولكته كان منفصلااً عمَن حو له كان مُمدّدًأا 
على شقه الأيسر. ذراعه اليُسرى تحت ظهره. وكفه 


100 


مبسوطة تحت رأسه. تيابه رَثَّة وعيناه منتفختان, 
قميصه مّشقوق,2, وتظهر من تحته فانيلة خضراء 
مقسخة, ترتفع عن أسفل ظهره., لتبدو فقراته. وجلده 
الذي حال لونه للشواد كأته مسح به أرضّ الشوق كلهاء 
وكانث ساقاه متنتكين بزاوية قائمة, وبنطاله البْتى يكاد 
يسحل عن وسطه التحيلء عاري القدمينء وكانث ذراعه 
اليُمنى تتهدل فوق حرف ظهره. وتنزل عنه حثى تكاد 
تلامس الأرض. وعظمة زسغه بارزة بشكل جلى. 
ورَشَقَه شرطىئٌ آخَر بالماء. وهتف: «مَن هذا؟». وأزاح 
سمعة القهوجي بعض المتجمهرين وقال لهم: 
«ابتعدوا... ابتعدوا.. أنا أعرفه. هذا التكتور نديم». 
وبدت علامات الاستغراب على الشرطة وبعض الماؤة, 
وأمرهم أحذهم: «أرفقعواأ هذه القذارة», حمله شمعة 
وركن ذراعه اليمنى فوق عنقه. وعرجٍ وهو يهنتف به: 
«دكتور... اصح... اصحخ». ثم نقلوه إلى المستشفى. 
أخذوا عِيْنةً من دمه., وأجِرَّوا له فحوصًا طبتيّة عديدة, 
وبعت طبيبه إلى المركز الأمنى تقريره. ونصح: «يبقى 
في المستشفى لأسبوع من أجل فحص صحخته البدنيّة 
والتفسية ». فال للظبيب الذي بيفحسه وهو بسأله: «يم 


تشع »> فرت: «أشعة أننى فا صغبيز أو كص مذعو دأ 


فى سراديب مظلمة وباردة, أعزخ مثلّ غراب يحاول 
أن يُحلّق فلا يستطيع غير نبش القبور في ساحة 


151 


الكونكورد في باريس مع جورج أورويل في تشزّده, 
لكتني بدلا من ذلك آكلٌ لَقمًا كبيرة من الحجارة يعسز 
على ابتلاغها على طاولة الإمبراطور كاليغولا إلى جانب 
حفنةٍ من الشعير. وأسمع صوت الإسكندر يهتف في 
أذني على التوام كلما رأيث خيول الكاوبوي في أفلام 
الغرب الأمريكي: إن أحسن طريقةٍ لترويض الخيل هي 
أن تجعل عيوتها في مواجهة الشمسء غير أنّ الشمس 
التي أنتظر ضُوءها مندُ عشرين عامًا أبث أن تُشرقء. هل 
هناك أجمل من أن ثفكر بإلقاء نفسك في نهر كما فعل 
روبرت شومان لكي يوحي لك خرير التهر بالحان 
جديدة؟». كان يتكلم بسوعة كأ حروقه ذئاتث تجري 
في سهل تلجى تحت قمر خحخجولء ولهث وهو ينطق 
آخر تلك الحروف وعيناه تحفران الأرضء ثُم رفع رأسه 
إلى الظبيب بحركة سريعة وسأله بهدوء بعد لحظة 
صمتٍ وهو ينظر فى عيتيه: «هل راقث لك؟». بعد 
انقضاء الأسبوع أرسل تقريرًا آخر: «المريض يبدو 
انتحاريًا. إنه يتكلم عن الحريق. ويصعدث درج 
المستشفى في الليل. ويقف في أعلى جدران الشطح, 
ويهة بأن يُلقي نفسه من هناك. ويُكزر كلمات غريبة, 
متل المقبرة الفوقاء والغربان. والعظامم.... إنه ذكى, 
ولكته مخبول. وهو بحاجة إلى مستشفى الأمراض 
العقلية. الموضوع ليس من اختصاصنا». ناسث عينا 


152 


صدير المركز الأمني وهو يقرا الثقرير.ء واطلق زفرة 
المريض إلى المصخ التفسىيّ». 


كان المُستشفى قد أقيم على نَشَرْ من الأرضء بعيدًا 
عن التاس كي يكون قريبًا من اللّه. أملاً في أن تسقط 
رحمثه على القلوب المُنكسرة هنا. وكان يضم طابقين, 
في كل طابق أربعة مهاجع. ضتفث حسب حالة 
المرضىء وفي كل مهجع اثنا عشر سريرًا لم تكن كلها 
مشغولة, وكات - لولاا ملاءات الأطتاء البيضاء, 
والممرضات - يبدو سجتًا لا مصحًاء. ولكن ما الفرق؟ 
وكانث تمتدت أمامه ساحةً فسيحةٌ مزروعة بالورود 
والأشجار.ء ويقوم عدد من الفقال على سقايتها 
والاعتناء بها حثى تنظل بهيجة لعل شيئًا من تلك 
البهجة تنتقل إلى تلك الأرواح الحزينة. 

اعترضّ منذ اليوح الأول على الأدوية التي تعظى له 
قال للظبيب الفشرف: «أعرف حالتي أكتثرّ منكء أنا لا 
أحتاج خقن المورفين أيِها الغبي». لم يقل الظبيب 
شيناء لكنّ اعتِراضّه هذا لم يقف عنده. فكان يعترض 
على وصفات المرضى الآخرين. حتى صرخ به الظبيب: 
«أنا المسؤول هناء لا أنت». «أنت تقتلهم بغبائك, والآن 
هل عندك خقن الليثئيوم أخ أنك سرقتها من هنا لكي 


13 


وجحظثت عينا الظبيب. ومضى لكي يتركه خلفه. ولكنّ 
(نديم) تبعه. وحاوره فوق رأسيى كل مريضء وجاراه 
الظبيب حتى لا يفقد أعصاته. واستمرز يسمعه دون أنْ 


اليه 


> > 
©»>> ا 


وقال للطبيب مزة: «الاكتئاب بوحبي من الوجوه 
جميلء. إنه يحفر فى أعماقك فترى نفسك صافيةً كما 
لو كانث تنعكس على مراة بلورية من الماء في ليل 
وادع. إنه حقيقى أكثر من هذه الأقنعة الكاذبة التى 


تلبشها يا دكتور!». 

وحصلث (ليندا) على زيارة خاضة له. سألها وهو 
يجلس إلى طرف الظاولة المقابل لها: «ماذا دفعتٍ لهم 
حتى تحصلي على مثل هذه الزيارة. جسدك أم مالكِ 
القذر؟». فردث وهي تغوض في عيتيه اليتيمتين: 
يت ارات شتفت !لايم وسأل ببراءة: «أنا؟». 
فردتث بحرارة: «نعم أنت!». «وما الكذبة الجديدة التي 
ستقولينها عن معرفيتيك بي هذه المزّة؟ ها؟ هل 
ستقولين إن أمقك التي كانث ثؤمن بالخزعبلات تأتي 
إلى قريتنا لتكتت أمي لها الخجب؟ كنتٍ زميلتي في 
كليّة الظت, ولكتك كنت تخافين من الججفث؟ سرقث 
من شقتك الفارهة اللوحة الأصلببة لصرخة إدفارت 


154 


مونك؟». وصمت قليلاً قبل أَنْ بُتابع: «تعرفين؟ لو 
كنت أستطيعء سرقة تلك اللوحة على الحقيقة لفعلث؛ 
انها أكتر لوحة تثمتلني!». وظلث صامتة تنظر في 
عيتيه2 تكاد تبكي, وهتفث بعت ذلك: «أستطيع أنْ 
أخرجك من هنا؟». «لا أريد أَنْ تفعلي». «هل يُعجبك 
المكان؟». «كالاً, ولكن سأخرخ بطريقني». «سثعيد و نك 
إلى هنا». «لا تكوني حمقاء». «ألا تريث أَنْ تعيش 
خدًا؟». «أنا خخ هنا...». وأشار إلى رأسه. «أنثه سيث 
متاعبك». «هل تحاولين ممارسة دور الأة؟!». «أنا 
أحتك». «الحت كذبة. الشعراء هم الذين كذبوا على 
الثاس به. وأفلاطون أخرج الشعراء لكذبهم من مدينته 
الفاضلة. لبن في قلبي مكائ للخت». «لماذا لا توقَف 
هذه الحرب بينك وبين نفسك؟». «هل سأجث السلاه 
عندك مثالاً؟!». «هدنة على الأقل؛ أما تعبت ؟». «أفضضل 
أَنْ تبقى الحربٌ قائمة». نهضث وهىي تلملمُ أشياءً ها 
من فوق الظاولة: «سأزورك مّة أخرى عندما تكون 

ند أفضل». «أريث منك خدمة». «أنا لك!إ». 
«ادفعي للقذر هارون أجرة غرفتي ريثما أخرخ من هنا. 
إن في غرفتي أشياء عزيزة جدًا على, أخاف أن يُلقى 
بها إلى الحاوية, ويُؤجر الغرفة لمجنون آخَر؟ اللّعين لا 
يكف عن مجيئه في الليل إلى هنا وهو يصرخ: لم تدفغ 
أجرة الغرفة منذ شهرّين يا دكتور! إنه وقح؛ يقف على 


155 


باب غرقتي عاقِدَا ذراعه حول خصره., ومشيرًا بأصابع 
يده الأخرى أمام نزلاء المهجع باحتقار: ادفغ ما عليك 
يا دكتور!! هل رأيتٍ وقاحة أكثر من ذلك؟! أسكني هذا 
البدين الخراضم وأدقعي له الأجرة». «حاضر». «اشى ث 
أخذ أخير؟». «عيوني». «أطعمي مبروكة». 


كانت جدران مهجعه بيضاءء, خالية من أي شيء., 
باستثناء ساعة سوداء كبيرة في منتصف أحد هذه 
الجدران. كانث تدق على رأسٌ. الشاعة, وكان لا يسمعها 
إل إذا انتصفّ الليل حين تدق اتنتي عشرة دقة, صبر 
علها ليلكين. وفي منتصف الليلة الثالقة قاح إليها وقلبها 
لا يزال يدقء فأخرجٍ أحشاءها وأعاتها كما كانث, لكن 


يدون عقارب! 


طلب من الظبيب دفترّاء سأله: «هل ستكتب؟». 
رد: «نعم... وفرشاة». «هل سترسم؟». نعم. وكتاب 
الظاعون». «هل ستقراً؟». «نلعم » ورفة نظره إليه 
وسأله: «هل القراءة والكتابة والرزّسم دليل صحة أم 
مرض أتها الَلبيث الذكى؟». قال لمساعده منفردين: 
«أعطه ما يريد, وراقنه». 


أدار سريره ليصبح حرفه الأطول متوازيًا مع 
الحائط, ودفعه إليه حتقى ألصقه به, وقفز بالفرشاة على 


16 


الشرير. وراحخ يرسم. جلسّ المرضى الاخرون يراقبونه 
مبتهجين. كانث عيونهم معلقة به طوال الوقت, وهو 
يمزر فرشاته على البياض. بعد ساعتين نزل عن 
الشرير. ووضع فرشاته داخل الوعاءء. ونظر بانيشاء إلى 
لو حته وسألهم: «ما رأيُكم؟». كانت اللوحة قد رسصث 
جسدًا نحيلاً عاريّاء مُباعِدَا بين ساقيه اللّكين كانتا 
أقرت إلى غكازتين منهما إلى ساقين, وجذهًا مائلاً 
يحاول أن يحمي نفسه بلف ذراعيه حوله. ورأسًا يتطلع 
إلى الخلف بعين مرعوبة. وفمًا مفتوعًا يظهر فيه 


صفان من الاستان كلها أنياب, وعنقًا رفيعة كاتها حبل 


مَجدولء وكانت هناك أكف متوخشة كتيرة كأثها قنابل 
معساقطة فوق هذا الرأس ذي العين المرعوبة تمد 
أصابعها التي تنتهي بأظافر طويلة كأثها سكاكين تهة 
بالانغراز في ذلك الوجه أو تلك العين أو العنق أو 
الجذع. 


اقترت أحذ المرضى من اللوحة, وتأقلها طويلاً 
قبل يُصفق بكلتا يديه إعجاباء ثم ينفجر بالضحك, وهو 
يقول: «إنها لوحتيء إنتك تعرف ما يدور في عقليء أنت 
بارع يا صديقي». وضحك نديم بدوره., وأصابه شى م 
من الفخر. ونظر إلى أولئك الذين يتقاسمون معه 
المهجع,. كانوا سثة, وهتفّ بهم: «لماذا لا نلهو قليلا 


157 


لماذا لا نستمتع؟ هيا يا رفاق... أريدكم أن تملؤوا كل 
هذه الجدران بالؤسومات». 


لم يكن أحث من العاملين في المستشفى يدري 
لماذا لم يردعهم الظبيب الفشرف على المهجع عن هذا 
العبث, وحين تدخّل مدير المستشفىء قال له: «هؤلاء 


مرضاي, وانا المسؤول عنهم 2 وأنتَ تعرف اكثرّ مني ا 


العللاج بالزؤسم ممكن ». 


بعت أسبوع كانت هناك أكتر من عشر لوحاتٍ 
كبيرة مرسومة على الجدران الأربعة. وتحوؤل المهجع 
إلى معرضٍ فتى سوريالى. لقد رسموا أجسادًا تخرج 
من نفسها لتشكل سربًا من الأجساد الضغيرة التي تُشبه 
الأغربة,. وجماجم لها أفواه من الأعلى, وأيادي لأجسادٍ 
أخرى تمقتت إلى أعناقها محاولة خنق نفيهاء وبعض 
الأجساد تجلش على أعناقها وحوش... رسومات 
عديدة, لكنة الذي استوقف نديم كما استوقف الظبيب 
المسؤول لوحتان2. واحدة عمد رشامها إلى جعل 
الموضع الذي فيه القلث فارغًاء ورسمةٌ أخرى شبيهة 
بالأولى. كان جسد الشخص المرسوم فيها كله مُلظخًا 
بالشواد إلا موضع القلت فقد كان أخضر., يُشبه نبتة 
قادمةً من الليل,. شراييئها جذور مورقة. وسأل الظَبِيبِ 
المسؤول (نديم) وهما يقفان عند الأخيرة: «ومَن 


158 ْ 
صاحث هذه؟». فرة: «انا». 


19 


(16) 
. 1 7 1 0 7 5 ان الأرض! 


وسأله الظبيب بعد أن عرف قضنه: «كيف انتهى 
بك الأمر إلى هنا؟». فرت وهو يبتسم بسخرية: «مثلما 
انتهى بك». تجاهل رَدَه.ء ولوى عنان الكلام إلى جهة 
أخرى: «أعني كنت الأول في الثانوتّة على مُستوى 
الدولة. وتخّجت بمعدل عالٍ في الظت, وكنت أمهر 
من أستاذك في التشريح. وعملت أنجح العمليات في 
مُستشفى القلب... ثُم تنام في غرفة مع ضفدءع؟! أنت 
لست مجنونئًا أليش كذلك؟». «أنت كيف تراني؟». 
«تتصئع الجنون!». «إِذَا لماذا أنا هنا؟ لماذا لا تُخرجني 
من هذه المهزلة؟». 


خرج من مهجعه. طاف المهاجع الأخرىء إنها 
سبعةً. كان اثنان منها في طابقه مُغلّقين. هما الشتابع 
والقامن. حاول أن يفتح الباب المُؤدتي إليهما ولكته 
أخفق. خظط في الليلة الثالية لاقنحامهماء فك أحد 
أذرع الشرير الذي ينام عليه. ومشى في الرواق الفعتم, 
إلى أن صار في مواجهة الباتين اللدّين يُؤدَيان إليهماء 
اختار المهجع الذي عن يمينه. وهتف: «أصحاب 
اليمين». خلع الباب بالذراع الحديدية التي معه 
بسهولة. ودخلء كان المهجع مُعيِمًا وبارِدَاء وتفوح منه 


1060 


روائح غريبة, قدر أنّها بسبب العفن أو الرطوبة وقلة 
تعزض المكان للشمسء لكته عندما خطا أوّل خطوتَين, 
شَمَ رائحة يعرفها تمامّاء إنها رائحة الجفث البشرتّة, 
فكر: «هل كانوا بُشرزّحون الأاحسات هنا؟! هل هذا مصخ 
أه مفستشفى ؟!». طرد الشؤالين, وأراد أَنْ يخطو خطوة 
ثالغكة قبل أن يتراجع ويُفكر بإدارة زر الضّوء لكي 
بُشاهد المهجءع تحت الثور.ء كان لا يزال بينه وبين 


قابس الكهرياء خطوة, لف حذعه قلبلاً دون أَنْ يبرح 


مكانه, ومت ذراعه إلى القابسء وما كاد يضع يده عليه 
حقى أحشى بأنَ يدا باردة - هي يذ جِثّة يعرف ذلك كما 
لو كان يرى - تقبض على كفه وتعتصرهاء ومع ذلك 
أتم الضغط على القابسء ليغمر التوز المهجة بأكمله, 
وينكشف عن مناظر فرعبة, كانت الأسزة الاثتي عشر 
التي في المهجع يتمتد فوقها الموتى2. وقد شجيت 
أجسائهم على طول الأسرة. وأيديهم إلى جوانبهم 
مسدلة,. ورؤوسهم تستقرز على المخدات بهدوء كأتهم 
نياخ يحلمون. وخفق قلبه بشذة, ثم تراءى له من بين 
هذا الهدوء أن أحدهم تحرّك, ونهض بجذعه. وراح 
يتكلم. وانخلع قلبه. ثم هتف: «أعرف أن هذا غير 
حقيقى., إنها هلوساتٌ بسبب العقاقير التي يُعطونها لنا 
في هذا المصخ اللعين». نفض 500 لكي يتخلص من 
المشهد, لكثه رأى أحدهم قفز في لحظةٍ فوق الشرير, 


161 


واستوى واقِفًا وراح يدور حول نفيه. وهذه المرّة لم 
يحتمل. فتراجع إلى الوراء. وهتف في سِره: «أنا 
طبيب, لا أؤمن بالأوهام... لا وجود لهذه الكتلة من 
الوهم إلا في عقلىي... رتما يحتاج عقلي إلى جراحة 
لإزالة هذا الورم المُتضحّم منه». وتقرَرأسَه باثتجاه 
الزاوية اليُسرى البعيدة كما ينقر العصفور ثغبة الماء, 
رأى مشهدًا جعل ثرقوته تعلو وتهبط بسرعة. ولم 
يستطغ أن يبلع رِيقّه من الهلع؛ كان هناك حوض ماءِ 
زُجاجئ كبير. وطفل تدففه أيدِ غيز مرئيّةٍ إلى أسفل 
الحوض تحاول إغراقه. وراح هو يُحرّك يديه ورجليه 
في الهواء كأئه هو الذي يغرق. وشعر أن هواء الغرفة 
قد تلاشهّى فجأة, وأنه يختنق, وأنه يبلع ماءَ كتيرّاء 


وسمعء صوت الماء فى تلك البركة فى ذلك الزمن 


الشحيق؛ الضوت ذائه, وجاهت أن يصرخ. وانحبستٍ 
الضرخة في صدره. وشت على رئتيه كثيرًا قبل أنْ 
بُخرجها كأئها بركان انفجرَ بعد طول احتّباسء, وارتجَث 
جتبات المهجع لصرخته. وتراجة إلى الوراء على 
قدمين راجفتين. حثى إذا صار رأشه إلى جانب القابس 


الكهربائي. ضغط بإصبعه الفرتعشة عليه فانطفاً التور, 


و تالاشت الجحقتث, وأعتم المكان. ووحد في ذلك راحة 


ثم هنتف فى أعماقه: «لن تهزمنى هذه الهلوسات». 
وصمت وهو لا يزال جامِدَا مكانه, تثُمَ أردف: «ولن 


162 


توقفني عن اكتشاف المكان». وخطا لتفقد المهجع., 
ومشى وهو يُحدث نفشسه: «إثني أرى في الظلام بشكل 
أوضح». كانت الأسزّة فارغة تمامًاء مغطاة بالملاءات 
البيضاءء ولها رائحة العطن الذي شَّقه أل ما دخل إلى 
هناء. ليس هناك ما يبعث على الزيبة. وراخ الآن يتبختر, 
وهو ينفض ساقيه في الفراغ. عاقدًا ذراعيه خلفًٌ 
ظهره, ويترئم بأغنية قديمة, حقى إذا وصل إلى نهاية 
المهجع الفسيح, خُيل إليه أنه سمعء صوئا قَايمَا من 
تحت الشرير الأخير. ضحك ضحكة خفيفةً وهتف: «لا 
تلعب معي يا دكتور». ولكنّ الضوت خمد للحظات, ثم 
عاد إنه ليس صونا واجداء إنهما اتنان: «هل هما خِتتان 
تحاولان إخافتي ؟!». ردد بفئحد: «لم تُخِفني الحقيك 
وأنا في أقل العشرين من عمري أتام الجامعة, 
أفتخيفني الآن؟!». وركل الهواء بقدمه. ولقح في 
الفراغ بقبضتيه. وهدأ الضوت, حقى إذا أراد أن يُدير 
ظهره ليعود. سمع الضوت من جديد. فتوقف هذه المرة 
بهدوء. ضابطًا أعصابه. ثم فحدقًا في الظلام إلى هذا 
الشرير الذي يُصير هذه الأصوات. وعلى بعض التور 
الشحيح القادم من النوافذ تبعثه بعض الأعمدة 
المركوزة في حديقة المصخ شاهد سطح الشرير خاليًا 
تمامّاء ونظيفًا وفرتباء. وفعدًا لمريض فحتمل في 
الفستقبل. وإذ ذاك سأل نفسه: «ماذا لو كان مريضًا من 


163 


الماضي؟». وفكر أكثر: «ماذا لو مات هنا... ماذا لو ماتا 
هنا؟ ماذا لو كان هذا الضوت هو لروحيهما؟» وسأل 
بعد لحظة صمت: «هل هذا ممكن؟». وأجاب نفشه 
على الفور: «وَلِمَ (2؟». وحل ذراغيه من خلف ظهره, 
واقترت خطوة من الشريرء فتناهى إلى أذنه الضوتان 
من جدييء وكانا صوثين بهيجين. يضحكان ويُغتيان, 
وأرات أن يصرخ بأنت أحدهما هو صوث أبيه وأت الآخر - 
لولا أنه حئن ويُفكر بهذا الأمر الآن - يعوذ له. لكثه كتم 
أنفاسه ليسمعهما يُغتيان. وأحش أن أحدهما دعاه إلى 
مشاركتهماء وتلقت حوله: «أنا؟ هل أنا المعنى بهذه 
الدعوة اللطيفة؟». وجاءه الرّت ناعمًا: «نعص يا أبا 
نواسء, ألا تشربُ معي مثلما كنا نشربُ في الدّنيا». 
«بلى. ولكن!». «من دونها يا لني . غُئئا». وراحث شفتاه 


3 تنككظذان دون إرزرادته: 
زُدَا على الكاسَّء, إنكما 
لا قذوريائن الكاسشّ ما خدى 


وتمايل طروبًاء وشعرَّ أن كاسًا بلوريّة. قد وقعث في 
يده. يتساقظ الحباب عن جانتيها. وهو يعت منها 
مُلعذا وراح صوث أبيه يُكمل : 


لا تغذلا في الزاحء إنكما 


104 


وسمة صوتثا آخَر رفيقاء يفوح بالتشوة يختم الإيقاع: 
إن كنثما لا تشربان معي 
خؤف العقاب شرنثها وخدي 
ودارث به الأرضء وسقط سقوطا خْرًّا هذه المرة. 
قال له مدير المستشفى بحضور طبيبه الفشرف عليه: 
«ما الذي أدخلك إلى المهجع الشايع؟ كنث سأدعو 
الشرطة لترفع البصمات عن الباب, لقد كسرثه يا نديم. 
ولكثني لن أدعوهم. سنحل الأمر هنا دون تدخلء أنت 
زميل2. أعني كنت زميللاً سابقًا2ء ولا أريد للأمور أنْ 
تتفاقم على نحو ستبئ. والآن؛ لماذا كسرت باب 
المهجع. ودخلت إليه؟ عَم كنت تبحث؟». فأجاب: «عن 
فكرة ضتعثها فى البئر». «لا تنغات يا دكتور. هل تريذ 
أن تحل المسألة أم تعقدها؟!». «يا صديقي أنا لم أدخل 
أي مهجع غير مهجعيء ولم أكسز أي باب. عن أي شيءِ 
تتحدث؟». قال طبيبه الفشرف: «أنا أصدتقك». ونظر 
إلى المدير: «إانه لم يفعلها». وجحظث عينا المدير, 
وأرات أن يصرخ., ولكن الظبيب قام واقترب منه: «دع 
الأمر لي ». فرذت بهميسى غاضب: «هل أنت مجنون ؟». 
«على نحو ماء الحل ليس في اعترافه وهو في وعيه؛ 


165 


بل في اعترافه في لا وعيه». «ماذا تعني؟». «اطلتٍ 
من أحدهم أن يُعيده إلى مهجعه. وسأشرح لك». خرجٍ 
نديم وهو يبتسم. قال لهما: «لن تهزماني؛ لم تهزفني 
كلّيّة الظت بكل أساتذتها ومختيراتها وسنواتها 
العجاف2. كي يهزمني مصخ بائس يعيش على ما 
انقرض مِقا يُدعى علمًا». بعد أن خرجء جلس الظبيب 
المشرف إلى المدير قائلاً:. «هل سثعالج مرضانا 
بالاعتراف القسرئ؟ هل هذه وسيلةٌ ناجعة؟! أنا أعرف 
متلما تعرف أنت مثلما يعرف هوء أنه فعلها. نحن نريذ 
تفسير الذافعه فقط من أجل أن نصف له العلاج 
الفناسب. ولا يُمكن أن نعرفه من مريض مغله 
بالإكراه». رت المدير مُعَأفْفًا: «وما الحل برأيك؟». 
«الاعتراف على الورق. إنه طلت دفترًا وأقلامَاء 
أستطيع أن أقول من فعايشتي له: إن عقله يضم مكتبة 
الإسكندر المقدوني الكبرى2 ومكتبة بغداد. ومكتبات 
بطليموس كلهاء. ومكتبة الكونغرس الأمريكى... عقله 
كفب تتحزك على الأرضء دعه يكتب, ونحن نقرأ ما 
يكتب. وعلى ضوء هذه الاعترافات التي يُدوَّنها عقله 
اللاواعي, سنفهم, ولرتما إذا أرذنا أن نحلم أكثر فئمكن 
أن نبني عليها نظريّات في علم التفس كما كان يفعل 
(فرويد) مع مرضاه. أو تقدم فيها براءات اختراع إذا 
كانت الدولة تهتة بذلك». 


166 


قال له طبيبئه الُشرف: «اكتثٍ يا دكتور؛ أليستٍ 
الكتابة شفاء؟!». رت عليه: «تريذني أَنْ أعترف؟». «هل 
يُريخك هذا؟». «زتما لا؛ إلا إذا أخبزتني مَعغْ فَعَلها 
قبلي ؟». «صا هي ؟». «الاعترافات». «وما أدراني؟». 
«قَلِمَ تطلث متي ما لا تعلم؟ على أت حال لا ينفه مع 
الجهل عذن أنا أقول لك؛ فَعَلَّها القديس أوغستينوس, 
وفَعَلها جان جاك زوشو». 


كتنب في التفتر: «اليوم هو القاسع من أيَار لا 
زلث أتخيل أشياء لا وجوت لهاء وأسمع أصوات الموتى, 
وأنتمي لعالّم ليس لي. أعرف أن على أَنْ أشتري دواع 
لكت الأدوية دائِمَا ما تزيد الأمر سوداء عالاوة على أنني 
لا أملك المال». 


«اليوم هو الزابع عشر من أتار... نقَتِ الضفدع 
اليوم عشر مرّات, إنْها تقول: (لقد مللث منكء أنت لا 
تستمع إلى. لقد نصحثك مرارّاء أنعم أتها البشر لا 
تحتون التاصحين). أفكر في أن أرميها من الثافذة إلى 
الشارع. ولكثني أخاف أن تدوشها أقدام المازة. 
العابرون لا تعرف قلوتّهم طريقًا للزحمة!!». 


«اليوح هو الشايع عشر من انار قال لي هارونء 


لا أدرى إن كان هذا اسمه. أو اسم فندقه فحسبء إن 


»>+ 


167 


فتاةً جميلةً قد سألث عنك. ورمقني بعيتين ماكرتين: 
هل هي مومس؟ لا أدري عم يتحدتث. أنا لم أعرف في 
حياتي غير هيام, ولم أحتٍ سواها. إنها بالتأكيد تنعم 
بحياة هايئة في نيويورك مع زوجها الأحمق. لكن لا 
أدري إن كانث أنجبث أولادًَا أم لا؟ هل تُحدث معرفتي 
بذلك فرقًا؟ كتير من الأمور التي نظتها عظيمة - لا 
يستقيمُ دَوَرانْ الأرض إلآ بها - هي تافهة يستوي العلمُ 
فيها مع الجهل بها». 


«اليوم هو العشرون من أيَار رأيث في الشارع 
أطفالاً يُشبهون أطفال القرية يوم البركة, يُميكون قَظَةَ 
من ذيلها ويُلوقحون بها في الهواء. ثم يُغرقونها في 
برميل ماء. هل الأطفال يتشابهون؟! هل تلدهم أقهاتهم 
دايْمَا على هذا التحو؟!». 


«اليوم هو الأوّل من حزيران إتها ذكرى لقائنا 
الأول فى بهو التشريح., كانت خحُلمًا زائفًا. هكذا هو 
الحتٍ إذا قاح على التظر الى القلب دون العقل». 


«اليوم هو الزّابع من حزيران2 الموث رفيقٌ 
مَلاصِقء أراه في الظعام, والشرابء والهواء. وكل شيع 
أراه في وجوه الأطباء الشمعيّة,. وفي عيون المرضى, 
أراهم جتنًا هممتدة2. على أقدامهم أرقامُ موتهم, 


168 


وأكفانهم إلى جانبهم, والخفر العميقة تستعت 
لاستقبالهم. هل يكون الموث واضِكحا إلى هذا الحت؟!». 


«اليوم هو الشادس من حزيرانء لا زلث أعاني 
ضداعًا زارنى من عشرة أتّام. يقولون إنه بسبب قَلَة 
الثوح, إننق لم أنم من سنواتدت سحيقة, ولم يكن 
يُصيبني ضداءغ بهذه الحتة, رتما لا أحد يعرف أن 
الشبب وراء ذلك هو حوارات الفلاسفة والشعراء فى 
عقلي. لقد سمعث الغزالي وابن رشد يتهارشان, كانا 
كل هذا الكمم من الشخونة, ولقد رأيث أبن عتامى ديق 
الظريق على أبي نواسء وهو يقول له: هلكتء فيرت 
عليه أبو نواس: ما هلك إلا مَن قالء ويتجادلان,. وينضة 
إليهما التظام فئيْصتع عقولهما وعقلي معهما بحواراته. 
المعرفة يُؤؤس». 

«اليوه هو الشابعء من حزيران. مستتفيات 
الأمراض العقليّة مكان ملائم للانتحار. إنها أشت الأماكن 
هدوءًا وصفاة للتؤضل إلى فكرة عميقة ورائعة مغلها. 
إلى أينَ يذهب الفنتجرون؟ إلى الله؟ إن الله يفرخ بِمَن 
ساوّع إلى لقائه». 


«أليوه هنو . .. أ 5-35 على وق حه الدقّة أنه يود 


169 
آخر... الأيّام تتشاته, لا فرق بينها إلا بمقدار ما نحيت 


نحن من فرق فيها بسلوكناء. بافكارناء بحركتناء بزاوية 
التظر إلى الأمور الضغيرة التي تبدو تافهةً فيها». 


قال الظبيث للمدير وهو يمت إليه الاوراق: 
«حصلث عليها منه لأقرأها». بعد يومَينء قال المدير: 
«أظن أثنا يجب أن نجرّب معه على مدار أسبوعين 
عقار 0 .5 .|». جحظث عينا نديم عندما رأى الحبّة 
الزهريّة لهذا الفقار تمت من يد المُمرّضة إليه: «أنا لا 
أعاني هلوسات أيها البائيسون؟ مَن الظبيب المجنون 
الذي وصفّ لي هذا الدتواء؟ أنا أعاني من وطأة المعرفة 
أتِها الجقلة. هل لديكم دواغ لهذا؟!». 


فى مساء ذلك اليومح كان سريؤزه فارِعًا. حتّى 
ظلاله رحلث معه!! 


100 


(17) 
مَن أكثرّ الشؤالل خرم! 


كان الوقث لياق الشوارع خالية. والأضواء 
خجلىء. والبيوت القليلة هامدة. والرزيح ساكنة. وكل 
شيءٍ مغر على نحو ما. مشى حتى كلّث قدماه, أعياه 
أن يجد حافلة يستقلها إلى عقان. الجغرافيا قاتلٌ آخر. 
لولا مبروكة وعظام أبيه والرزقوق لما خاطرَ بكل هذا. 
نحن نموث في سبيل ما نحت. الشبيل بعيدة. الغاية 
أبعد. والدروب مقفرة. والقفر أعشب في الخيال. وأنا؟ 
ماضٍ إلى أن يهدأ هذاء وهر رأسه هَرْتَينء وتابة الشير. 


كان مصباح الفجر محمولةا بيد الليل الفرتعشة 
حين دخل الفندق. رأى رأس هارون الضضخمة تستقر 
على سطح مكتبه وهو يفغظ في نوج عميق, نتهثه 
خظواته. استفاق2 نظر بعيتين ناعيتين إليه2. وهت 
واقَفًا: «دكنور نديم.. أهاذ بعودتك!». «هل تريذ أحرة 
الغرفة, إِنْك لا تستيقظ إلآا إذا قرصك المال؟». «لقد 
دفعث صاحبثك الجميلة أجرة الغرفة لسنة. أنا فقط 
أرخب بك. غرفتك بانتظاركء نظيفة, وهايئة, ومشتاقة 
متكلك». 


رَنَ هاتفها قبل أَنْ شرق الشمس: «لقد عاد». 


17/1 


في الليلء التقثه على القهوة, قالث له. وهي تدفغ له 
بتذكرتين على الظاولة: «سنسافز مقا». رمقها بعيتين 
شاكتين: «إلى أين؟». «إلى تركيا». «لن أسافر مع 
أحي». «الخيار لك, لن ينتظروا الضباح قبل أن يُلقُوا 
عليك القبض؛ فرارُ مجنون من المستشفى». استسلم. 
نظرَ إليها مغيضًا إحدى عيتيه على رأسيه المائل: «متى 
الشفر؟». «الليلة». 


كانث ماذن إسطنبول أول ما رآه من الجة. 
طوال الزحلة كان يضع الحقيبة ذات الحراشف 
الأفعوانية في حضنه. ويعقذ عليها ذراعيه2 كانت 
الحقيبة تضم كذلك الدفتر الجلدي. وسأل ليندا أكثر 
من تلاتين مزة في الزحلة: «هل تركت طعامًا كافيًَا 


لمبروكة ؟». 


واحدةق وفى الصضباح, لم تجذه! 


قال لسليم الذي رتب له الأمور: «إتني لن أغامر 
برحلة ما لم تكن مضمونة. أريذ أن أبدأ حياة جديدة. 
لقد تركث تاريخي ورائي. وأحرقث كل مراكبي. وليس 
لي من أمل في العودة إلآ محمولاً على الأكتاف, أو 
مجرورًا في الشالاسل». رد عليه: «ستصل إلى اليونان, 


1/2 


عبر أافخر الشفن. وستحصل على اللحوة خلال ساعات 
ويُمكنك الحصول على الإقامة بسهولة». صمت, قبل أن 
يضع يده على كتنفه ويغمزه غمزة ذات معنى: «وتُمكنك 


.-| 


ان ار حسناء تشقراء ». 


استقلاً ستارة عبرث بهم شوارع لا يعرفهاء 
وخرجث بعد ساعة من الغمران. وراحث تشق طريقها 
في الخكلاء. فتح الحقيبة التي لا يزال يحتضنهاء ونظر 
فيهاء تأكّد أن التفتر سليم, وأن العظام في مكانهاء 
ومزّر بأصابع عازف البيانو على جبهة جمجمة أبيه: 


توقفتٍ الحافلة فجأة, قال له سليم: «هتيا». نظر حوله: 


«نحن في الشارع!!». أشار إلى غابةٍ من الأشجار العالية 
عن يمين الشارع: «سنعبر هذه الغابة. ينتظرنا (قدير) 
عل" الجية الأضرء من هذه الغابة, اديه سقية ضاخم 
ستأخذكم من هناك إلى اليونان, الأمور كلها غرتبة». 
«لقد دفعثف لك خمسة أالاف دولار. هل أنتَ 


تخدعني؟!». «أنت رجلٌ كفيز الشك. هل تريذ أن 


تتصرزف كالأطفال. هياء لا وقت لدينا». مَشَيا عبر 
الغابة. كانت الأشجار قد أخفث عنهما العالم, لا شوارع, 
لا بشن لا حياة, ولا حركة, وحدها أصواث الظيور التي 
كانث تخفق بأجنحتها في الأعالي هي التي كانث تُسمقع 


1/3 


فى هذا الخّلاء المُتشابك. وخشخشة أقدامهما التى 


كانث تدوس القشب أو الأغصان الضغفيرة المفتيتسة 


على الأرض. مَشَيا أكثر من ساعة, قال له: «هل سنبقى 
نمشى التهار بظوله ؟». «لا تكن مُدللا. نحفاج إلى ثلاث 


«هناك. .. ها نحن قد وصلنا...». استقبلهم 


(قدير) وهو يتلقث خلفهما خوفًا من أن يكون قد 


تبعهما أحد. «دكتور نديم, 00 الذين ة 
بضحبتهم» قال سليم لقدير. وقرّب فمه من أذنه, 
وهمس: «كُن حَذِرًا». ودش في جيبه عددا من الأوراق 
التقديّة. قال له قدير: «اتبغني». تبعه وحيدّال كان 
سليم من خلفهما يختفي بين أوراق الأشجار وسيقانها. 


واحدة, طلا يعبران دروبًا ضيقة متعرزجة بين الأشجار, 
حثتى وصلا إلى مجموعة من البشر ينتظرون في أكواخ 
خشبتة قديمة, كانث سقوفها من القشّ, وبعضخها بلا 


لني 
وه 


حالمون مثلكء. ولن يطول الزمن حتى تحقق معهم 


احلاقك». سأله مستفيرًا وهو يشير إلى عدي منهم: 
«هل 1 هة لاء ها جحرون مثلى ؟». «بالظبع ! هل رن 
نفسك وحدك؟». «لم يقل لى سليم ذلك!». لا يهم ما 


1/4 


6 علد عاك أ تنتظر معهم حتى تاتي السفينة: ونغادر 
كلنا». تأففء أرات أنْ يقول شيئاء لكته لم يدر ماذا يُمكن 
أَنْ يقول, سأله: «كم سنبقى هنا؟». «الصضبر جميل با 
دكنور>». 


كانوا ما يقرب من سثين مُهاجِرًا من أكثر من 
عشر جنسيّات عربيّة وأفريقيّة. ينامون في الأكواخ, 
وتأتيهم وجبة واحدة. بعد أسبوع بدؤوا بالتذقر: «لقد 
دفغنا كلّ ما استطفنا تجميعه من أجل أن نجد هذه 
الفرصة؟ هل سيطول الأمر؟». قال أحدهم. رت قدير: 
«رتما يوم آخر. أو أسبوع, أو شهر. عليكم أنْ تصبروا». 
«لن نصبر» قال تآنٍ. رت: «ليس لديكم خيار». 
«خدعتمونا إذَا؟!». «من نطق بالخديعة؟ نحن ننتظلر 
هل نتظتون أت تدتّو أمر الهجرة سهل؟». 


بدأث أجساذهم تشحب, لم يكونوا يشبعون, كان 
الظعامح 06 به أحدهم محمولاً فى كيين على ظهره. 
التجاج. فى أليوه العاشى كان ثلا ثة من الأفارقة اللشود 
قد قبضَ أحدهم على عنق الشخص الذي يأتي بالظعام, 
وأحاظط به من الخلف اتنان. وصرخ: «لن ننتظر أكقر, 
إمَا أن تقولوا لنا ما يحدثء أو ...». وصمت. رت عليه 


1/5 


قدير: «اأو ماذا؟ تاخذونه رهينة., ‏ خذوه. ماذا 


لتعقدور: الشراييدة 7 وكا بأيديكم أ أمر, كل ما 


000طظ5 أَنْ نفعله مقا هو الانتظار». وأدار ظهره لهم, 
ومشى بهدوء إلى كوخه كأن الأمر لا يعنيه. علا صياحٌ 
وهياخ بين الفهاجرين. عاد قدير وهو يحمل بندقية, 
أطلقّ رصاصة في الهواءء. فانكتم صياح الفهاجرين, شد 
نديم بذراغيه على الحقيبة. خاف أن تصيب رصاصة 
صمت هاج الشخص الذي يلف ذراعه الكبيرة على عنق 
صاحب الظطعام, شد عليها حتى كاد يكسرهاء صرخ 
قدير. وهو يُصوؤب بندقينه نحوه: «اتزكه وإلاً 
قنصثئك». هاج أكثر. كان وجه الثركى الذي يجلب 
الظعام قد بدأ يتحول من اللون الأحمر إلى الأزرقء كان 
يختنق, لم ينتظر قدير هذه المرّة أكثر. صوب فوهة 
البندقيّة إلى رأس الإفريقى الأسود. وهتف بصوتٍ 
هايئ وهو ينظر من خلال الشّعيرة: «أنا ممُحارب في 
الجيش الثتركى, سأعدذ إلى القلاتة, إنه القحذير الأخير, 
إن لم تتركه. سأبعث بك إلى جهتم, يجب أن تقهم هذا. 
أنا مَن يضع قواعد اللعبة هنا». ظلَتٍِ الذراع الغليظة 
شاذة على تلك العنق. هتف قدير: «واحد... اثنان... 
تلاثة». دؤى صوث الرّصاصة عند العت الثالث, سقطا 
معّاء أمَا الإفريقى ففي بركة دمائه. وأقا القركىي فكان 


166 


يشهق بصوت عال وهو يُحاول أنْ يستعيد الهواء الذي 
خيس عنه. صرح قدير: «أنتم مجانين. أنتم لا تفهمون 
كم أنا جات. إذا قتلثم مَن يأتي لنا بالظعام. فسنموت 
من الجوع...» التقظط أنفاسه. وتابع: «والآن2. إلى 
أكواخكم, وانتظروا الشاعة المناسبة لنرحل من هناء 
عندما تحين, ستكونون بالظبع أقل مَنْ يعرف». ثُمَ 
أشار لصاحبي القتيل: «ادفناه على دينكم. في المساء 
سنصلي جميعًا من أجل روحه». 


كان موثه كافيًاء. لكي ينتظر الجميع دون أنْ 


يتذمروا. وكان قدير لا يسير بينهم إلا والبندقية 


مركوزة على كتفه. وكان يُعطيهم دروسًا في الخبر, 
ويقض عليهم حكايا الضابرين من الأتبياء والأخيار, 
وقال: «هل عجزتم أن تصبروا متثلهم؟! إن التهاية 
الجميلة بانيظاركم, فلماذا تتصرّفون كالأطفال؟!». ثم 
لاقي على أسماعهم موعظته الأخيرة ناسِبًا إتَاها إلى 
جلال الدين الزومي: «مَن أكثرّ الشؤال خرم». 


كانت حيا بهم تتنشابه. وكذلك قصصهم؛ باحتثون 
عن حياة فضلى في جغرافيا تحترحٌُ كرامتهم المهدورة, 
وحدها قضة نديم تختلف. سلى نفسشه طوال أُيَام 
الانقظار بقراءة الكتب من عقله. كان في لحظات 
الضفاء في الليلء يستخرجها بهدوء من رفوف رثبها 


1/7 


في يماغه., يستلها من تلك الزفوفء ويبدأً بالقراءة, كان 
يرى حروفها في الليل. وعندما كان يُغهيهض عيتيه كان 
ةك بوضو_ اكثكى, وحد في كتب الفلسفة عَزاءةً, وعندما 
كان يتعث من الكتب كان يُنشِدُ بصوت شجى يطرب له 
قديرء ويُنئصت له باهتمام: 
غَنْنا؛ فالجى شديذ الشواد 
وقطيغ الزقيقٍ من غير حاد 
وكان قدير يستزيذدهء والتف حوله كل 
المهاجرين. يُوقيون الثار. ويدورون حولها كما كانوا 
يفعلون في بلادهم2, يستجلبون الشحر والحظ, 
ويحاولون 0 بيضحكو أ للقدرو لعل القدرو بضحك لبهم , 
وكان نديم يُغتي ابيات ابن زيدون على إيقاع 
رقصا تهم : 
دن : وَيِنَا هما اننا َ حواة ا 
شوقًا إليكم, ولا جَفْث مَآقِينا 
ولم يكن أحذ ليّدرك تمامًا ما تعنى هذه الكلمات 
العربقة. ولكته كان يسمع بعض الشهقات. وكان يرى 
بعضهم يمسح دموعه وهي تسيل على خَذيه! 


35 


أنها 000 00 موا 
8 لم تنقض شيئاء 6 دده «لماذا حملكنى 5 
لغمر يا ابى؟!». ْ ادا 


1/9 


)18( 


قال لقدير: «الأحلام مصائد». رت: «وهؤلاء 
البشرء الّذينَ جاؤوا إلى هناء والأفواج التي ستأتي كلهم 
لا يكقون عن الأحلام». «إنهم يقعون فيها». «هذا هو 
الفوج الحادي عشر الذي ينتظر معيء كل فوج كُنثُ 
أبعث به إلى البحر من طرف مختلف من الغابة, لقد 
اختلفتٍ الأفواج والغابات وتشابهت الغايات». «هل 
كانوا يقضون عليك حكاياهم؟». «نعم. كل شخص 
منهم كان جزة حكعايا». «هل كانث حكاياهم 
متشابهة ؟!». «بعضها. أكترها كان طريفًا. إتهم مُسلون. 
لولا الغرابة الني في حكاياهم لما استطفنا أن ننتظر كل 
هذه الفترة. أليس كذلك؟». «بلى». أحدهم, زَعَم أنه 
قكل - أمقه. وأخدّ خليهاء وباغه. وجاء بثمنها إلى هنا. 
رتّما أرات أن يقول إته قاتل لكي يُخيف الآخرين أو 
يحمي نفشه. أنا قنتاص. لقد عملث في الجيش أكثر من 
ثتلاتين عامًاء أتقنث إصابة الأهداف المُتحزكة قبل أن 
يُولّد بعض هؤلاء الحالمين الفتبجحين, وقبلَ أن يروا 
التور في هذه الحياة التي قذفث بهم في النهاية إلى 
هنا. لم يكن بإمكانهم اختيار بدايتهم لكي يختاروا 
نهايتهم. لا أدري إن كانوا حمقى أو مجانين أو 


>>؟ 


130 


يتظاهرون بذلك. لكن يُمكنك بنفسك أَنْ تستمع لهم. 
حكاياهم تشبه غيمة مسافرة تهطل بالماء على كل 
أرضء حقى إذا وصلث إلى ما تريد كانث قد أفرغث كل 
ما في جوفها من ماء. ثُمَ ماتت من العطش! هل 
تريذني أن أقض عليك أنا ما سمعثه منهم, لقد سمعث 
ألف حكاية, ألفينء لا أدريء. إذا حذفت الفتشابيه منهاء 
فإئك ستحصل على خمسمئة أوسثمئة حكاية فريدة 
على الأقل. ماذا قلت؟ الليل في أوله. هل أقض عليك 
شيئًا. ماذا؟ لماذا أنت صامك هكذا؟ الحكايا زادٌ. 
الحكايا ثبعد الملل. ألا تشعر بالملل مثلي. لماذا أنت 
نحيل إلى هذا الحت؟ ثم لماذا دائمًا ما تحمل هذه 
الحقيبة الجلديّة ذات الحراشف الأفعوانيّة؟ هل تؤمن 
أنت بالشحر أيضًا مغل هؤلاء؟ أم أتك تحمل في داخلها 
كنرًا؟ لا تخف؛ لقد فتشثها في نومك. إنك لا تحمل 
فيها أيّة كنوز من أي نوع, لا دولارات أمريكية, لا 
عمالات نقديّة. ولا ذهبء. ولا فضة,. ولا حثتى خزف 
تراتى, ولا أي شيء ذا قيمة. مجرّد كومة من العظام., 
وجمجمة مشدوخة الأنف. فارغة العيتين. منزوعة الفك 
الشفلى. دغني أصارحك أنني خفث, ارتعبث عندما 
رأيث تلك الجمجمة, ألقيث الحقيبة أول ما نظرث فيها, 
وتراجعث زاحِفًا على باطن كفئ ورجلى, حتى خرجث 
من كوخك اللعين. ألم ثلاحظ في الصضباح أنَّ حقيبكك 


© >> 


181 


هذه قد فتحث, وأَت أحدًا ما قد عبت بمحنوياتها؟ 
ولكن أطمئن, لم اسرق منها شيئنًا. فمن المجنون الذي 
سيسرق كومةً من العظام أو دفترًا جلديًا فيه أوراق 
صفراء قديمة كأتها منزوعة من جلدٍ غزالء فيه بعض 
الكتابات والزّسومات الغريبة. لقد رجعث فى ليلة أخرى 
بعت أن هدأ روعيء. وفتحث الحقيبة إتاهاء كنث أريذ أن 
أقرأ ما في التفتر. ومع أن عربيتى جهدة جِدَا إلا أثني 
لم أفهم كل ما قرأثه هناك. كنت تقول: اليوم هو الثّامن 
من ايلولء. إنه اليوح العاشر على وقوعنا في هذه 
المصيدة. إثنا ننتظر. نُشبه تلك الفئران التى تجرى فى 
صندوق صغير تظئه كل عالمها. اليوح هو اليوح العاشر. 
ا زال قدير يضع البندقيقّة على كنفه بعد مقتل الزجل 
الأسود. إنه حذر. يسير بالظريقة التى كنث أسير فيها 
اليوم هو اليوم الحادي عشر إنه يوخ التسيان. الزفيقان 
نَسِيا بسرعة رفيقهما الذي مات. لا أدري إن ترافقًا هنا 
أو من قبلء لكن يبدو أن التسيان أنجع الأدوية للشفاء 
من الحزن, وإلأ فكيف نفشر اندماجهما بعد ليلكين من 
مقتل صاحبهما في حفلة الشمر ورقصهما حول الثار 
حثقى داخا وسقطا من الإعياء؟! اليوم هو... وهكذا 
قرأث كل يومياتك. لم أجذ فيها شيئًا ذا بال. أنت تبدو 
لي رجلا يُسجَل هدّياناته. هل أنت تعاني من مرضٍ ما؟ 


12 


سليم قال لى إنّك طبيب. إذا كنت كذلك فلماذا لم 
وعلى شفتيك ابتسامة التشفي وهو يستفيث بأ أحدٍ 
من أجل أن يُنقذه. أو حقى يسقيه. هل أنت من التوع 
المحتضرين؟ انت مقلى ترى الموت راحة 5 حن من 
هذا اللّهات الأعمى؟ أجبنى يا دكتور. لنعذ إلى 
يومتّاتك. لقد قرأثها كلها بالمناسبة. كانث إلى حدّ ما 
مثيرة للانتباه. لكت الوصف الأمثل لها أنها سخيفة أو 
مُبتذلة, أو هذيان. اعذرنى إن كنث أزعجثك برأيى 


> > 


هذا! يمكنك أن ترت على الزّأي بالرأي إن أردت. لك أن 
تحتفظ بحق الرد في كل الأحوال. لحن دغني اكمل 
الآن. يومتاتك التي زادث عن ست وثلاتين يومية, ولا 


أدرى لماذا لم تكتت أمسش. واحدة, أقول لا شىءع فيها 


مدب 


يدعو إلى القوقف عنده باستعناء اليوميّة القاسعة 
عشرة., هات الدتقتر سأقرؤها لك منه مباشرة: اليوه هو 


القاسع عشر., لقد قادونا إلى شاحنة من تلك الشاحنات 


اليل تكمل فيها لحوه الأبقان انها غيارة عن تالاجة 
+ اهم 3 8 موده مض يدرجة حرارة 0 58 بليزية وى 5-5 


الضفر حثى لا يفسد اللحم الذي يُنقّل فيها عبر الحدود 


13 


بين الدول. ترتذنا في البداية. ولكن المهرزب قال: إنها 
فرصتكم الوحيدة, وإنكم لا تملكون أي خيار. بالظبع 
ستطفِئ القلآجة. وستكونون في داخلها بأمان» وحينَ 
نقعرب من الحدود., لن يشك بنا أحت, الشائق معروف 
عند شرطة الحدود, وبقليلٍ من المال يُمكن أنْ يسرّعوا 
في ترحيل الشاحنة حثى من دون فتحهاء وهكذا 
تكونون قد عبرثم الحدود إلى اليونان بسهولة. كنث 
أكثرّ المترتدين, قلت للفهزب: هل ستصعد معنا إلى 
هذه الشاحنة؟ أجابني: كلا ستصعدون وحدكم., أنا 
سأبقى هنا من أجل الفوج القادح الذي سيأتيء لن يكون 
هنا أحد ينتظره سِواي. هتفث: وأنا سأنتظر معك. لكته 
وجه بندقيته التي يحملها دائمًا على ظهره إلى وجهي, 
بالتحديد إلى جبهتي في المكان الفارغ بين عيتىء لقد 
شعرث ببرودة الفقهة في ذلك المكان بالفعل, وصرخ: 
اصعذ معهم وإلآا فرزغث الرّصاصات في رأسِك العفن. 
فامتغلث وأنا أرتجحف. سارت بنا الشاحنة, كتّا تسعة 
عشر مُهاجرَاء لا أدري إن كان هذا هو عدد المفهاجرين 
جميعًا في ذلك الفوج, أم أنه لم يصعد معنا بعضّهم. 
المهم سارث بنا الشاحنة في اتجاه قدّرنا أنه إلى 
الشمال. كانث معتمة بالكامل من الدتاخل وباردة جِذدًا. 
لم نكن نرى شيئًاء فقط كنا نسمع أنفاشناء. وصوت 
مَضْغِنا للظعام الذي كنا نحمله زادًا يُعيننا على إبعاد 


104 


شبح الجوع القاتل حثتى نصل إلى مرفاً الأمان. ظلث 
الشاحنة تسير بهدوء في اتجاهها الذي قَدَزناه حثتى 
انعطفث فجأة وراحث تتقافز, ونتقافز نحن معها في 
الداخل. قتزنا أنّها انعطفث في طريق ترابيّة. سمعث 
وتتمايل وهي تسير بسرعة جنونيّة على طريق ترابية 
ضيّقة فيما يبدو, ولم تبظّئى من سرعتها أبدّاء وكانث 
على ما قتزنا تهرب من دورتّة أمنيّة تقوحُ بملاحقتها. 
كان صوتُ تكشر أغصان الأشجار يصل إلينا نحن 
القابعين في قعر هذه القلآجة فيزيذ من هلعناء بدأ 
بعضنا يطلث الماء. سمعث أحدهم يقول لآخر: «أنا 
جائع هل أجذ لديك شيئًا يُؤكل». رت عليه الضوت: 
«ليس معىي ما يكفيني . تدتؤ أمرك». وتخيلثت أنه 
يقبض على كيس شبه فارغ ويحتضنه بين ذراعيه 
ويُدير به جذعه بعيدًا عن الجالس بجانبه. ظلت 
الشاحنة تتقافز ونحن نتقافز في الدتاخل كذلك, 
ارتطمث رأسي بصفيحة معدنية تعلق عليها لحم الأبقار 
فشجّث رأسي. وسال بعض الدم فصحوت. فجأة 
توقفتٍ الشاحنة بعد أن سارث في هذه الغابة أكثر من 
ثلاث ساعات بسرعة جنونيّة وكادث تنقلب أكثر من 
عشر مزات. انطفاً المحرّك, وسمعث صوت باب الشائق 


155 


يُفكح, وأحدهم ينزل دون أن أسمع صوت إغلاقه ثانية. 
وتخيلث أن أحدهم يركض في اتجاه ما بعيدًا عن 
الشاحنة2 وراح صوث خطواته يختفي تدريجيًا. ساد 
الصمث بعدها. هنف أحدهم: «أيت نحن؟». لم يجذ من 
يجيب . «اللعنة لقد خدعونا». صبياح. هياج. شتائم 
منطايرة. خطوات إلى بياب الثلاجة. ختطث على الباب. 
محاولة بائسة لكشره. الفولاذ لا تكسره الأيدي التحيلة 
ذات العظام البارزة. والأجساد الجائعة الشاحبة. أنا 
جائع. طااخ. !1[آه.... عيني... بطني.. صوث ارتطام. 
صوتُ أنفاسشن تشهق. مات. لعنة الله عليه. لن أموت 
هناء كان على أن أموت في بلدي. سكونٌ تاخ. خفتث 
أصوات المهاجرين واحِدًا تلو الآخر. كان هذا يعد عشرة 
أيَام أو أكثر. لا أدري على وجه الدّقة. صوتُ رصاصة 
يتيمة, انفتح الباب, أبعذ تُهم بيدَئىّ مغل وحشى. خرجث 
منه2. وركضتث مرعوبًاء. لحق بي عددٌ منهم. سمعتهم 
يقولون: اتركوه.. اتركوه إنّه ذئت, ألا ترون أنه يركض 
على أربع... اتركوه إنه ليس بشريّاء. ولكن ما هذا؟ يا 


الهن, انها ثمانى عشرة حثة مُتجقدة من البرد.. 


عيناه تغرورقان, وهتفّ بعد أن ملأ رئتيه بالهواء: والآن 
أسألك؛ هل ماتوا يا نديم؟ بالظبع ماتوا؟ أقصد هل أكل 
بعضضهم بعضًا؟ أنت لم تذكر هذه التفاصيل فى هذه 


116 


اليومقّة... هل أنت من الذين يكبتون القصص ؟ بالظبع, 
هذا هو التفسير الوحيد لهذه العراجيديا المذكورة هنا 
ففي الحقيقة لم يحدث هنا أ شيءٍ مِقا ذكرته. هل 
كنت تهذي, هل هذا مِما رأيكه في الحلم؟ أم أنها إحدى 
قصص هؤلاء الفهاجرين التي قد سمفتها منه؟ على أيّة 
حالء أريذ أن أسمة منك الجواب؟ رتما أستطيع أن أرى 
الحقيقة حينت تقول! هيا تكلَم. لماذا أنت صامت هكذا 
كأئنك تمتال. وتنظر إلى بعيتين جامدتين بلهَاوين 
كأتهما من رجاج. إذا كنت لا تريد الإجابة, فهذا شأئك. 
أنت حز. لكن لا أدري كم سنمكث هناء كل ما أتمتاه أن 
تمنحني فرصة التسلل إلى كوخكء, وقراءة يومتّاتك, 
أريدث واحدة مثل تلك التي في اليومية التاسعة عشرة, 
إنها مدهشة, وخلاقة, وذات خيالٍ خصب! والآنَ هؤلاء 
الفهاجرون كلهم أمامك. إنهم قصض تمشي على 
أقدامها. يُمكن أن نجعل الجلوس إلى الثار في هذه 
الليلة سبيلاً إلى فح باب الحكاياء إن باب الحكايا هذا 
إذا انفتكح, فإنّ الشيل المنداح من خلفه لن يتوقف 


أبِدَا... أبِدَا!!». 

فى البيود االثامن والقالا تبن أيقظهم الفهزب 
بعكقب بندققنه: «هيًا أاستفيقوا أتها الكسالى, هل 
تريدون أن تناموا حقى الظهر. هيّا. أتى الفرج. الشفينة 


157 


بيعباده. هتا... أفيقوا». 


قفز المُهاجرون من نومهم., أعدوا أنفسهم على 
عجلء تأكد نديم أنَّ محتويات حقيبته الجلديّة سليمة, 
وأن كل شيءٍ في مكانه. أرادت أنْ يكتت يوميته 
الشابقة, لكن فرحعه بوصول الشتفينة أجلث قرارّه هذا. 
قال له قدير: «هيّا يا دكتور. أريذك أن تكتت لي في 
البحر يوميّاتك أيضًاء يُمكنك أن ترسلها لي على هذا 
العنوان إذا شعت, أن عبقريّ ». 


تقاطر الفهاجرون الذين يقرب عدذهم من سِثين 
مُهاجرًا. ضيموا أول ما رأوا ما قيل لهم إنّه سفينة, 
صرخ أحدهم: «خصصسة اللاف دولار من أجل أنْ نصعد 
على قارب مهترئ مغل هذا؟». هنتف آخر: «لن أصعت 
أَبِدَا على عؤامة كهذه. انها لن تحتمل تُقلناء سوف نغرق 
جميعًا». أطلقّ قدير رصاصة من بندقيّته في الهواء 
قبل أن يتفؤه فهاجز تالت بكلمة. كانث كافيةً لكي 
يصعد المهاجرون الشتون واحدًا خلف الاخخر إلى 
القارب بهدوء وانتظاح!! 


158 


(19) 
أنا أحتك! 


سار القارب ببطء. إنه يقجه نحو الشّمال أيضًا 
لعنة الله على الشمال. لماذا يكون دائمًا الجهة التي 
نقصدها. أينَ تقع اليونان؟ أليسث في هذا الاتجاهد؟! 
بعد ساعة كان القارب وحيدًا في غرض البحر. 
الفهاجرون يتطلعون إلى ما حولهم بعيون شغوفة. 
راودتهم الأحلام من جديد. قال أحدهم: «وداعًا 
للشقاء». قال أخر: «لقد صدق قدير: الصضصبر طيب». 
«الأحلاه مصيدة» قال نديم. ضحك عد منهم. وهنف 
أحدذهم: «نحن نصيدها». مال القارب. قال المُهرّب: 
«القارب يفقد وزنه». سات وجوحٌ. صرخ من جديد: 
«القارب يفقد وزنه2. سوف نغرق جميعًا. إنه يخسر 
المازوت الذي في خَرّان الوقود. علينا أنْ نصنع توازّنا 
من أجل ألآ ينقلب. الخَرّان في الجهة الخلفيّة. على 
ضِخام الجقة أن يتمركزوا في تلك الجهة الخلفيّة ولا 
يغادروها أبدًا. هل فهمتم؟ أنتم العشرة» وأشار إلى 
عشرة من المهاجرين, وتابع: «عليكم أَنْ تقبعوا هنا دون 
أن تتحرّكوا خُطوةً واحدة. رت أحدهم: «أيت 
سيتحزكون يا معلم, إن القارب ليس فيه شبزر واحد 
فارع. نحن نتكدذس. فوق بعضنا». صرخ في وجهه: 


119 


«اخرش أتِها اللعين. أنا صاحث القارب وأعرف أكثر 
منك. هل تريدنا أن نموت؟!». وسار القارب. انتصفف 
التهار. لا يوجد ما يدل على أن هذا الماء سينتهي. لم 
يكن في البحر سوى هذا القارب اليتيم, لم تكن هناك 
يابسة في أي جهة. في الجة كانث هناك بعض التوارس 
تنعق. هوى أحذها على يد مهاجرٍ وخطفٌ منه بعض 
الظعام وطار إلى الأعلى. مرّث لحظاتٌ قصيرة قبل أن 
يتجقع عدد كبير من التوارسء. ويبدأ هجومه على 
القارب بحنًا عن الظعام. سات الهرج. اهترٌ القارب. «لا 
تتحزكوا كالأطفال المذعوروين. سوف نغرق أتها 
الشَفّلة. ارموا لهم الخبز في الماء». صرح المُهزب قبل 
أن يُطلق من بوق بلاستيكى بعضٌ الأدخنة والأصوات. 
مزث لحظات طويلة صعبة قبل أن ثغادر الغيمة 


البيضاء التي شَكَلها هجوم التوارسء ويعود الهدوء إلى 


القارب. 


عَبَشُ في الفضاء. الليل يستأذن بالحلول. ما زال 
القارب يمخر غباب الماء. بعض الأضواء بدث من بعيد. 
رقصت القلوب؛ إثها اليابسة. الأحلام تتحقق. كانث 
هناك منارةٌ عالية يدور في أعلاها ضوء كشاف, يبعثُ 
أضواءه في الاتجاهات كلها. قال المهرزب: «إثنا نقتربٌ 
من الحدود». علث صيحاث ابتهاج. ليس للقلوب 


150 


الظمأى من حاجة لشىءٍ حاجتها إلى الماء. والماء 


يابسة. واليابسة عند تلك المنارة. كانت المنارة حلمًا 
مشكهى. لقد صار قريبًا. هل يمكن أنْ يأتي بهذه 
الشرعة؟! أن يتحقق بهذه الشهولة؟! المنارة تقترب!! 
هل هي التي تقتربٌ إليناء أم نحن الذين نقترب إليها؟! 
لن يكون هناك موث بعد الآن. ولا جو ولا خوف, 
ستكون هناك حياة. حياة جديدة؛ إنها تستحق كل هذا 
الانتظار الظويل من أجلها؟ إنْها شارة الحْريّة. لقد 
غامرنا بكل شيءٍ من أجل الحصول عليها. الحرّيّة. لن 
تكون في شكل أبهى من هذا الشكل الذي يتحقق في 
مدى الزؤية رويدًا رويدًا. القارب يقترب. القلوب 
تخفق. والمهزب صامت. وهم يتحتتون عن الأحلام 
العريضة. والأمنيات الهاربة. والأيّام القادمة. لقد تركوا 
كل الأسى والحزن والألم خلفهم من أجل هذه اللحظة؛ 
إنها لحظة الجائزة. إنها لحظة الفوز. طعم الفوز الحلو 
يُنسي أشد المرارات. لا ظُلمَ بعد اليوم. 

هل الليل طويل إلى هذا الحتة؟ لِيَظل كما يحلو 
له ما دام سيأتي من بعده الفجر. وها هم. اليابسة 
صارث على مرأى البصر. «سنرسو على الشّاطئّ» هكذا 
قال المهزب. وقف, وأعطاهم التعليمات: سوفٌ تنزلون 
من القارب بهدوء. وتتجهون نحو المنارة. إنها ليسث 


101 


بعيدة من هنا كما تزقنء وتُسلمون أنفسكم لرجال 
الشرطة اليونانقة. ستجدون عندهم معاملة لم تحلصوا 
بها فى حياتكم. بالتاكيد سيّلاحظون جوعكم وبردكم 
وخوقكم, ستجدون عندهم الأمان, والظعام الشهى, 
والشراب الشاخن, ستنامون فى تكناتهم ليلةً أو ليلكين 
كنتم تنامون فوهَها في اكواخ قدير الملعون, انا عرف 
هذا الشافلء إنه شّره. كل ما يهقه هو المال... هذا ما 
يحدث في العادة ليلة أو ليلتينء. ثم سمو زعو نكم قلى 
مدن اليونان أالفارهة. وقبل ذلك سيا خذون منكم 
المعلومات اللازمة. ويُعطونكم ورقة رسمية, تخوؤلكم 
انتقاء المُدذن التى تناسبكم, سوف بُخترونكم بيتها بعد 
هز الجميع رؤوسهم باستتثناء نديم,2 وبينما كانث 
بذراعيه على الحقيبة كأنته يخاف أن ينبت لها جناحان 
وتطير بعيدَا عنه. نزلوا على اليابسة يتقافزون 
كالأرانب,2 وأبحر القاربُ عائدًا من حيث أتى. كان 
ظلمة الليل والماء. 


وجدت المهاجرون الشتون أنفسهم صامتين 


12 


تائهين. هتف أحدهم: «ماذا تنتظرون؟ هيا لتسز إلى 
المنارة». ركضوا باثتجاهها.ء مزّت دقائق كأنّها سنواث 
قبل أن ثلقي الشرطة القبضسص عليهم. أحاطث بهم 
عناصر كتيرة,. وراحوا يُقتِدون أيديهم من الخلف تحت 
تهديد الشالاح. دوقث صرخة شقت شدفة الظلام: «إنهم 
بعضهم. دؤث طلقات في الهواء. ركض نديم بعيدًا عن 
المنارة ركس معه بعص المهاجرين. سقظ أحدهم 
مُضرّجًا بدمه. اسقتطاع نديم الإففالات من رخات 
التصاص. ركضّت الشرطة خلفه. إنه أسرغ منهم, لولا 
هذه الحقيبة التي يحضنها لكان قد وشع المسافة بينه 
وبين أقرب العناصر إليه. لو كانث ذراعاه خرّتين لما 
استطاع أحد من الشرطة أن يلحق به. ولكن, اللعنة إِنّ 
هذه الحقيبة تبظىئى شرعته. تعثرث قدمه في هروبه 
كأنتها كرة, لا بُدَ أنتها جمجمة أبيه التي تتدحرج. رجة 
إليها. كات سخابها قد انفتح, نظر إلى داخلها نظرة 
خاطفة, تلهس ما فيها بأصابيع عازف البيانو المرتعشة؛ 
نعم, إنها جمجمة أبيه التي غادرت الحقيبة, أرات أنْ 
يبحت عنهاء. لكن أنَى له أن يجدها في هذا الظلام, 
كانث أصواث الشرطة تفثقث أذنيه وهي ثتطالبه بتسليم 
نفسه. أغلقٌ الحقيبة, وأطلقٌ ساقيه للزيح. لا يدري كم 


13 


ظل يركض من بعذ. لكته خُل إليه أنَّ لسرعة عدوه قد 
نبت على جانتيه جناحانء, وها هو يُحلّق في الفضاء, 
كان الهواء يبعث بنسائمه على وجهه فئّحش 
بالانتعاشء, إنه يطير بالفعل إلى الأعالي. ها هي التجوم 
تقترب, وها هو يزداد ارتفاعًاء وفجأة ابتلعته نجمةٌ 
غادرة. وسقط في جوفها. ثم سكن كل شيء. 


ك5 الضصباح. قال له الفحقق: «سوف ينتهى بك 
الأمر إلى الشجن». سأله : «أيت نحن ؟». «في تركيا». 
السك فَي اليونان؟». «كلاً». «هل خدعنا المُهزّب؟1!». 
ضحك الفحقق: «لسثم أول المخدوعينء نحن دائمًا ما 
الجهة. لقد فاح المُهربون بالشخلص منكم ». دخل ضابظ 
صغير. أذتى القحيّة للمحقق2. قبل أن يقترت منه, 
ويهمس في أذنه: «لم نجذ فيها شيئًا ذا قيمة؛ بعض 
العظاح البالية. ودفتر». رت عليه: «ألقوا العظام في 
البحرء وأعيدوا له الذفتر». خفضسض طرقه. وانحدرث 
دمعاث حازة في أعماقه!! 


بعد أسبوع زخل فى طائرة تجاريّة إلى الأردن. 


حوزته غير دفتثره الجلدئ. كان يبتنسم : «اثها الأحلام. 
وهل الحياة سوى شريط ممنتتدت من هذه الأحلام 


14 


البائسة». سمع كركرة الشريط وَاضِحًا في أذتيه. وهَة 
أن يبكيء, لقد قتلوا والده من جديد. وهتف في أعماقه 
هاتف آخَر: «إثني أسعى إلى السكون؛ الشكون الثاة, 
ذلك الذي جئث به أو مِن أجله إلى هذه الحياة». 


أقلثه سيارة عابرة, وعات إلى غرفته في الفندق 
الزخيص. رمقه هارون وهو يهم بالتدتخول: «وين 
هالغيبة يا دكتور؟». تحاشى التظر في وجهه خوفا من 
أن يسأله عن الأجرة. وصعد الدرجات وهو ينظر في 
الأرض عائدًا بنظراته الزائغة. كان مُتعبًا حت الانهيار. 
ألقى جسده على السرير, لم يكذ يُمدّد رجليه. ويُطلق 
زفيرًا طويلاً. حتى سمع طرقا على الباب. دخل عليه 
ضابظ وعنصران من الشرطة. قال له الضابط: «يا 
دكتنور. سنغفر لك هذه المّة, لنْ يجري عليك القانون, 
ولكن ألا يُمكن أن تسلك في حياتك طريقًا آخر؟». ظل 
صامعًا. أردف الضابط: «يُمكنك أن تعمل في مهنتك, 
أيت ذهب ذلك الظبيب البارع؟». ازدات صمثه. وهتف 
الضابط, وهو يهم بالمغادرة: «نحن نعرف كل شيء. 
ونراقبك. أرجو ألآ تضطرنا إلى طريقة قاسية للتعامل 
معك». وخرج. 


عات إلى سريره. نقت الضفدع. قفزت إلى ذاكرته؛ 
إنْها هناء لم تمث. اقترت من التافذة, أرات أن بيُحادتها, 


185 


كانت القهوة تعج بالزبائن في الأسفل. مسح بأصابع 
عازف البيانو على كلهرهاء ونزل إلى المقهى. إلى 
طاولته المعهودة, رخب به شمعة القهوجيىى-: «ستجدنا 
دائمًَا فى انتنظارك يا دكتور». 


نظر في فنجان القهوة التي وضعها أحد الضبيان 
على طاولته. تصاعد بخازها الشهى. هتف في أعماقه: 
«نحنْ بخار. نتُسافر بلا إرادة إلى الأعالي. ونتبدتد في 
لحظات». قرب الفنجان من شفتيه.2 وارتشف رشفة 
شعر بأنه استعات بها ذاته الخبيئة, وقبل أن يُعيده إلى 
موضعه ثانيةً, رآها قد صارث فوق رأسه, جلسث قبالته 
صامتة. لم يرفع إليها بصره. ظلاً صامتكين كأتهما 
ينتظران طرفًا ثالِثًا من أجل أن يكسر حاجز الضمت 
القائم بينهما. 


«مَنْ أنتِ؟» سألها. رذدت: «كيف تركتيي فب ذلك 
الصاح وغادرث وحدك؟». ««مَنْ أت بحقٌ الالهة التي 
دن مدر بها؟!». «أنا أحتك». «أريث أنْ أعرف لماذا 
أجلي؟». «إنه الحتء ألا يكفي أن يكون تفسيرًا لكل 
هذا؟!». «الختٍ لا يملك تفسيرًا لنفسه عوضصًا عن أن 
يُغشّر كل هذا الجنون الذي تقترفينه». «إنه الجنون إذَا 
البني هذا عاملاً مشتركا؟!». «لنا حياتان مُختلفتان. 


106 


كيف يُمكن أن نلتقي؟!». «تنوهم, لقد قلث لك ذلك من 
قبل : لقد خُلقنا من طينة واحدة». «كيف تنستوي طينة 
من الدّنس مع طينة من الظهر». «نحتاج هنا إلى 
تعريف كل طينة يا دكتور». «إن في عقلي غاباتٍ 
مُتشابكة من الرُؤى لم تطأها قدمُ بشري. ومجزّات من 
الشديم لم ترها عينئ حخى... ماذا تعرفين عتي أتتها 
المتعالية المُتعجرفة؟». «أعرف عنك ما يكفى لأفهة 
كيف أتعامل معك». «مخطتئة؛ أنا لا أعرف عني هذا 
الهقدار الذي يُخولني فَهُمَ ذاتي, فكيف بغريبة ظهرث 
فجأة ذاث ضدفة فى فندق رخيص». «لم أظهز فجأة 
لو تذكرت, أنا معك دائقا». نفت نففةً حازة شعرَ أن 
روحه خرجث معها: «أحتاخ بعض المال». «كلي لك». 
وعادت في آخر الليل إلى غرفته., أراد أنْ يكتتٍ 
في دفتره يوميّاته في البحر. بحت عن عنوان قدير, 


أرات أن يشكره على الخيال الذى أهداه له. وعلى الحياة 
الجديدة التي ؤهبث له. لكته عدل عن ذلك. رتّما في 


فرصة أخرى!! 


157 


(20) 
أنا مَنْ أهوى ومَنْ أهوى أنا 


جلسسى على المقعدة الحجرية بتلدد ببصحنْ 
الغفول. قال له القّوّال: «تغيث فجأة وتظهر فجأة». ردت 
ضاحِكًا وهو يُرجع شّعره الظويل عن وجهه: «أنا نجمة 
مسافرة». «نحن نحتك يا دكتور». «أنا أحت هذا القاع 
يكون بيد الحياة فإتها تأكلناء. وتستمتع بأكلناء انظز إلى 
كل هؤلاء الزبائن. إتهم مأكولون بقذر ما هم أكلون». 
وضحك. «أما تزال ترغث بدفع عربتي في طلوع جبل 
الثاج مقابل هذا الصحن الذى تأكله؟». «لم أعذ أرغعث 
في شيء يا (أبو ياسين). لو كنث أعرف كيف تكوئ 
الزغبة لفعلت». «الحياة خلوة با دكتون لا تعقذها». 


عات إلى المشي. الشارع الظويل إتاه. إنها سنواث 
بعيدة, تلك التي قرّر في يوج من أتامها الاستثنائيّة أنْ 
يحرق كل ماضيه., ويبدأ من جديد., لكته سقط في 
فراغ البداياتء البدايات التي دائمًا ما تكون قاتلة. إنّه 
يوم الجمعة, اليوح الذي تُقامُ فيه سوق البضاعة 
القديمة, القياب؛ يُسقونها سوق الجمعة أو سوق 


18 


(الحراميّة). كان يضع يديه في جيتى ينطاله وهو 
يذرع الشارع. وعلى جانتيه تتناتر القياب العتيقة مُلقاة 
على الأرض بلا انتظام. إلى أنئْ وصل إلى ساحة 
المسجد الخسينى2 رأى كشيشة الكمام يعرضون 
حمامهم للبيع. ورأى آخَرين يبيعون الأرانب. وآخرين 
يعرضون أنواعًا غريبة من الكلاب والقطط. ركنّ جذعه 
على أسطوانةٍ حجرية بالقرب من الشاحة ورح يتأمل 
الباعة والتاس بصمت, لم يُغتِر هيئكه طَوال أربع 
ساعات حقى بدأ التاش يتوافدون إلى المسجد للصلاة, 
كان أحث صبية الكمام قد باع كل كمامه باستتناء 
حمامة بيضاء.ء فتح لها القفص فجأة, وتناولها من 
داخله. ثم رفع ذراعيه وفتح يديه القابضتين عليها 
وتركّها تطيز خزة إلى الشماء؛ همشى في قلبه: «هل 
كانث يدا الضصبى هما يدي الحياة. والحمامة روحه؟». 
خفقتٍِ الحمامة البيضاء جناحيها بقؤة. شعر أنها فَرحة 
بهذه الخْرّيّة القباغنة وهذا الظيران في المدى الفسيح, 
تاتَعها بنظره. كانث رأشه ترتفع معهاء شاهدها تحلق 
باتجاه شبه عمودئ2. ظلث تحلق في الأعالي حثتى 
اختفث عن ناظرّيه,. كانث عنقه قد رجعث بالكامل إلى 
الخلف حثى كادث ثلامش ملهره. وكان توافدٌ التاس. 
إلى المسجد قد ازداد؛ تَهوُون إلى ساحته من الأزقة 
الفرعية كلها, وكان لا يراهم ولا يسمعء أصوات أقدامهم, 


19 


فيها الكمامةً داخل شحابة بيضاءء مَرّ زمن لا يعرف 
كيف يقيش طُولّه بمقياس الدذهول قبل أن تبدأ قطرة 
من الماء بالقؤطول من شحابة عابرة غظتٍ المكان إتاه 
الذي أخفى الكمامة, كانث قطرةً وحيدة, تعجت أن 
تكون الشحابةٌ بخيلةَ إلى هذا الحد, ولكن القطرة ما أن 
قلصتِ المسافة بين عيتيه والشحابة حقى اكتشف أنها 
تكبر. ورويدًا رُويدَا اكتشفّ أنها الكمامة التي صعدث 
من ذلك القفص لذلك الضبى الضغير. ظل يُراقبها 
مُتعجبًا وهي تواصل هبوظهاء راها تقترث منه., ازداد 
قلبه خَفَقانًا مثل حَفَقان أجنحتهاء واصلث هذا الهُبوط 
حتى تأكد أنها تقصده من بين التاس كلهم, ابتسم., 
ازدادث ابتسامثه اتساعاء. رأى عيتيها صافيتين 
ودودتينء إنها تنظر إليه, إنها تريذ أن تحظ على كَنِفَيه 
تذكخر كمامة المسيح. ووجدت نفسشه يتثلو: «وإذا 
الشماواث قَدِ انفتحث له. فرأى زوح الله نازلا مِثْل 
حمامة وآتِيًا عليه. وصوث من الشماوات قائل: هذا هو 
انْيِي الحبيث الذي به شرزث». صكا مِن خيالاته عندما 
دَفَقعه أحد الفصلين صارِخًا في وجهه: «نريد أن تصلى؛ 
تخرك من هنا أتها الأبله!». 


وها هو. في الشارع من جديد. يهذي بكل ما 


200 
لصي بجمجمنه من حكايات وقصائد وحروفى كان 


يجدُ في الحروف ملاذه, إنها تمانية وعشرون مخرجًا 
من الجحيم., الخروج من الجحيم يقتضي دخولةا إليه 
ابقِداء. وها هو يرى الحروف تسيل على جدران 
البنايات العتيقة في الشارع. وتتدلى من تحتٍ جذوع 
الأشجار. وتتساقط من بين أصايع الأطفال الحالمين. 
الشارع يمت بلا نهاية, وهو لا يزال يمشي حثقى تتشقق 
قدماه, لم يعذ يُطيق طبيب التشريح جقته التي تمشي 
باردة في هذا الظلام المتطاولء إنها عبة تقيل عليه 
يحتاجج إلى شيءٍ ما يُعيده إلى هناكء إلى البدايات, 
يحتاج إلى شيءٍ يوقن به ولا يجده. يبحث عنه ولا 
يعرف متى يلتقيه. كل سنواته مزّث عبثاء وعبثًا حاول 
أن يعثر على ما يريد. والظريق؟ ما تزال بعيدة, لا 
نهايات لهاء موحجشة لا أنسّ فيهاء باردة لا دفء يغمرهاء 
جافة لا حنان يورقهاء وقاتلة لا حياة تلوخ في 
مُنعرجاتهاء يا للمسكين الذي يخفق بين ضلوعه! كم 
عليه أن ينظر حقى يرىء وكم عليه أن يسمع حتى 
يدرك. وكم عليه أن يتوقف من أجل أن يلتقظ غايته! 
لكت غايته أعدى أعدائه؛ إنها تثُلاحقه كأئها شبخ<+ 
سيسقظ في فيه. شبخ لا يموت ولا يحيا!! 


عات إلى غرفته, قال له هارون: «الشرطة سألث 


201 


عنك؟ هل من جريمة جديدة ارتكبتها؟!». شتقه 
وصعت التدرجات. دخل غرفته, مُظلمة على عادتها. هل 
عليه أن يتفاجأً؟ متى غتّر الظلاخ عاتته؟ أرات أن يناه؟ 
أن يجد في التوم بعض الشلوى, ولكن التوم قاتِلُ آخر 
يصطف في طابورٍ طويل من الققلة الفحترفين الذين 
تناوبوا عليه. لم تغف عيئه. ولا قلبه. ولا روحه. وحدّق 
في الخزانة الخضراء. وهم أن يقوحَ ليتفقد عظام أبيه, 
ولكته تذكر أنه تقاسّمثه حيتان البحر وأفاعيه؛ فبكى. 
ولكته أرات أن يطير إلى ذلك الشرطي الثركي ويشكره 
على أنه أبقى له على دفتره. فكحه ليكتت فيه, لكته 
خاق أن يُسرَقء فقام ليكتب على الجدران. وحدث 
نفسه: «لا أحد يسرقٌ جدارًا». لكته استدرك مُستغفريًا: 
«قمن سرق جدار روحي؟». وهوى عليه يكتب. ظل 
يكتت حثى تسلل الضوء.ء وسقظ من الإعياء, غفا قليلا 
ثُمَ عات ليكتب. ظلّ يكتث شهرًا كاملاً حقى أفرغ من 
عقله كل ما كان يُؤلِمه. هل هذا هو التطهير؟! سقط 
على الأرضٍ منهارًا هامِدًا ينزفء لكثه شعرّ ببعض 
الؤاحة وطمآات نفسه: «لا بُدَ من نهاية لكل دشى ع » . 
غمس نفشه في القراءة, لكنّ الكتب قاتل يضاف إلى 
سلسة القتلة2. اشترى من كشك الظليعة كتنبا رخيصة 
القمن. تذكر مكتبة أبيه التي أحرقها. كان يُمكن أنْ 


202 
تكون عزاءه في وحدته لو انه ابقى عليهاء ولكته جزب 


أن يهبها الحريق بداية صالحة, لكن الحريق لم يشفه 
من أيّ مرضٍ من أمراضه. عاد إلى المشي. الشيقان 
التي تسير إلى حتفهاء الأنفاس التي يتصاعذ بخارها 
من رئات الكائنات البشريّة تعلن موتها. الجيفء الزسوم., 
الهلامتيات. الظين. الوخم.2. الضحكات., وصرخات 
الاستغاتة2, والتواح, والقهقهات الجوفاء كلها حُبز 
الموت. الموت يحضذ كل شيوء إنه يُشبه الحريق, لكثه 
لا يشبع. وهو يدرك تمامًا مثلما يُدركُ الموث معه أن 
كل هذا سينتهيء ولكن متى يُمكن أن تآتي تلك الشاعة 
المُرتئقبة!! 


طلتٍ من صاحب المخبز أن يُوطّفه عنده مرّة أخرى 
مقابل رغيف. ركضء قال له: «عندىي ما يكفيني من 
المشاكل». صار يجمع القلب المعدنقّة من الأرض, 
يتلقفها من أفواه التثاس,. يحملها على ظهره في كييسٌ. 
كبيرِ.ء يتحتسهاء ويتخقل أن عظام أبيه بيتهاء ينقرها 
في الشارع. ويبحث عن العظام, يستيقظ في وسط 
بحته المحموهم., لو باغها. فسيقي نفسه من شبح الجوع 
الذي يعرفه جيدًا. 


تعرزف على أحد التراويش فى القهوة2, قال له 
الدترويش: «شفاؤك عندناء الحقّ بنا تواسك». سار ليلة 


203 
الما ا حد الضوفيّة, انفرط عقد الفُصلين 


خلا وبقى الدراويشء, سرعان ما شكلوا دائرة, 
ترأسها شيحٌ بعمامةٍ خضراء. بينما كانث عمائم 
المتبقين بيضاء. تمامًا مثل جلابيبهم. بدؤوا تراتيلهم 
الشماويّة, كانوا يتمايلون وهم يُنشِدون: 


أنا مَئنْ أهوى ومَنْ أهوى أنا 


حينت نبت أحذهم من الفراغ وتوشط الحلقة وراح 
يدور على كعب قدمه اليُمنى.2 ويداه ممدودتان إلى 
الشماء. لم يُغْيِر نقطة ارتكازه وهو يدور في دائرة 
ممُنتظمة, ويرتفع من فوق ساقيه جلبابه الحليبى, 
وبمثل هذه التورة المفقسقة كان رأشه الذي يعلوه 
طربوش طويل مائلاً إلى جهة الكتف قليلاً يدور حول 
المركز ذاته. كان القلث مركزهم., والدّوبان في عالم اللّه 
محيطهم الذي يطوفون فيه أو حوله. ظل يدور 
والتقمات تعلو من أفواه التروايش2 وهم يرتدون 


فإذا أبصزته أبصزتنى 


وإذا أبصؤتنى أبصزتنا 


204 
وكان ينظز إليهم من بعييء وقلبه في اعماقه يدور 


في أضلعه دَوَرائَهم, حثتى إذا علا التشيد. وعلا معه 
صو بهم : 
نحن مذ كنا على عهدٍ الهوى 
تضرب الأمتال للتاسى بنا 
انسل أحدهم من التائرة الممحكمة, ومضى إليه. فلما 
صار فوقَ رأسه. همس فى أذنيه: «هيا يا بنىء إن الله 
يقبل كل عاص». ودخل الحلقة. وسكت صو بهم , 
زال الدرويش الذي في قلب التائرة يدور حول مركزه 
كآنه فقت ذاته أو وجدهاء لكن الدترويش ذا العمامة 


الخضراء, راح يتمايل يميئًا ويسارًاء والآخرون يُلقون 
رؤوسهم ولحاهم البيضاء على صدورهم, وهو يهتف 

والله ما طلعث شمش ولا غريث 
إلآ وذكزك مقرون بأنفاسي 


ودارث به الدُنيا ووجد بعضّ الشتلوى, وأقامَ بينهم 
أاسبوغين. ثم في الخميس الثالت تركهم وهو يقول 
لنفيسه: «مجانين من نوع مختلفء لماذا على أَنْ أجّب 
جنونهم؟! يكفيني ما أنا فيه». وعرّم على ألا يعود 


ْ 205 

لحفلتهم ابِدًا! 

دخل الكنيسة فى أحد الآحاد, أليسث بيت الوب هى 
الكراسى الخشبتة التي امتلاً نِصفها بالمُصلين, كان 
الله بالخروج. وكانوا يرمقونه بغرابة. ولم يكن يدري لِمَ 
ينظرون إليه هكذا! اقترت منه القشيس الذى لَحخّه 
بعد أَنْ أصبحت المقاعد الخشبتّة خالية. مسح بيده 
ع 1 رأسه, وأبتسم ابتسامةً خفيفة في وجهه. وهنتف: 
«إن بيت الرّتٍ يأوى خراقه الضالة». وشعرّ ببعض 
الظّمانينة وسأل القشيس : «أيت أحث الته؟». فرت وهو 
بُشير إلى ضورته فوق المذبح: «إثه يراك». أعطى 
القشيس والرّتٍ ظهرّه وهو يُردّد دون وعي: «وَمَنْ لا 
البيتٍِ أو مِن تلك القدينة, وَانْفُضُوا غبار أزجِلِكم». 
يِتيمًا لم يَعْذ إلى متله! 


206 
010 


أنا أنت! 


رآها في إحدى أمسيات الخريف الحزينة, كان 
الهواء بارِدًا. وكان يرتجف في زاويته في المقهى, 
جسذه يرتعش مثل ورقةٍ يابسة. أشفق عليه شمعة, 
ليست المذّة الأولى, قال له: «فنجانك اليوم مدفوع». 
جلسث قبالته صامتة, هذه المرأة اللعينة لا تزوره إلها 
إذا كان في قعر سقوطه العميقء هذه المزّة كان وجهها 
مُنتفخًاء وعيناها حزينتين, وفمها زنبقة, قالث له وهي 
شير إلى بطيها: «ابننا يكبر في أحشائي». ضعق. قفز 
من مقعده. وقف على قدميه,: تمايل, شعرَ أت قدمَبه له 
تحهلانه. تساءل بصوت مهزوز: «ابتنا؟ كيف؟ ماذا؟ 
ابننا...» هوى على كرسيّه: «أنا ليس لي ابن». ابنتسمث: 
«لا بدت أتك تحت تأثير السَم الهاري الذي تأخذه من 
عيد. هذا القذر سوف يقتلك». كزر: جرأنا 00 لي إكن .. 
ماذا تقولين؟!». «لقد كبر وأنت أ تدري, كت أريذ أنْ 
أقول لك في سفرنا إلى تركيّاء لكتك دائْمَا ما تهرب؛ هل 
تعتقد أخ الهروت حلّ؟! انظر إنه يتحزك... رتما 
على ... », قاطعها: «هذا أبن حرام». «إنه أبنك». «ابن 
عاهر نصت صعه». «لم أنه ألأ معك». «أنا لم أَنُ مع 
امرأة في حياتي». «لقد نمنا على فِراشٍ واحيٍ عامًا 


207 
كاملا يأ حبيبى». جر د تقو لق حي ررقن شقتى لد 


تذكر؟!». «أخرسي يا عاهرة... أاخرجي من هناء هل 
تريدين أن أقول لك كما قلث لكِ ذات مزّة إنني أشتهي 
أن أشرّح جِقتكِ على هذه الظاولة أمام زبائن سمعة... 
هيّا. اخرجي من هنا قبل أن أنقذ هذه المزة هذا 
القهديد.. إنه تهديت حقيقىء لم أشعر بأنه حقيقى إلى 
هذه الدرجة أكثر من هذه المزّة». «اهداً. لا تكن 
أحمق». صرح : «اخرجي». ردت بحزج: «اجلشء. لقد 
بدأث بالفعل أضجر من تصزفاتك الظفوليّة, عليك أنّ 
تفكر معي كيف سيعيش ابنناء سأترك مهنتي وأتفرغ 
لكما». «تفرزغي لنفسك أتّتها البغى.. أنا ليس لي أولاد... 
لماذا تصرزين على هذا الكلام الفارغ؟! تريدين 
تعذيبي ؟!». وبيبكى كطفل. كان هناك طفل في أحشائها 
يبكى هو الآخرا 


فكر أن يشتري مسدّساء من ذلك التوع الذي كان 
يراه في أفلام الغرب الأمريكي2. ويحشو طاحونته 
بالرزضاصات الشّث, إثه لا يريد أن يلعت مع الموت, لا 
يُرِيدُ للقدر أنْ يكون مُشاركا في موته., إنه يريد موثنا 
أكيدًا ليس فيه مجال للاحتمالات, الاحتمالات تجعل 
التهاية باردة. وعقيمة, وساذجة:, إنه يريد موثا واضِحًا 
صافِيًا خاليًا من شائبة الاحتمال التي تلظخ هذا 


208 
التياضء اليس الموث بياضًا مُطلقا فى عالم مُدنئنس؟! 


لكثه لا يملك ثمن الفسدّسء من أينَ له أن يأتي به وهو 
لا يملك حتى ثمن صحن الفول الذي يأكله؟ حثى 
الموث الفشتهى يُصبح أمنية. يصير طريدة تعز على 
الإمساك. لكن مها ألا يُمكن أن تُعطيه ليندا ثمنه؟ هل 
يُمكن أن تقبل أن يَعبْرَ حبيبها إلى الضفّة الأخرى تاركا 
إتِاها مع وحشتها؟ أليس التهر يسعنا جميعقًا بضفتيه, 
فلماذا سثمانع؟ ما الفرق فيمن وقَف على هذه الضفة 
أو تلك؟ وفي التهاية هذا العبور حتمىء. وهذا الثباين 
في الوقوف على الصّفاف المُختلفة أمزر لا مف منه, 
وهو في التهاية مسألة وقت!! 


التقثه هذه المرّة في الشارع المتكم بذاكرة 
قدميه,2 كانث قد انضفقث إليه بعت أن تجاوز الفدزج 
الزوماني2. أمسكث بيده. وشدث عليها بحنة. فسرى 
دِفُوّها اليه همسث في أذنه: «للا تقسز وحيدً ». رذ 
عليها: «لا تتركيني في العتمة». «أنا روحك فكيف 
أتركك؟!». «أريذ أن أنتحر». «أنت سمحت لعقلك أن 
يُفكّر في ذلك». «أنا مريض في عقلي. الانهحار حلّ, 
ماذا سينقض البشر لو تخلصوا من مخبول مغلي ». 
ضحكث: «لو فكر كل المرضى العقلتتين بالانهحار, 
لشتخلّص الكوكب من ثلاتة أرباع قاطنيه.ء تخيّل حيتها 


209 : 
كيف سيّصبح هذا الكوكب بارِدًا وبليدَا ومهملا فى 


الوقتٍ نفيه!». «انت ماذا بالتسبة إل حن؟». «أنا أنت». 


غرفثه صارث تضيقٌ عليه جدرانها الفتخمة 
بالكتابات والزسوم صارث كأثها قبزه. نقت الصضفدع 
لشذكره بإطعامها,. كان نَفشه يترتد في صدره ببطء., قامَ 
إليهاء قال لها: «لم أعذ قادرًا على أن أحميك أكتثرّ من 
هذاء رما على أحدنا أن يتخلى عن الآخَرء. لم يكن لدي 
ما أفقده بعد أبيء إلآ دفتري وأنت, أحتمل أن أعود 
بُلقيها من التافذة لكي تتدتر أمرها في الشارع. حينٌ 
سمع صوئًا من خلف أذتيه يهمش بحنان: «ما زال في 
الأمر مقسع». لم يُعزه انتباهه2. لكن الضوت الذي 
تجاهله عاد يهمسى: برالاترة كفر>». أزعجه أَنْ بعظه 
الضوت في هذه اللحظة, فالتفت ليرى الواعظ الأبله, 
فرأى وجهًا يعرفه, الظربوش الذي يعتمره فوقَ رأسه 
أعاده إلى الذاكرة. هنف به: «أنت الشيخ...» رذ عليه: 
«نعم يا بُنىء أنا الشيخ الذي عَلَمكَ القرآن في مسجد 
الضفا. يا بُنيٍ إِنّ الله أرحم بنا مِتاء فلا تذهب في ظرق 
اللأعودة». وسّخر من كلامه حين قال: «أرى وجحهك قد 
تجقدت غُضصونه. وعنقك صار مقل عنق التشلحفاة, 
ولحيئك قد غزاها الشّيثِ فلم يترك فيها شعرة سوداء, 


2210 


هل شات عقلك أيضًا هو الآخر؟!». وتجاهل الضصوث 
ذات مرّة: «يا أبن عتاس إنتى في مسجدىي لا أبرحه, 
فإن أردت أن تعود, فإِنَ باب الله لا يُوصَد في وجه مَنْ 


قصَدّه». وغاب الضصوت. 


أيقظه نقيق الضفدع مِما هو فيه. نظر إليها, 
واعتذر: «إنها التهاية يا عزيزتي. سامحيني». أمسكها 
بيده. فأحش برجفة قلبهاء. رجف قلبه هو الآخر. نظرث 
إليه بعيتين جاحظتين. رأهما تدوران غير مُصدقتين, 
إنها خجلى مما يفعل بهاء أدار رأسه بعيدًا عن نظراتها, 
وأردف: «أنا لا أجيد عبارات الفراقء. ولا العزاء» ته 
ألقاها من الثافذة: «تابعي سيرك في الحياة,. إذا كان 
الرحمة لم تنقطع بين التاس!» كانت الضفدع تهوى, 
وكان هو يهويء كانث تبحث عن نجاة. وكان هو الآخر 
يبحث عن نجاة. هل تتنشابه المصائر؟! 


قال له هارون: «لقد طلبث متي الشرطة أن 
أخبرهم متى تكون في الغرفة, وهتدوني بالاعتقال إذا 
لم أَبلّغْ عنك». «ما شأنْ الشرطة بيء ماذا يريدون من 
رجلٍ مسالم متثلي؟!». «إنهم يقولون إنّ عليهم إعادتك 
إلى المصخ العقلى». أراد أن يصفعه. لكته فكر أن ذلك 


211 


هل شات عقلك أيضًا هو الآخر؟!». وتجاهل الضصوث 
ذات مرّة: «يا أبن عتاس إنتى في مسجدىي لا أبرحه, 
فإن أردت أن تعود, فإِنَ باب الله لا يُوصَد في وجه مَنْ 


قفصَدّه». وغاب الضصوت. 


أيقظه نقيق الضفدع مِما هو فيه. نظر إليها, 
واعتذر: «إنها التهاية يا عزيزتي. سامحيني». أمسكها 
بيده. فأحش برجفة قلبهاء. رجف قلبه هو الآخر. نظرث 
إليه بعيتين جاحظتين. رأهما تدوران غير مُصدقتين, 
إنها خجلى مما يفعل بهاء أدار رأسه بعيدًا عن نظراتها, 
وأردف: «أنا لا أجيد عبارات الفراقء. ولا العزاء» ته 
ألقاها من الثافذة: «تابعي سيرك في الحياة,. إذا كان 
الرحمة لم تنقطع بين التاس!» كانت الضفدع تهوى, 
وكان هو يهويء كانث تبحث عن نجاة. وكان هو الآخر 
يبحث عن نجاة. هل تتنشابه المصائر؟! 


قال له هارون: «لقد طلبث متي الشرطة أن 
أخبرهم متى تكون في الغرفة, وهتدوني بالاعتقال إذا 
لم أَبلّغْ عنك». «ما شأنْ الشرطة بيء ماذا يريدون من 
رجلٍ مسالم متثلي؟!». «إنهم يقولون إنّ عليهم إعادتك 
إلى المصخ العقلى». أراد أن يصفعه. لكته فكر أن ذلك 


212 


لن يكون كافِيّاء ليته يملك أدوات عمليّات القلب التي 


كان يملكها فى المستشفىء لكته لا يملك غير خيبته إذَا 


في غرفته, حَلْمَ بأقه. رآها تقوم من قبرها في 
المقبرة الفوقاء وتسيز إليه بهدوءء ثم تفتخ ذراعيها له, 
وتهمس: «أنا لن أتخلى عنك». أرات أن يصرخ في 
وجهها: «كاذبة. لم تكوني معى فى حياتك حثى تكوني 
معي بعد ألموت». «يا بُنِىْء لق كار لى قلت لأهته لك 
لفعلث, بذرة الخير فيك كامنة, لن تموتء إذا سمحت 
للتور أن يتسلّل إليها فستنمو.ء فقط اترك كل هذا 
الظلام, وارحل من هنا». وشعر بدفهٍ حقيقئ,2 شعر 
بحقيقة الكلمات. فاستعبرث عيناه. تثُم... ثم بكى حتى 
استيقظ. كان الظلام دامسًا في غرفته؛. من خلال ضوءٍ 
شحيح. رأى الذروايش كأئهم يصطفون في طابور 


طويلء وقد أتوا لعحتته, أخدّ أحذهم بيده. وهو يقول: 


«هياء امض بنا يا بنى». أرات أن ينفضّ يده من يده, 
ولكته وجدّ نفسه يستسلمُ لها. عبرث به اليد الباب, 
وتبعه التروايش بجلابيبهم البيضاء كأتهم ملائكة 
الشماء. جاءث لتهت روحه الرّحمة والأمان. مضّوا به 
وهم يُنشّدون في تراتبية مَهِيبة: 


وَدَعَاهُمُْ داعى الكقائق دّعوة 


213 

فغدوا بها مستانسين وَراخحوأا 

وسار معهم كالماخوذ. وهتف وهم يسيرون به: 

«إلى أين رواخكم أتِها الملائكة؟». لكتهم لم يُجيبوه, 

وظل يمشي أحذهم أمامه. وهو خلقّه. ومن وراءهم 
قافلئهم وهي تتهادتى على إيقاع التشيد الظري: 


وَاللّهِ ما طَلَبوا الؤقوف ببابهِ 
حتى دعوا فَأْتاهُمُ المفتاخ 


وظلوا يسيرون به. في الليل. وهو لا يملك أنْ 
يخرج من قافلتهم, وروخه تصفو شيئًا فشيئًاء. حثى 
عبروا به الوهاد. والشهولء والجبال. ووقفوا على كل 
مكان, وناجو الله في كل موضع. وبَكوا متضرزّعين 
تحت كل شجرة, وهم لا يفكؤون يرتدون بيتهم الأخير, 
وتراءث له قريثه من بعيدء ورأها تنام وادعة في سفح 
الجبل, وسأل بخزن: «أإلى هناك؟». فلم يُجبه أحث لكو 
نورهم في العتمة كان قد انس الظريقء ولقا وصلوا إلى 
الشفح, عرف أئهم عادوا به إلى حيث نشأً. وعوى ذئِت 
في البعيد. فصحا قليلاً. ثم نبخ كلب,. ونعقث بوم 
وصاح ديك, فانتبه فإذأ هو الفجر. وإذا هو بيثه يلوخ 
من بعيد وقد أصبح خرابّاء واستيقظ قلبه هذه المرّة, 
وهتف: «إنه بيتي. هل فى البيت إلا أشباح؟!». 


214 


ولما نفضّ الليلٌ سرباله. ونشر التهار ضياءَه, سمع 
أصوات الباعة وقد بدؤوا يفتحون أبواب متاجرهم, 
وأبواق الشيّارات وهي تنقل المفوظفين إلى دوائرهم, 
وشم رائحة الخبز الشهى من المخبزء وتناهى إلى سمعه 
قرقعة قذر الفقوؤال. وشخير هارون يغظ في نومه على 
سطح مكتبه من سَهَرٍ أمس. وقفرٌّ من سريره. وقد عَرَمَ 
على العودة إلى البداية. 


وهْرِء إلى الأسفل, فأيقظ هارون,2 وهزه من 
كنفته, وصاح به: «اسفتيقفظ أتها الشهين». وفتح 
هارون عيتين نِصفً مفقصّتين, وسأله: «هل ستدفع 
الأجرة؟». وشذ على شفقيه من الفيظ. وقال له: «أنا 
سأرحل». «آنشتنا يا دكتور». «أريد أن أرى لينداء على 
أن أخبرها ببعضّ الأشياء قبل أن أغادر. قل لي هل 
رأيتها؟». وحدتق هارون فيه هذه المزّة ممستفهمًا: «مَنْ 
ليندا هذه با دكنور؟». «الجميلة, الفتناة الجميلة التي 
كانث دنال عنى ». «هل شرنت أمسن شينًا؟!». «ليس 
لد وقث لمزاحك الققيلء لقد نويث على أن أعود ولا 
بد لي أن أراها». وقف هارون وقد صحا تمامًاء وقال 
ببلادة: «مَن ليندا هذه؟ أنا لم أسمم بامرأة بهذا 
الاسم!!». «يا رجل المرأة التي كنت تراها بضحبتي 
أحيانًا!». «لم أرَ معك امرأةً طوال الشنوات الخمس 


215 


التي عشتها هنا!». واستبد الغضث بنديم هذه المزّة, 
وصرخ به: «المرأة التي كانت تدفة إيجار غرفتي 
عندما أتأخر. وكنت أنت تنهقٌ متلّ الحجمار وأنت 
تطالبني به!». واحمز وجه هارون وانتفخ خَداه كحتتي 
برقوق ناضجتين.ء هتف: «أما أنني كنث أطالِيِك 
بالإيجار فصحيح., وأما أثني كنث أنهقٌ مثل الحجمار 
فصحيخ أيضًاءٍ لأثني لو لم أكن حمارًا لما صبرث عليك 
كل تلك الفترة. ولرميثك بعد شهر أنت وأغراضك 
الغريبة في الشارع, ليس إشفاقًا عليك., فأنت لا 
تستحقء بل إشفافًا على ماضيك». ونفت نفقة طويلة 
حازّة من صدره كأته ارتاح. ولكن (نديم) صرخ غاهِبا: 
«ماذا تعرف 5-2 ماضِى أتها التكرة حقى تُشَفقٌ على ؟ 
أنت أولى بالإشفاق على نفسك أتها المتكزش». وهدأ 
هارون. لم يكن يريذ أن يفتعل شِجارَا. ورفع يديه 
مُهدّنًا من رَوع نديم: «لا بأس يا دكتور, يبدو أن الشبب 
هو الشراب, أو هذا الهباب الذي تعناوله, الأمور سهلة». 
وظل يكدزر العبارة الأخيرة وهو يلهث كما لو كان قد 
ركض طويلاً. ورأسه تتحرّك على كتفّيه مثل بندول. 
وأرجة نديم جذعه إلى الوراء. وسحت خُطوة متباعدًا 
عن هارون. وحدجه بنظرة مُستنكرة ما زال فيها بعض 
الغضب: «بل يبدو أنك أنت الذي أسرفت في الشراب». 
وهداأً هارون تمامًاء. وضحك وهو يقول: «يا دكتور, لم 


216 
أرّ بيضحبتك طوال قفترقئك هنا رجلا عوضًا عن أَنْ أرى 


معك امرأة». «لقد ات في عقلك يا هارون!». 
وضحك هارون هذه المرّة بصوت أعلىء واهتز كرشه 
وهتف: «كلنا مُصابون في هذا العقل يا دكتور. ولكن 
أنت تتفقق في ذلك علينا جميقًا». وظل كرشه يهعز 
على إيقاع ضحكته., وتركه وخرج مذهولا إلى الشارع, 
وأسرء إلى القؤال: «يا أبو ياسين, يا أبو ياسين!!». 
وانتبه إليه القَؤال وقد أخذه الدّهشى: «ما بك يا 
دكتور؟ هل حدث لك شي ؟!». «هل رأيت ليندا؟». 
ورت عليه القَؤال: «ليندا؟ مَن هذه؟!». «المرأة التي 
تكو ن بضحبتىي أحبانًا ألم ترنا ولو لمّة واحدة مقا ؟!». 
«لا يا دكتور, لم أَرَ معك هذه التي تقول عنهاء ولا حتى 
غيرّها!». «أنت مجنون». وتركه ينظر إليه مُستغفريا, 
وشرءع إلى القهوة. كانث خالية من الزبائن ومن الصَبية 
ليس فيها إلا شمعة. وقطة الفراغ الذي يفصله عنه., 
وكان شمعة يجلش متراخِيًا إلى إحدى الظاولات, ولقا 
صارَ فوقّ رأسه. سأله: «لا تقل لي إنك لم ترّ ليندا أنت 
الآكر؟ متى آخر مرة رأيتهاء أريذ أن أقول لها شيئًا؟». 
«يا دكتور الدنيا صباح, والتاس تقول يا فتاح يا عليم, 
مَنْ ليندا هذه؟». «يا أخرق, لقد جلنشنا إلى تلك الظاولة 
في الزاوية البعيدة أكثر من عشرين مزة, ألم ترها معي 
في طاولني ؟! هناك... هناك». وأشار بعصبية إلى 


217 


المكان الذي اعتاد أن يجلس فيه. «لم أرَ أحدًا يتشارك 
معك طاولتك أبدَا». «هل أنتم مجانين؟». وصفع 
جبهَته بباطن كفه اليُمنى. وصرخ: «هل ليندا من صنع 
خيالي؟! كلاآ» ونفض رأسه منكرًا سؤاله الذابح, وهتف: 
«لقد قالث إنها حاملٌ بسببيء. هل يُمكن أن أتخيّل أمرًا 
حقيقيًا كهذا؟ لقد طردثها يوخ أخبرثني بذلك, ثم عادث 
نتظهر لي في الشارع وتقول لي: أنا أنت. فكيفً لا 
تكون موجودة؟» وتراجع إلى الخلف وهو ما يزال 
ينظر إلى سمعة, وشمعة يُبايله نظرات الاستغراب,. وهو 
يقول في أعماقه: «إنّ مستوى الخَتَل الذي وصل إليه 
الذكتور خطيرء هل كان طبيبًا عقاء أم أنه أحد المعاتيه 
الذين قذفث بهم الأقدار إلى قهوتي؟!». وظلّ صامتًا. 
فيما راح نديم يتراجع إلى الوراء. ثم يلف جذعه. 
ويُطَلِقٌ ساقيه للزيح. وهو يصرخ: «كلكم مجانين... 
كلكم مجانين». 


هْرِءً إلى غرفته2. صعد الترجات قفرًا. وعينا 
هارون تتبعانه وهو يضربٌ كفا بكف, ويقول: «لقد 
انقطقعث آخز شّعرة». وفتح البابء, ثم عمدت إلى الشتاك 
ونظر إلى الضحن الذي كانث تنام فيه مبروكة فوجده 
خاليًا. قذف بالوسادة خلفه, وأخذ الذفتر بيت يديه 
وضقه كما تضم أذ التكلى أيِنَا وذع الحياةق ووقف 


218 
قليلاً ينظر إلى الخزانة الخضراء وقد تَقَبَه الحزن, 


وتمتى أنها لا تزال تحمل حقيبته الجلديّة ذات 
الحراشف الأفعوانيّة. ولكن هيهات! ونزل الدرجات, 
وهتفٌ بهارون حينما صار في محاذاته: «الغرفة خالية 
منذ هذه اللحظة, يُمكنك أَنْ تؤخرها لزبون جديد». 
وأجابه: «ادفع الأجرة المتراكمة عليك». «ستجذ فيها 
ما يُغنيك عن الأجرة». «ادفع يا دكتور». وأجابه وهو 
يُعطيه كلهره خارجًا من باب الفندق: «سأبعث لك بها 
حينما أستطيع». 


وخرجٍ إلى الشارع. ولكن هذه المزة ليس إلى 
الشارع الذي نما في عقله طوال سنوات إقامته في 
أله في غرفةٍ قذرة في فندق رخيص.ء بل إلى القرية, 
وأخدّ على ضوء التهار الظريق التي ذَلَه عليها 
الذروايش! 


219 


(22) 
في القلب مُتَسع! 


التروايش يعرفون الله2 قَدَسنا اللَّهُ بأسرارهم, 
إنهم أهله, لقد رأوه بقلوبهم, وعليه هو أن يراه وإن لم 
يقف موقفهم حثى ولو مرّة واحدة؛ فالته في قلب كل 
أحد. وصل إلى الواديء. من هناك بدأ يصعد إلى الشفح, 
الشفح الذي يحتضن القرية كأتها طفلة. وهي ما زالث 
طفلةً كما تركهاء. هي هي لم يتفغيز عليها شية, كاتما 
تعيش خارج الزمن, أو كأته لا يمر بها إلا شبابًا. وها هو 
يعوذ إلى طفلته. وها هي تتراءى له من بعيد كأنها 
تضحك له. ضحكات الأطفال شفاء القلوب المهمومة, 
مَن يهث زوحه اليتيمة بعض القزاء؟! 


وكان قد أتةق صعوت الشفح, ثم تراءى له بيثه من 
بعييء بكى أول ما رآه, بكاة رتما كان يفتقده لسنوات؛ 
هل كان يبكي شوقًا إلى أيَامه فيه. أم حنيئًا إلى مرتع 
الضباء أم توقًا إلى أبيه الذي كان له كل شييء أم خزنًا 
على ما آلث إليه التيار البالاقع؟ والمعاهد الخراب؟ أم 
رثاء لنفسه التي عاش معها غريبًا؟ وشعرّ أنّ عددًا من 
الشكاكين تطير في الفضاء وتنغرز في صدره دفعةً 
واحدة وأحش. أن دما صبيبا راح يتدفق من قلبه وأنْه 
ينزف بشذة, ولم يتمالك نفسه. فهوى على قَدَمَيهِ 


200 
وراح ينحث بحرقة, وعفر وجهه بالتراب, واخذ ينثره 


على رأسه. واخقلط القثراب بدموعه., وازداد نحيبه, ولم 
يدر هذه المزة إن كان بُكاؤه بسبب عودته, وأنّه سيبدا 
المحاولة القانية في البداية من جديد؟ أم سبب ذلك 
أنه تخلص من بِعضٍ الماضي؟ فهل فَعَلٌ حَقًا؟ ولكن إذا 
كانث هذه بداية, فمن يبدأ مع الخراب؟ مَنْ يبدأ مع كل 
هذا الموت المائل في حديقة البيت, والبيت, والمكان 
كلّه؟ مَن يبدأ من الهلاك؟ أيكون الموث الماتل باعمًا 
على الحياة الفشتهاة؟ أيكون واسطة العقد؟ أخ خيظها 
التاظم الذي يسلكه فيها حثى ينتهي كل هذا الخحُواء؟ 
مَنْ يَعبر الآخخر ليوصل الأحياء عبر جسره إلى الضّفة؟ 
الموت يعبر الحياة. فللموت سطوثه وللحياة وداعقها؟! 


ووقف على قدميه2. ومسح دموعه. وواصل 
سيره إلى البيت, كانث قد بقيث له خطوات حتى يقف 
على أول الشاحة الفمتدة أمامه. من هناك شاهد كلّ 
شيءٍ عن قربء رأى البيت الفحترق, والنوافذ الفحظمة, 
والجدران الشوداء. والغربان التي تحلق فوقه ولها 
غطيط. وتقدمَ أكثر. وأرسل طرقفه إلى شجرة الزيتون, 
فإذا هي قد تبتدث ولم يبق منها إل شية من ساقِها 
الغليظة المملوءة بالشقوق والتقوب. كانث تشهذد موتها 
وجريمته. لكتها اهنتزث قليااً. ما تبقى من جذعها 


221 


القابت في الأرض اهعرٌ قليلاً. وخُيّل له أنّها تحييه, 
وتثرخب بعودته. لقد كان يُحتها. فهل يصل ختها إلى 
الحت الذي تغفر له خطيثته الكبرى. هل يتحزك العاشقٌ 
المتيت لأجل العاشق الذي ظل كيّا؟ ما الذي في قليها 
له حقى تُسامحه؟! هل يجذ فيها تعريفًا صادقا للحت 
الذي ظل يهرب منه؟! وأحد التظر فرأى أن أعلى ساقها 
المفحترق قد اخضن. ونفضس رأسه ليتأكد من أنه لا 
يتخيّلء لكثه كات أن يبكي. وعض على شفتيه. وهو 
يرى جذهًا ليِنَا يخرج من تلك الشاق. وينمو. هل تعوذ 
من الموت؟ كيف يُمكن له أن يُحيى موتها ولم يكن 
المسيح؟ واقترت منها أكترّ حثتى صار لصيقًا بها. ثم 
هوى على زكبتيه. واحتصّتها طويلاً. وألقى برأسه على 
ما تبقى منهاء وراحث دموعه تشاقظ فوقهاء وشعرّ مزة 
أخرى أنها تعحزك, وأتها تنفض عنها غُبار الموت. وسرث 
فيه قشتشعريرة. وهتف: «ما زلث أحتتك؟ هل تكفىي هذه 
الكلمة من أجل أن تعودي لي؟». ثُمَ فك ذراعيه. وجمع 
ساقها بين كفَّيه. وأحنى رأَسَهُ عليها كأمٌ حيل بيتها 
وبين وحيدهاء وهوى بشفتيه يلثمها. وهىي تنسحث من 
داخلها لعتخرج من رمادهاء وهتف: «ليسث قبلة يهوذا يا 
زيتنونتي العزيزة ولن تكون, إنها قبلة الحياة!». 


ومضى يجول في ساحة البيت. فراى ستّارة 


22 
اللادا تجثُمُ في موقعهاء ولم يبق منها إلا هيكلٌ صيئ, 


واقترت منها أكثر. ونظر إلى موضع الكرسىئ الخلفى 
فتختل الجفقث التي كان يسرقها من مختبر التشريح 
ويُلقيها في ذلك الموضع. وشعرّ أن الأرضّ تدور به وهو 
يتذكر ذلك العهد. وتماسك,. ثم نظر في صندوقها 
الخلفى. فإذا هو صندوق الحكايا يروي كل مَنْ حَملهم 


>> 1 
© » لا 


وقادثه خُظواته إلى قبر أبيه. فرأى أنه قد ذَرَتْه 
الرتّاح. وأنّ ما حفّره منه قد زيم بفِعل الشافيات. ولم 
يعذ موضعه ظاهرًا إلآ ما خفيء وعَن بباله أن يحفره 
من جدييء لعله يعفر فيه على بقايا من بقاياه. وبدأ 
يحفز بيديه وأظافره بشكل سريع. وراح يلهث, وتوقف 
في منتصف الحفر. وتساءل: «ماذا يَمكن أَنْ يجدّ من 
عظامه التي أبتلعها البحى أو من جمجمته التي 
تدحرجث بين الأشجار العالية؟! ونظرّ حوله بأْسَى, 
واستمز صمثه لحظات, قبل أن يعود إلى الحفر بشكل 
جنو ني ولا يتوقف حثى يعثر على شىي»ي2 شيءٍ صغير 
ورفعه أمام ناظِرّيه. وبخبرته في التشريح عرف أتها 
العظمة التي تعود إلى إصبع التتابة, وقدر أنها الشبابّة 
التي كانت يعزف بها على الغود. واجتاحثه الفرحة 
فاهتاج2 ووقف على قدَمَيه وهو لا يزال يُحذق فيها, 


23 


ويحتفظ بها: «لئن فاتنى الكل إنت فى الجزء عزاء». 


وسرق خُطواته باتجاه الترجات التي كانت زهور 
الخشخاش تتسلقهاء فوجدها شبكا هامدًاء وأترًا بعد 
عيت. وصعد تلك الترجات حقى إذا صارَ أمام عتبة 
البيت أصابثه رهبة, إنّها رهبة المكان الذي كان لك كل 
شيءبء بيثك الذي آواك وحنا عليك, ثم قتلته. وألقفته 
للتيران. ثم ها أنت تدخل إليه بهذه البساطة, كآئما 
ليس له خرمة, ولا إحساسء ولا قلب... وكأن خطاياك 
كلها بحقه مغفورة أو منسيّة, ورجفث ساقاه, وارتبك, 
ولكته شَجَع نفسه: «فِي القلب فقسة لكل حَطِيئة 
عَمَسَثك في أذرانها... في القلب منعرخ إلى غفرانها... 
فاغبن فإنّ الله يَدعْو كُلّ جارحة إلى نشيانها». ومضى. 


عَبََ حجرات البيت حجرة حجرة. دخل إلى 
المطبخ. فرأى ظظلال أمّه فيه2 هنا كانت تُفظع 
الحضرواتء وعلى هذه كانث تسلق العدسء وهنا كانث 
تحمل سّلة الأغراضء. وهنا كانث تقف لكي تنظف ما 
تساقط من قذاراته, وهنا كانث تلف على وسطها 
ملاءتها وهي تجهد في أن تشبع الأفواه الجائعة... 
ورأى خَسّبه القديم قد احترق كُلَّه, وأن الشناج والقبار 


وعضف الأوراق اليابسة, قد غظاه. وملا زواياه 


204 
وحشراتٍ كتثيرة تلهو في انحائه. وارسل نظرة إلى 


القلأجة, فرآها قد تآكلث وهمدث كأئها عجوز قد ماتت 
ولم ينتبة لموتها أحد! وكان كل شيءٍ على هيئته لكنّ 
يد الحريق قد مث عليه, وبدا أنه لم يدخل إلى هذا 
البيت بعد حريقه قبل ما يقرب من خمس سنوات إلا 
الجن أو الكلاب الضالّة أو القواة. ومضى إلى غرفته, 
فرأى بقايا من الخشب الفحترقء, ولم يعذ من سريره 
شية إلا قوائمه الحديديّة, وعبر تباز من الهواء التوافذ 
فحمل إليه رائحة الماضي فخفق قلبه. ثم مضى إلى 
غرفة أبويه. وتناهث إليه أصواثٌ أبيه قادمةً من 
الماضي وهو يصرخ في وجه أمه. وأمه صامتةً ترسل 
نظرها في الأرضء وشعر أثها مسكينة بقدر ما شعَرّ 
بقسوة أبيه. وخطر بباله أن يسأل نفشه: «مَن منهما لم 
يفهم صاحبه؟!». لكته ترك الشؤال يقع على الأرض 
مثلما وقةَ تاريخّه كله وترك غرفته ليذهب إلى 
المكتبة. وهناك أصاته قنوظ؛ ونزفّث روخه لقد قعل 
أكثتر من ثلاتة آلاف كتاب. وعرفً معنى سؤال أبيه 
الذي نهضّ من القبر يوح ترك البيت: «ما الفرق بينك 
وبين كل من أعدموا الكتب في التاريخ أتها الولدُ 
العاق؟». وشعر بحزن عميقء وتمتى لو أن أباه ما زال 
حَيّا ليعتذر له عقا فعلء وود لو يجذ مخلوقًا أيّا كان 
ليطلت منه الغفران على فعلته الشّنعاء. ونظر إلى 


الموضة الذي كان أبوه يُعلّق فوقه العود, فلم يرَ فيه إلأ 
ذلك المسمار. ظلّ صامِدًا شاهدًا على خيانته, ونزف 
أكثر. وهو يتخيّل الأريكة التي كان يجلش فيها إلى 
أبيه. ويتناشّتان الأشعار, وأدرك فداحة ما صنعث يداه 
وتخّل أن أذرع الكُتاب طويلةً ومرعبة تخرجٌ من 
بطون الكتب وتقجه نحوه تريذ أن تلتف على عنقه 
وتخنقه, وهي تصرح: «قتلكنا فَعَلَكَ الله». وتراجة إلى 
الوراء وهو يبكي ويختلظ بكاؤه باعتذاره: «لم أكن 
أقصذ 01-5 هذا ... سامحوني». وخرجت الكلمة الأخيرة 
ممغوطةً مع دموعه المنهمرة. وأرات أن يهرت من 
المكان: وهف ومو بِقَفف 0 العتبة: «أنا د أستحقٌ أنْ 
أعيش في البيت الذي عاش فيه والدايء إثني أقل من 
أطأ الأرض التي وطاها». وخرجٍ يركض, لكته توقف 
في وسط الشاحة, ولكن: «إلى أينَ يهرب؟». وأجابثه 
نفشه: «إلى الكهف, فهو لياذ الايبين». 


226 
2)23( 


مل ىو صمر 
-_ 3 20 اي 1 
من بحرى ببلك :! 


إنها الشماء. وإنّه الله. وإئه يدعوه إليه. كانث 
جوارخه كلها هذه المرّة تصغيء الجوارح التي كانث 
صقاء طوال ثلاتة عقود عن مغل هذا التداء عادث 
لتسمع. كان عليه أن يفتح قلبه. ويسمح لروحه بأن 
تحلق, ما أهون الأمر لو فَكّر يهذه الظريقة من قبل! 
التنجوم تضحكء لماذا يراها تضحك؟ هل اختلفتٍ 
التجوح هذه المرّة عن تلك التجوم التي كان يراها من 
الكهف ذاته مع أبيه؟ هل كان أبوه سببًا في غبوسها في 
ذلك الزّمن أم هو؟ ونظر من كهفه إلى الأرض أمامه 
فلمعث نبتة في الظلام؛ هل هي نبتة الخشخاش؟ 
وحتث نفشه إلى شراأيهاء فقاحَ من كهفه وسار إليها. فلم 
يكذ يعبز خطوة واحدة خارجٍ الكهف حتى انطفاث. 
ومضى إلى موضههاء فوجده خاليّاء ليسشى فيه إلا 
الثقراب2. فعات إلى الكهف ونظر إلى حيثُ هيء فراها 
تلمع من جديد. وابتسم؛ هل تراودني هذه الثبتة 
اللعينة؟ إنها فاتنة لعوب؟ والأمر لا يتطلب كثيرًا من 
التفكير. إنها ليسث موجودة؛ عقله هو الذي يُصورها له 
وتلا آياتِ من القرآن. وهدأث نفشه ثُم عَرّم على أنْ 
يستظهر القرآن كله على طريقته التي علمها له شيخه 


217 
في مسجد الضفاء وراحث شفتاه تقران» وعَرّم على أنْ 


يُمضي ليلته الأولى وهو يقرؤه. فلقا تسلل الفجر إليه 
من خلل الجذوع غعَفاء فرأى في غفوته أباه والشيخ, 
كان أبوه يقول: «يا بُنىٍ هَلْمَ إلينا». والشيخ يقول 
العبارة نفتها: ««يا بَنََ هلم الينا». ثم يتجادلان: 
«قتلتكه». فيرث: «بل أنت الذي قنلته!». «إنه من 
طينتني: وأنا أبوه, تسل ص ظهري ». «إنه من طينتناء 
وأنا شيخحخّه نسل من ككقابنا». «إنه ماركس». «بل هو 
ابن عتّاسء. فما أغنى ماركس عنه شينًا». «وهل يُغني 
عنه ابن عتاسش هذا؟». وعلا صوثهماء تم سقطث ثمرة 
جوز من شجرة غريبة فنتهثه, وصحا. فلمقا صحا راح 
يقرأ بيكَا من الشعر ويُتبعها بآية, ثُم بِيعا وآيةً أخرتّين, 
وهكذا حتقى تلعثمث شقتاه وتداخلث فيهما الحروف, 
فلم يدر من يسبق الآخخر. حروف الشّعر والفلسفة أم 
حروف القران. وقضصث شفتاه نهاره ذلك وههصا 
تتذبذبان, فلما شعرّ بالعطشء نزل من الكهف إلى البئر, 
فألقى دلوه. ثم سحبه. ورفعه إلى فيه وراح يعت من 
الماء. وهو يقول في نفسه: «ما أبرت هذا الماء وما 
ألذه!». ثُمَ راح يسكث منه على وجهه وشّعره وجسده., 
وملأ دلوًا ثانية ففعل الفعل ذاته, ثم ملأ دِلاءَ كثيرة 
وسكتها على نفسه حتى ظن أنّه لم يعذ في اليثر ماء! 


228 
وعات إلى الكهف. وقَصَى ليلته القانية يستظهر ما 


تبقى له من القرآن2, فما عتم حتى أنهاه. ثُمَ نام 
مستريكاء. ورأى في التوم أباه والشيخ من جديديء وهما 
يتجادلان: «لقد حفظ القران. فهو ابن عتاس». لقد 
حفظ البيان الشيوعى؛ فهو ماركس». «لقد كان ماركس 
فتحدلك» : برلفد حار ارن عباس ينات خلف أذناب الإيل». 
«هذا لا يعيبه». «الالحاث دين العصر». «إنه لا دين با 
فهيم». «إنّ دينكم لم يعذ له من وجود إلا في المتااحف 
والأحافيسن إثه رجعية». «أنتعم التقدتمقون ماذا 
صنعثم؟». «صنعنا الحضارة. ولولا ما صنعناه ما عاش 
الثتاس». «لقد صنعئثم الضياع والخواءء والكاس بكم أو 
بدونكم تعيش». «إنه لا يعيش مَنْ لم يكن ماركس في 
قلبه». «أنه ا يعيش مَنْ لم يكن الله في قلبه». وغللا 
صراخهما أكثر من المزة الشابقة,. وضجر من جدالهما 
العقيم,. ورأى نفشه يصحو من حلمه. ويقف على 
قدميه. ويصرخ فيهما: «كفى». وتوقفاء وهما ينظران 
إليه مشدوهينء, وخطا نحوه الشيخ فضقه إليه: «أنت 
لنا». وانتزعه أبوه من بين يديه واحتضته: «أنت لي». 
وتخلص من بين يديه. ورجة إلى الوراء. وصرحًّ بهما: 
22 20 آنا لي ». وراهما يخرجان من باب 
الكهف مُنكّسي الزؤوس, مَحنيي الظهور. كاتهما 
عجوزان تحت معول التهر أثلتهما. وقذف بعبارته 


229 
الأخيرة طعنةً فى ظهورهما: «لقد مات ماركس وابئ 


عباس فِنء لا أريد أن أراكما في كهفي بعت اليوح!». 
واستلقى في الحلم على ظهره. واستسلم للتوح. 


أيقظثه أصواث الظيور. وحفيف أوراق الشجر, 
وصوث ماء... ماء يجري في أعماقه., ليس ماء التهر ولا 
البركة ولا البئر. ماءً جديدء ورآه يكنش وخمًا في 
زوحه. وقاح عَطِشًا. مشى إلى البثر.ء واختلف الماع 
فشربه بيقينء ثُم عَنَ له أن ينزل إلى القرية فيسأل عن 
الشيخ2. وعزم على أن يُنفِدَ طِيّته. فنزل2 وم في 
طريقه بالبيت, فعنّ له أن يدخله, فلما صار على عَكَبتِه 
سمة صوثا ناعمًا من خلفه بُناديه: «يا دكنور... يا 
دكتور». قانتبه فاإذاأ هي ذات المنديل القرمزئ, 
وعيناها هما هماء كحلاوان واسعتان لا يُمكن أَنْ 
يُخطئهما. وحدق فيهاء ومرّث لحظات قبل أن تقول: 
«لماذا تنظرٌ إلى هكذا؟». وهم أَنْ يسألهاء أأنت أنت؟». 
ولكتها تابعث قبل أن يسألها: «نعم, أنا هيء التي كنت 
تسألها قليلاً من الخبز في تلك الأيّام». «ما الذي أتى 
بِكِ إلى هنا؟». «بل أنت ما الذي جاء بك؟ غبت عن هذا 
البيت أكثر من خمس سنينء والآنَ تسألني؟ أنا أمرّ من 
هنا كثيرًا فأنا أرعى شِياهي في هذه الأنحاء». واقترت 
منهاء. وابتسم: «ألديكِ قليلٌ من الخبز؟». «بالظبع أَيها 


200 
العطاديق >( وتوشفت كيل ان تتم بدلال: «العبقرئ». 


وانقسعت ابعسامته, ومتث يدها إلى جرابهاء فأخذث 
رغيفًا منه. وناولثه إتاه: «إئه طازج.ء وساخئ, لقد 
خبزثه هذا الضباح... خُنْء لا بدت أئك جائع». وتناول 
الزغيقف, وقضَمَ منه قَضمةً. فشعرَ أثئه خُبز الحياة, 
وقال: «لم آكل من قبل خبرًا سَهِيًا مغله». «هل أخبز 
«وهل أحد يرت معروقًا جميلاً مقثل هذا من جميلة 


م 


متلك؟». و تجاهلت غَزّله وسألثه: « من َي طينة 
أنت؟». وفاجأه الشؤالء. ورأه سؤالاً فلسفيًا لا يخرج- 
من راعية. وعبرث في ذهنه كلّ طيناته؛ وهم أن يقول 
لها: «من طينتكِ أتتها الجميلة». ولكتها أتبعث شؤالها 
قائلة: «لماذا أحرقت البيت؟ ألم تكن تعيش فيه 
بسلام؟ مَن يحرقٌ بيته؟!». ورت بخزن: «تلك قضة 
طويلة». «تمكنك أَنْ ترويها لي ». «لا وقت لدىّ». 
«مكن أن ترعى معي الشياه وتحدتثني في الأتناء, ماذا 
لديك حقى لا تقبل بهذاء الأنبياء كلهم رعوا الشياه ألا 
تريث أَنْ تكونت متلهم؟». ورث: «فعلٌ مُقدَّش مغل هذا لا 
يحتمله إلآ الأولياء. وأنا لسث وليّا بما يكفي لأتبع 
شياهك أتتها الجميلة». «إنه سَهل وممتع». «إنه 
مُقدّس». «إذَا ليس بوسعك الرزفض». وأطرقٌ برأسه. 
وتابع أكل الزغيف بصمت. وأرادث أن تسير مع شياهها 


231 


إلى مرعاهاء فاستوققها: «هل لي أن أسأل سؤالاً؟». 
وردت وي مُولَيةَ ظهرّها له: «اسأل». «ما أخبار 
الشيخ؟». ولقفث جذعها هذه المزة, وأقبلث عليه. فرأى 
وجهها رغيقًا من الخبز أسمرَّ ناضِجًا شَهِيّاء وقالث: 
«الشيخ؟». «اماه مسجد الصضفا». وخفضث طرفها قبل 


أنْ تقول: «مات منذ عام ». وشهة شهقة أحفلتهاء, 


فسألثه: «تعرقه؟». «اأنه شيخي ؟». «لقد مات. البقية 
في حياتك»., «وأيت دقنوه؟». «فكي المقبرة الفوقا». 
وشهقّ مزّة أخرىء, والتفقث إليه مُستفهمة من شهقاته 
المتتابعة: «إتها المقبرة التي ذفِنث فيها أمي... ولكن 
ألم يقولوا إنها أغلقث. فلم يعذ فيها موضة للدفن؟». 
«الشيخ يا دكتور هو مَنْ كان يتولى أمرها منذ أقل قبرٍ 
خفر فيهاء وإلى اخر قبر, ولكته كان يحتفظ لنفييه بقبر 
فارع عند بابها2ء. يزوره كل عيد وهو خىئى, ويناحٌ فيه 
ليلة كل شهر». «هل كان مجنونا؟». «كلنا مجانين 
بصورة أو بأخرى». ولم يتمالك نفسشه من الضحك, 
فأطلقّ قهقهةً عاليةً, فاستدركث: «سمعث أنه كان يفعل 
ذلك ليذكر نفسه بفناء الدّنياء وقدوم الموت, والاعتياد 
عليه». «يا للشيخ!». وشهقّ شهقة جديدة. ومضث في 
طريقهاء وقالث وهي تمضي: «هل لديك سؤال آخَر؟». 
«هل تمزين من هنا دأتثمًا؟». «منذ أكثر من عدر 
سنواتِ». «فلماذا لم أكن أراكِ قبل أن أغادر هذا 


2032 
البيت؟». ««رلانك لم تكن ترى». وصعقته العبارة 


الأخيرة. ولكتها أتقث: «فإذا أردت أن تراني. فإِنٌ 
الضباح موعدنا». وتغت الشياه فمضث بها إلى غايتها. 
وغابث عن نظره وسط ذهوله. 


وهبط إلى القرية مسرعًاء حتى إذا وافاها عرج 
إلى مسجد الضفاء فدخله., فلم يجذ فيه أحدّاء وهبظط 
الترجات إلى الموضع الذي كان يحفظ فيه القرآن على 
يد الشيخ., فإذا هو فعتم., وإذا المحراب الضغير مهجور, 
وأضاء التور, ثم تقدم إلى مجلسه من الشيخ. فوجد 
مصحفه الذي كان يحفظ منه قد علاه القبار. وخرج 
من المسجد فهرولاًء. وقصت إلى المقبرة.ء فرأى باتها 
مُغْلَقًاء. وإذا الشارع الذي أمامها تعبره الشيارات, 
ويتصايح فيه الئاس وهم في بضائعهم كأنّ الموت 
الذي يرقبهم خلفف هذا الباب ليس في خسبانهم, 
وتسؤر الباب. وقفز فإذا هو بقبر الشيخ, فجلشس إليه, 
وقرأ على روحه الفاتحة, ثم ناح إلى جواره. فلقا جَنَّ 
اللثيل قام فسأله: «تعرف أئني لسث ابن عبّاسء, فلماذا 
حقلتني وزر الاسم؟!». ولم يسمغ سوى حفيف أوراق 
شجر الحور الذي يحف بالمقبرة, ثم جغا على زكبتيه, 
وسأله: «ما الدُنيا؟». وعصفث أوارق الحور من جديد, 
وتاتّع أسئلته: «ما الموت؟ إلى أينَ نمضي؟ وهذا الذي 


203 
أنت فيه هل تمكث فيه طويلا. أم يأتيك مَن يأخذ بك 


إلى إحدى الظريقين؟». وظل يسأله. وحفيف أوراق 
الحور يُجيبه حثى نزف أستلته كلها وقام من عنده, 
وهو يقول: «كنت على خطأء وكان أبي على خطأ! لم 
أكن لأحمل آتامكما عِوّضًا عن أن أحملّ آثاح ماركس 
وابن عتّاس». وترك القبسر. وهم أن يذهب إلى قبر أمه 
وخالاته السَت, ولكن رجليه لم تطاوعاه. وفكر: رتما 
في مرّة أخرى, عندما يكون في القلث فتسع لهذا 
الخزن القاتل. وترك المقبرة فعادت إلى الشارع. وسمع 
تهارش التاس كتهارش الكلاب, وَعَتَرَهم كأنه لا يراهم, 
مع أن بعضّهم كان يتهامس على مسمع منه: «أليس 
هذا الدكتور نديم, أليس ابن الشيوعى الملحد؟ أليسش 
هو ابن عتّاس؟ ألم يكونوا يُنادونه في المدرسة 
حافظ؟» وكان يسمع أسماءه كلها يهمش بها الثاس 
على حسب ما يرونه. من تلك الزاوية التي عرفوه من 
خلالهاء أو نظروا من مرقابهم إليه! 


وعَبَرَ القرية حتى شمالها. وظل يصعد حثتى مر 
ببيته في الشفح. فرأى شجرة الزيتون كأنها تعيدذ خلق 
نفسهاء واستغفر الله من خاطره الأثيم, وأعاته: كآأئما 
ُنشِئها الله خلقًا آخر. ورأى عيتي ستارة اللادا فارغتين 
مُطفأتهين. وقد أكل الصضدأ قوائمها2ء. وأبلتٍِ الرزيح 


204 
والأمطار فرشّهالء وكسر العصف رجاجهاء وذة طحيته 


في كل جهة, ولم يبقَ من دواليبها إلا الحديد. وكانت 
التيح تصفر من خلالها كأئها تهم بفراقصتها. وشعر 
بالظعنات تنغرز في صدره من جدييء قترك البيت, 
وهرول باتجاه الكهف في الققة, كأته يهربُ من بيته 
ليجد فيه ملادًا آمئاء وملجأ يحميه من الضّياع. 


واستقز في الكهف وهو يلهث. وجن عليه الليل, 
وقلت وجهه في التجوم. وهمسش همسا يرشح بالرجاء: 
«أتها العالي دلّني». 


235 
224) 


أكلما مشيث إلى الثور سقطث في الوحشة ؟! 


يُمكنني أن أتحزّر متيء, يُمكن لهذه الكتلة 
الضغيرة الفتعفنة في دماغي أن ثعيد تأهيل نفييهاء أنا 
لست آله صقاء. ولسث حديدًا متاكلا أنا طوفان من 
المشاعر المتناقضة, وعلى أن أستصفي الجمالء وأنبذ 
الحَبَث». هكذا حدتٌ نفشه. والليل يُوَغِلُ في طُلماته, 
ورآها في موضع زهرة الخشخاش ثضيةغ في تلك 
القكمات كأتها البدر. وضيّق عيتيه. «هل عات إلى 
تهبّؤاته؟». كلا إنها هي وسألها هل إليكِ من سبيل؟ 
وضحكث, فقال لهاء إنه البيت: 


يُبِنَ لى البدرَ الذى لا أريدَة 
ويُخفين بدرًا ما إليه سبيلٌ 


كانث تجلش وابتسامتها ثّشة في الظلام,. وهي تعقذ 
يديها فوقّ رأسهاء. وثغتي أغاني الرّعاة الشجية. وقاح, 
وشعرّ بقلبه يخفقٌ بين ضلوعه: «هل تكون قَدَرَه الذي 
ظل يهربُ منه؟». ومشى تلك الخطوات القلائل. حتى 
إذا ما اقترت منهاء ذابث في الظلام, واختفى البدر 
الذي كاتها. وغرق هو في العتمة, وحزن: «أكلما مشيث 
إلى الثور سقطث في الوحشة؟». وعاد أدراجه إلى 


2036 
الكهف خايبًا: «ما زال فى بعض الخبت؟». وظهر له 


نديمٌ في زاوية من زوايا الكهف, وقال له: «ما أقدمك 
على و أده كار عندي, ولا مال؟». فقال: «الكأاش قَلبِك 
والشراب ذكزك إياه». «ولكن قلبي ملىة بالتدوب». 
«فاشرثتء فإئنا تالفون». «لقد تركث كل ذلك وراء 
ظهري». «لكته لم يتركك». «ليسش.ى بيننا عهد حثى له 
يتركني». «بل ليش. بيننا مسافة حثتى تكون سواي, 
إئما أنت أناء وأنا أنت». «كلاً...». وصرخ: «كلا. إثنا 
مُختلفان, لقد ؤلدنا مُختلفين» وليس لك الحقٌّ في أنْ 
تكونني, و أكون بعد اليوه سيو أاي». «مسكين ! أنت 
مسكين! انظر إلى حالك أيَها البائسء, إنني أشفق 
عليك». «لسث بائْسَا ولا ضعيفًا حتى تشفق على, 
وبإمكاني أن أنتصر هذه المرّة رغم هزائمي المتلاحقة, 
وانكساراتي التي لم تنته... بإمكاني أن أنتصر... هل 
ليسوا إلآ أسماء, لم يكن لهم متي إلآ تلك الأسماء التي 
الصِفقَثْ بي» أمَا روحي قليء وأما جسديى فسيعود لىي.. 
هل سمعت؟». وقهقه نديم, قهقة ترتد لها صدى في 
الكهف. وراحث تصك أذتيه. وسمعه يقول: «لن 
تتخلص مني ولا من أشباحجك». وتعالت الضحكات 
حقى خرجث من الكهفء ورت صارخًا: «لن أنهزة أمامك, 
فلتذهب أنت وكوؤوسك إلى الجحيم». «كؤوسي 


237 


ستتحؤل إلى رؤوس شياطين تنطبع على جدار هذا 
الكهف الذي لم تجذ ملادًا سواه. وعلى جدار روحك». 
وشعرَّ أنّ روحه تنزف, وأئها شوكة تنرّع بشدة من كبَة 
صوف, وأنها تمزقث إلى ألف قطعة, وانشطرث إلى ألف 
كسفة, وغالت أانهيارّه. كان ينسحث من ماضيه. وشذ 
على قَدَمَيه يُتّت نفسشه حثى لا يسقط,. وبانث عروق 
رقبعه الثافرة وهو يمظها إلى الأعلى2 واحمرّ وجهه., 
صرخ: «أنا له ولسث لسواه... أتها العالي حزّرني... أنا 
كلي لك». وخرجت العبارة الأخيرة من الكهف مثلّ 
سحابة مثقلةٍ بالمطر. وظلث تتهاتى حتى وصلث إلى 
بيتِه. فلمقا أظلّثه بالكامل2, هطلث على المكان مطرًا 
صيباء أصات كل شيءٍ في البيت, فانتبة فيه كل شيي, 
كأئتما كانت الأشياء أموانًا هشها مطر الحباة 
فاستيقظث, وسال الماء على القثراب فأحياه, وانتدى 
فاخضل. وعلى روحه وظلاله التي كاتها في ذلك 
المكان فانتعشث, وأحش وهو في الكهف أنه تخلص 
من جزءٍ كبيرٍ من ماضيه: وأنّ شيئًا ما قد حرّره., وأنّ 
بللآ أصاب روحه العطشى فأرواهاء وشعر براحة كبيرة, 
ونظر إلى الزاوية حيث كان نديم. فرأه يذوب متثلما 
يذوب الملح في الماء. ويسيح من قوائمه, وينسرب في 
الأرضء, ولا يعوذ يظهر منه شيء. وشعرّ براحة أكبر 
هذه المؤزة وهنف: «سأقاتل 0-5 أشباحي, ولو كلفني 


208 
ذلك حيا ني كلها». وشعر بخفة في حجحسده., ويصفاء في 


روحه. وجلسش على الهيئة العني كان يجلش فيها أتَام 
مسجد الضفاء وراح جسده يهتز على إيقاء الآيات التي 
راح يرتدها حقى انسجِم في دائرة تطوف به حول 
مركز ذاته. وذاته تصفو شيئًا فشيئاء وألقى نظرةٌ عبر 
باب الكهف, فرأى التجوم والكواكب والأشجار تطوف 
حول المركز إتّاه. إنه مركزٌ واحد للظواف, تنسجم فيه 
كل الخلائق2 وفكر: «كل خروج عن هذا المركز إنما 
يعني أن ثلقي بنفيسيك في الفراغ حيثتُ اللآمعنى 
واللاعودة». وظل يطوف حثى ذهِل عن نفسه وغلبه 
التعاسء فنام قرير العين. 

في الثوم جاءه كهل وَقورْ قد وخَط الشّيث لحيته, 
كانث عيناه تلمعان كأئهما قطعنا فيروز. ووجنتاه 
تحمران كائهما قطعنا جمر, ولحيته يقطر منها العَرّق, 
وهو يمسح ذلك العرق بيده ويشربه. ويزة شفتيه 
لمُلوحته وفسادي طفمه., لم يكن قد رأى هذا الشيخ من 
قبل فلمًا أقترت منه سأله: «مَنْ 0 «ألم 
تعرفني؟!». «كلاً, إنني أراك أؤل مزة». «ولكثني عشثُ 
فيك زمئًا طويلاً». وحتق فيه وهو بُحتته ولا يزال 
يمسح قطرات العرّق عن لحيته ويشرثهاء فسأله: «ما 
هذه القطرات التي تجمعها من لحيتك وتشربها؟». 


2039 / ظ 
«ائها الخمر الذى كنث أشربه فى الدّنياء. فاجدٌ لدّته, وأنا 


اليوم أجد مرارته. وقد قضى الله على أن أشربها حتى 
يقوه التاس لرت العالمين». وصرخ: «أنت أبا نُوأاسن 
إِذَا؟». «أنا هو». «فما فعل الله بك بعد تلك القروئ 
المُتطاولة». «لقد كاد يُقدّف بي إلي الثار, فالا تسؤز في 
الظريق التي سِزثها فإئني لك ناصح». «لقد قلت كاد 
يُقدّف بكء فما الذي أنجاك من الثار». «ما رويثه من 
الحديث في مطلع شبابي. وما قلثه في أآخَرةٍ من 
حياتي». «فما قلت؟». «فأنت أدرى». « تقصد قولك: 


إن كان لا يرجوك إلا محسِن 
فيمَن يلود ويَشتجيز المُخْرح ؟!». 


«يلى, وأى شي سصوى ذلك, لكثني كما ترى أتدهده 
في حَرّ عيننى وجمرة خحخَدتى ومز شرابي إلى يوم 
الجساب, وإئه قد جرى على القَلّم, ولم يعذ لي من أوبة 
وتوبة, وأمَا أنت فما زلت في بحبوحة. فاقذف عنك 
اسميء فإنه لم يَجْرَ على إلا القبال. ودغك مِما تفرح له 
التاس وهي تتفكه بذكر أخباري وتطربُ لسماع 
أشعاريء فإئما الشقى مَنْ ذكره أهل الدُنيا ونسيه أهل 
الآخرة, والشعيد من أخملّ ذكرّه أهلْ التنيا ودَّكَرَه اللّه, 
فاسلك إلى الله مُنعرجك. يعرخ بك إلى مراقيك». 


20 
قوفه كلامه من ظلبه موقع الغفيث من الأرص المُمحلة 


فلمًا استيقظ كان أبو نواس قد مضى لسبيل لا يُرجَى 
منها إيابٌ. 


وهبط إلى القرية في الضباح.2 وقال وهو في 
الظريق: «يا لَها من ليلة!». ثم نظر الشمس فإذا هي 
تبعث في أوصاله الحياة والدذفء., وتابع: «ويا له من 
صباح لو أثئني لقيث الزاعية الجميلة». وشدّ على 
خحُظواته, وهو يقفز بين الضخور والدروب كاأئه غزال 
استيقظ فيه نداء الحياة والمرح أوقل مزة, وبانَ بيثه 
الفحترق من بعييء وهرولء وهو يُمنىي نفسه أن يجدها 
عنده. فَلّما اقترت رأى سرب الشياه قد أراعح قليلاً في 
ساحة البيت, وبدأث تنهض من مجاتمهاء فقفز قلبه بين 
ضلّوعه فلمًا رأهاء هتف يها: «أتتها الجميلة؟». فرتت: 
«وماذا يريد المجنون؟». «أنا مجنوئ بكِ». وكانث 
شِياهْها عندها في تلك اللحظة أصدق وأوقََى منه, 
فردت: «وأيت تناح ؟». «قفي العهف». «ألان تأكّد لى أَنَكَ 
مجنون, تنام في الكهف وتتزك بيقك». «إنّه للتيران». 
«إنه لك». «إثه ذاكرتي القاتلة». «إنّه ذكرياتك الحكيّة». 
«إنه موحش». «انه عامز بك». «إنه سيكون عامرًا لو 
قيلت بي !». «أنت؟». «و صاذأ ينقصني ؟ ألم تكونىي فد 
قلت 0 عبقري ». «يتقصك قلت». جرأأنا بللا قلب؟1». 


241 


«قلبُك لا يزال فضطريًا». «لو حللتٍ به لْهِدَأْ». «بيمنا 
في الظرف الآخر من القرية, أمامه شجرات الجوز 
الشث». «إنه بعيد». «إنه ل 1 ” من لثم ندند 
صايقًا». «منئ علمكِ أن تتفلسفي؟!». وضحك. 
وضحكث هي الأخرى, وتايعث: «أنت». «أنا؟!». «نعم, 
أنت. منذ ذلك اليوم وأنا في الابتدائيّية لم يحل في 
قلبي سواك, وكنث أدعوه ألآ يحل فى قلبك سواي». 
«و ها أنا قد غدت». «وها أنا قد غدت كذلك». «مصا 
اسفكِ أتتها الجميلة؟». وردت: «جميلة». 


وأتة نزول الشفح إلى القرية, وأتقث هى ضعودها 
إلى شعف الجبل تتبة خرافها. وظلث تدخل إلى قلبه 
وهو يهوي خجرة حجرة حتى ملأث عليه الخخرات 
كلها. ومر بالشوقء ورأى التاس يتبايّعون ويتصايّحون 
على عادتهم, وسار في الشارع المُوصل إلى المقبرة 
الفوقا. وهتف في أعماقه: «لقد وعدثها أن أزوزها». 
وأوققه صوث من خلف ظهره وهو يُسرع الخُطا إلى 
المقبرة: «حافظ... يا حافظ» وانتبه فإذا هو رجل من 
جيله في وسط القلاثينيات كما قَدر. واقترت منه 
يعرفه. وقال له الزجل: «أهلاً يا حافظ؟ هل غدت 
إلينا؟». «هل أعرفك؟». «رتما عقلك الكبير لا يتسع 
لأمثالنا نحن الجقلة». «مَن أنت؟». «أنا أحث الأولاد 


الذيد أغرقو2ك في البركة, أنا جميل. هل تُسامحني؟». 
ومَد يده إليه ليُصافح. فكف حافظ يده., وهتف به: «لن 
أسالحك ما حييت؟». «لقد كنا صِغارًا». «لقد كدث أنْ 
أموتء بل لقد عدت من الموت لولا ذلك الراعي الذي 
سحبنىي ونقلني إلى المُستشقى». «أتعرف مَنْ الزاعي 
الذي انك 4 «كلاً». «انه أبي». «رأث حنون لا يُمكن 
أن ينجت قذرًا متلك». «لقد مضى على ذلك ثلاثون 
عامًا يا صديقيء. وانظر أينَ صرناء كل ما أطلبه منك أَنْ 
تُسامحني». جر أ أستطيع ». «رتصا في وفت لاحق عندصا 
تزورنا في البيت». ومضى تاركا إيَاه إلى المقبرة, 
وسمعه يقول وهو مُولَ: «عندت شجرات الجوز الشث». 


على بابها شعرّ أن قله انقبض. كانث كلماث جميل 
هذا قد هزته. تذكره الآن, إنه أكثر الأولاد نكالة به, لقد 
ستب له في صِكّره جروعا لا يُمكن أن تندمل بسهولة 
مهما مز عليها من زمنء لقد كان يستهزئ به هو 
ومجموعة من الأولاد كبار الحجم2, وهم يضحكون: 
«حافظ مش فاهم... حافظ مش فاهم». حثى ألصقوا 
به هذا الاسم الذي لا يُحته. واليومح ناداه به. إنه هو 
ذلك اللعين الذي كرّهه بالمدرسة, وجعله يدفن نفسه 
في الكتب حثتى ينسَى أمره هو وبقيّة الأولاد. لكته 
يعود إليه اليوم. هل يريذ أن يُذكره بماضيه التعيس أخ 


203 


بربذه أَنْ يتخلص منه؟ وهل هو قاد بالفعل أن 
يُساعده على القخلص من هذا الجزء الأسود من 
الماضى؟! والآن؛ ها هو أمام المقبرة, وهو لا يشعر بعلك 
الزغبة التي خرجٍ بها من كهفه هذا الصضباح لزيارة قبر 
أهه. إنه يشعر أئه لا معنى لهذا الوقوف بهذا الباب! 
ورفة يديه. وقرأ الفاتحة وهو في مكانه قبل أن يدخل, 
ثم أعطى ظهره للمقبرة وعات إلى الكهف. 


ظل يتحزّك في الكهف. يذرع الخخطوات القلائل, 
بُخرِجٌ دفتره الجلدي, يقرأ ما كتب فيه. يغوض في 
ماضيه. يُغلقه, يقرأ آياتِ من القرآن. يصمت, يقف على 
صلدٍ من الصُوانء. يكتب على جدار الكهف, يُحاول أنْ 
يرسم وجه جميلة. إنّه الوجه الذي أزال عن وجه 
الحياة الضاحك طبقاتٍ سوداء من غبار الشنين. يجلش 
صامِنًا عاقِدًا كفيه تحت ذقنه. يقوم مضطرباء يُحِدَ 
النظر إلى سقف الكهف, علثه البقّع الخضراء لعفن قديم 
من رطوبة ترشح من الأجران.2. يرى حروف العربية 
تتساقظ كما لو كانت قطرات من ندّى تن من تلك 
الأجران. إن حروف العربقّة ندىء وإنها لثنعش القلب. 
يراق التهار وهو يرحلء والضوء وهو يهرول بعيدًاء 
ينسحث من المكان. يتحرك أمام الكهف, يتلو لاميّة 


24 
الشنفرّى. يصرخ. يهدا قليلاً. وينظر في نهاية التهار إلى 


الأفق, فيراه مُخرجًا بالدم القاني, كأئما فَمَلّه الليل, 
وسحت عليه سرباله الأسود. ورويدًا رويدًا بدأ لون 
الشفق الأحمر يزداد كثافة حقى ازرقء ثم صار كُحلبًا 
ثم أتم لباه توب اللّيل فاسوت تمامًا. وأصاتثه بهجة 
مفاجئة, وترك الكهف, وراح يهبظ الجبل باتجاه القرية, 
وواصل سيره الحتيث تجاه المقبرة, كانت الشوارع قد 
بدأثت تُصبح خاليةً2. والمحلآأات قد بدأث تثغلق 
جواريرهاء والحمير الفحقلة بالحطب تعود أدراجها إلى 
أظيها. وسرّه انسراب القاس من الظرقات, واختفاؤهم 
في بيوتهم, وأنْس بهذا الفراغ الجميل. واسترقٌ 
الخطوات جذلان. حتى وقف بالباب, وشعرّ أنه ينفتح 
له دون أن يلمسه: وأر حديده القديم, ودخلء فرأى عن 
يمينه قبر الشيخ إمام مسجد الضفاء وقرأ على روحه 
الفاتحة: «فلترقذ روخك بسلام». وظل يمشى حثى 
وافَى قبرَ أقه. كانت الشاهدة ما تزال شاهدة: إنه يعوذ 
في التهاية إلى أقه. «نحن كلنا نعود إلى أقهاتنا بطريقة 
أو أخرى». كان قبزها حقيقيَا إلى الحد الذي كات يُنكر 
فيه ما تبقى من أبيه2. وهو عظمة إصبع التتابة, 
وتحتسها في رقبته. كان قد ثقبهاء ونظّمها بعقد أسود, 
وعلقها في عنقه. وقرفص أمام القبر. ورفع العظمة, 
و هنف : «أهذا كل ما تبقى منك؟». وسمة صوت أَمّه: 


245 
«لئن يتبقى مثا لد 45 وسالها: «انت هنا؟» «اأنا 


معك؟». «لقد تخليث عنكِ فَلِمَ لا تعخلين عنى ؟». «أنا 
لن أتخلى عنك حتى ولو زهث عظاميء أنت ابنيء, أنت 
صالح., ولكنّ رؤوس الشياطين تخظفثك مثيء أما آن 
لك أن تعود؟». وثقت الشؤال الأخير فؤاده. وانسلث 
دمعة من عينيه. وسألها: «كيف أعود؟». فرتث: «إنّه 
«آللّه؟». «وَمَنْ سواه؟! وإنه يُحتك». «وإتني في 
خبه». «فأصغ له, فقد صعفت أذتيك عن نداءاته طوال 
مسيرتك, وما تركك في أي منعطف منهاء ولا في أيّة 
لحظةٍ من ليل أو نهار إلآ دعاك إليه». وبكى.2 وهوى 
بجسده النحيلء. فمت ذراعيه على اتساعهما واحتضعة 
قبرّهاء. وأرحَى رأسه فوقه. وهتف وهو ينشج: «هل 
تُسامحينني ؟». «أنا ما غضبث منك حثتى اما ا , 
ولكن إذا كنت تريث لروحي أن تهنأ في رقدتها فاقبل 
على 6د أقَبلّ عليك». وناحَ إلى جوارها تلك الليلة, قلما 
طار غراب الليل2. ونهض عصفور الضباح.ء فصاح, 
استيقظ. وعادَ إلى الكهف. 


غناءةها الشجى مزثئين في اليوم؛ حيت تأخذ الشمس 
بيد التهار في أوله. وحين تتركه باكية لقبضة الليل فى 


26 
أخره., وقالث له: «البيثتث حون أنه نابض بك». ووذت: «لو 


كان #اثابضًا بى لما هات على أَنْ حرق «لم تكن أن 
حيت فعلت, كانث تتنارّعك أشباهك». وحدث نفشه 
هامسًا: «هذه الجميلة تعرقني أكثر مما أعرف نفسي ». 
وسألها ضاحِكا: «هل لديكِ رغيف خبز فإتني جائع». 
«لن بُشبعك إلا الخبز الذي أطعمك أئاه فأقبل». وأقبلّ 
فإذا هي التنيا في حلاوتها2ء والحياة في طلاوتها, 
والعمر في نداوته., والفرح فى بهجنه. ومضى ومضثت. 


وكم توالى الليل بعد التهار. وشقث شدفثه شجفته, 
واكل منه حتثى شبع: وشرب منه حثى أرتوىء فلقا فاح 
إلى دفتره ليكتب, وجت أن الكلاةة استعصى عليه وأنّ 
حاله يُغنن عن مقاله. فكف. وتتابعث عليه الذكريات, 
حقيقةً وما كان منها خيالةً. وما عبر منها به, أو عبر منه 
بها...! وغرق في طوفان الأتّام. وظهرث له (ليندا), 
وقالث له: «كنث أريذ أن أهبك سعادة لم تعش متلها, 
ولكتك نكصت في آخر الظريق عن أن ثيِقه. ولو فعلت 
لوجدت حياة غير الحياة». وهم أن يقتلها2. ومت 
ذراعيه. يريد ان يقبض على عنقها فيخنقها.ء واعتصر 
ذلك العنق فما أفاق إلا وهو يعتصر الهواء, ولا يشت إلآ 
على قبضتي كفَيه بأصابعه! 


2147 
وأسند ظهره إلى جدار الكهف في غمقه,. ورفع رجله 


الُمنى فعقَدها على صدره. ونظر فى الظلام إلى باب 
الكهف ورأاهم حميقا؛ حار فيه سمه يتصارعون. لم يكن 
صراعًا بين الخير والشتق. فمنذ أن عاش الشثّة فى عقله 
ومعاني الخير والشّز تبدو باهتة لا قيمة لهاء وكان 
يعتقد أن الخير الذي ينتصر قد لا يستحق التصر, وأن 
الششرّ الذى يخسر قد لا يستحق الخسارة. كان عل 
هذه الحياة. أن يسيرا معًا كشقيقين في تلافيف 
دماغه, لم يكن صالحا بالضرورة ولم يكن طالكا بالطبع, 


فكْر فى البشر الذين يتدافعون تداقع الأمواج 
إلىى الشاطوء الزملى تم يعودون: «إنهم جيش آخز من 
القَكلة والشعراء والأطتاء والمُهندسين واللمجرمين 
والمحامين والقرضى والعاطلين عن العمل والمجانين 
والكَدّبة والآباء الحمقي والأقهات البائسات وؤقار 
القبور وئزلاء القصكات النفسية؛ الحياة هكذاء ولن 
تكون 0 هكذاء وعليه أَنْ يعرف كيفيعيش وسط هذه 
الأمواج! 


ا ارها || 0-5 555 اذظا ٌ | ّ َأ ليك #2 2 وراء 


208 
ذلك القناع الفزتيف؛ لتنبدو الحقيقة جليّة. سقط ماركس 


وابنئْ عتاس ونديم وابو نواس وحافظ, ولم ببق إلا 
صالح, ومع أنه حار أَقَلْ الأسماء لصو قًا به,. لكته ثبت 
معه حثى التهاية. والغاية لمن ثبت لا لمن اشثتهر, 
والفوز لمن أصابَ لا لمن أتار. كان كل شقوطٍ يُعلِىي 
بقائه. حقى شعر أن اليوم الذى سقثه فيه أمه (صالح) 
هو اليوح الوحيد الجدير بالبداية من جديد. لقد كان 
يوم ولادته. وها هو بُولد تانية. 


209 
)25( 


الانبيتاق 


قال له جميل: «هل تُسامحني الآن؟>» ورد عليه: 
«لأجل عيتيها لا لأجلك». «بل لأجل أَنْ لتمى. 
الماضي». وضّحجكا مقا. وغتتٍ التساء. وهزج الزجال, 
وتغت شِياهها فرعاء ورقصث أشجار الخور في الوادي 
وتلك التي في المقبرة. وسمعت القرية كلها أنَ طبيبها 
العبقري خطب راعية, فهرعوا إلى الحفلء فلم يبقّ في 
القرية ليلتها أحت إلآ عَتَى وطرب! وسأله أبوها: «يا 
دكتنور صالح أين سمتسكنان ؟». ورذ: «قفي يننا الذي 9 
يزال هناك في الشفح». «لكنه محترق». «لقد كان 
احتراقه فرصةً لكي يعود خلقًا آخر». 


وعملث فيه يد جميلة فجَمّلنه. وهل تصنع يذ الأنتى 
حينت تحت إلآ جميلا؟! غسلث أوزار القكان. وكنسث 
غُباره وماضيه. وطلتٍ الجدران. ووزعث روعها الظيّبة 
في كل زاوية,. فزرعت الحديقة بالورود. كل زاوية لها 
وردها الخاصء. وسقت الأشجار. واعتنث بهيكل الشيارة 
الصضيئ2. فجلث عنها سوات الشنين2. ولوؤنث أبوابها, 
وجوانبهاء وعلقث في سقفها أصصًا من الزهور. وعلى 
متكآت أبوابها قوارير من الزيحان, وزرعث في عيتيها 
نَؤرَا من الزنابق فأضاءتاء ومَنْ نظر إلى الشيارة من 


2150 
بعيد رأى مهرجانًا من الورود الترتارة والألوان الؤزاهية 


واعقتث بشجرة الزيتون, كان لها تاريخ, وعليه أنْ 
يستمن,. وكانث خير أمينة عليه. وسقاها صالح من خته 
القديم, فعادث إليه. وتمتعث في البداية كأتها ثعاتبه 
على ما ارتكبث يده., ثم لان قلثها. وسامحثء والكبير 
يغف. وسرث في عروقها الحياة. فراحث تمت أذزعها 
في كل اتجاه كاتئما تستيقظ من شباتٍ طويل مز عليه 
سنوات عجافء وقد قامت من قبر رقدث فيه آلاف 


الأعوام. 


وعمدث جميلة إلى الترجات المُفضيات إلى 
العتبة. فأعادث لها الثّون وملأثها بالخضرة الظافحة, 
وكانث إذا وقفث هي على تلك الدترجات بدّث جزءًا من 
اللوحة فائقة الجمال. وردة أخرى تقف في حقل من 
الورود. وتذكر هو عهد الخشخاش فابتسم. رب لون زاهج 
يختيئ خلقّه شم قاتل, وها هي زوجته الشغوفة تغسل 
كأس السْمَ التي كان يشربُ بهاء وتملؤها شَرابًا ظهورًا. 


البيت من خلف الشياج. فى الموضع الذى وقفف يو 
غادرّه وهو يحترقء. وشهق شهقة كادث تطيز بلته, وهو 


251 


يرى المشهدين جنبًا إلى جنب, مشهد الاحتراق ومشهد 
الانبثاق, مشهد الموت ومتهد الحياة. وفكر: «هل 
أعادث له جميلة الحياة من بعد موت, وجعلته يلتقي 
نفسّه بعد طول ضياع ؟!». 


وقالث له جميلة: «أبِيه بعضّ الشياه. وتفتح عيادتك 


المكتبة, وقالث له: «المكتبة موضع الشفاء, ويجب أن 
تكون العيادة فيها». وراح التاس يتقاطرون إلى 
عيادته, كان يأخدٌ مبلقًا بسيطًا مقابل علاجهم, ويُسامح 
مَنْ لم يكن يملك المال من الفقراء. وخضصث له جميلة 
يومَا في الأسبوع سقثه يوم الوزد, قالث: «إنت عليك أن 
تعالج الثاس في هذا اليوم بالقجان». وكانت ساحةٌ 
بيتِه في هذا اليوح تزدحم بالتاس وتفيض بهم. حثتى 
تراهم قد وقفوا خارجٍ الشياج, وكانث جميلة تطبخ لهم 
وجبة الغداء في هذا اليوم وثطعمهم, وتقول: «كلوا من 
رزق الله وابتهجوا». وكانت تحول هذا اليوح إلى غرسٌ. 
أسبوعئى مشهود., إذ إنها وفرث الأطفال القادمين في 
هذه الشاحة بعضّ الاألعاب والظعام. وكانث تضع على 
الموائد كتبّا لمن أرات أن يقرأ وهو ينتظر ريثما يحين 
دورة فيكشف عليه الذكتور. 


وأحتهما كل مَنْ في القرية. وعادث إلى صالح 


252 


هل كان طفلها المُدلل؟! 


وقصتهما التاس من أنحاء الدولة كُلَّها.ء وكانوا 
ملجأ الفقراء. وموئل الأيتام. وملاذ البائسينء. وأتاهما 
مَن يطلث الشفاء ولو بالكلمة الظيبة من وراء الحدود, 
وبدأ الماضي الذي عاشه صالح يُصبح من الماضي, 
وبدأث أتامه التي تزرعها ورودًا جميلة في روحه هي 
الك تنمو بثباتٍ وبهدوء. ودار في خَلدِه: «كانَ يُمكن 
أن نمضي إلى الأمام بقركٍ كل ما خلقّنا خلقّنا». 


ولم تهرك جميلة رغم وقوفها إلى جانبه عادتتها 
في اثتباع شياههاء وسيرها خلقّها إلى أعالي الجبال, 
وكانث تحلبها وهي ثغتي أغاني الرّعاة القديمة الشجيّة 
إتَاهاء تصنع منها الجبنة واللبن والزيدة والشمن والأقط, 
وكانث تقول له: «إن كل نظرتّات الظب التي درشتهاء 
والفلسفات التي تبتيتها تُختصر هنا؛ في هذه الطبيعة, 
إنها أقناء الموضع الذي خرجنا منه وإليه نعود». 
وتضحك: «لقد أفنيت حياتك في الخروج على قوانين 
الظبيعة يا حبيبيء ولكتها في التهاية انتصرث عليك, لا 


253 
10 ال 222 فر ور ابا لي لقص فو نادت 


الكريم. فتطعمهم وهي تقول: «خبزنا لغيرنا كما هو 
لنا». وقَسَمت رغيفها بينها وبين أبنائهاء أبناء القرية 
الوادعة؛ فلم يبقّ جائة في القرية إلا قصدهاء حثتى 
سَمَؤها أم المساكين. وكانت تفرح باللقب. وكان هو 
يبتسم,2 وهو يقول لنفسه: «للحياة وجوة كتيرة, يبدو 
أتني كنث أجهل كثيرًا منها قبل هذه المرأة العظيمة». 
وتحوقل بيثه تدريجيًا إلى ممستشفى صغيرء وسَقاه 
التناس مستشفى المساكين. وضّحجكا مَعا وهما يرعيان 
كل هؤلاء المحرومين,ء وقالث له: «لقد كانوا شفاءَك كما 
كنت شفاء هم ». ورذ: «أكثر مما كنت أتصوؤر». 


ومضى زمئن الشواقي التي تدور في غفلةٍ من 
الزمن نفسه, وسقى الماء كل نبتةٍ عطشى فأيتعها. ودار 
على المحرومين فمنحهم. وأعطثه هي كل ما تملك, 
وتعلّم منها أن نشوة القطاء تصغْر أمامها كلّ نشوة. 
وقذفٌ رَحِمْهِا له سِثة من الأبناء. وكان أكولاًء وكبرث 
كرشه. فكانت تسبقه إلى سرير الشفاء. وتضخم أنفُه 
ونمث عليه شعيرات قلائل. كأئها صتار في صحراء., 
وتدلث التظارات على صدره. وردقت الهوّة التي كان 
يتوهمها بينهماء وصنعث جسرًا عجره إلى ضِفّتها بأمان. 


وكبر أبناؤه. ودرس الأكبر منهم الظتء, وكان قد 


7 قال له من قبل على أريكة في الموضع ذاته: «يا بنى 
إذا أردت أن تدرس ما يُعينك على أغ تقطة هذه الحياة 
فعليك بالأدب, فاته أعظم ما أنتجثه الإنسانيّة». وكان 
ابئه الأكبر في غرفة العمليّات. حين يُخرج القلتٍ من 
ذلك الصدر المُتعهب ثراوده نفشه أنْ يقضم منه قضمة! 

وكان ينامُ في الغرفة الّنَي كان أبواه ينامان 
فيهاء. وفي ليالي الشناء القارسة. كان يقوم من نومه 
مفزوعًا. وينظر إلى رجاج الثافذة فيرى رؤوس 
الشياطين تسيل عليها. ومن خلف تلك الزؤوس كان 
يرى شجرة الزيتون العملاقة2. وهىي تشربٌ الماء في 
سكينة, والتجوم وهي تضحك, والكواكب وهي تواصل 
سيرّها في المدى الأزلى2. وبدث نيويورك من قلك 


> زع 
اقاقلاء »> 


أيمن العتوم 


إسطنبول 2019-8-30